الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
49 - مسألة؛ قال: (وغَسْلُ المَيِّتِ)
اخْتَلَفَ أصْحَابُنا في وُجُوبِ الوُضُوءِ منْ غَسْلِ المَيِّتِ؛ فقال أكثرُهم بوُجُوبهِ، سواء كان المَغْسُولُ صَغِيرًا أو كَبِيرًا، ذَكَرًا أو أُنْثَى، مُسْلِمًا أو كافِرًا. وهو قَوْلُ إسْحَاق، والنَّخَعِىِّ، ورُوِىَ ذَلِكَ عَنِ ابنِ عُمَرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وأبى هُرَيْرَةَ، فرُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عَبَّاسٍ أنَّهما كانا يَأْمُرَانِ غاسِلَ المَيِّتِ بالوُضُوءِ. وعن أبِى هُرَيْرةَ، قال: أقَلُّ ما فِيه الوُضُوء. ولا نَعْلَمُ لهم مُخَالِفًا في الصَّحَابةِ. ولأَنَّ الغالِبَ فيه (1) أنَّه لا يَسْلَمُ الغاسِلُ (2) أنْ تَقَع يَدُهُ علَى فرْجِ المَيِّتِ، فكان مَظِنَّةُ ذلك قائِمًا مَقَامَ حَقِيقَتِه، كما أُقِيمَ النومُ مَقَامَ الحَدَثِ. وقالَ أبو الحسن التَّمِيمِىُّ: لا وُضُوءَ فيه. وهذا قَوْلُ أكْثَرِ الفُقَهاء، وهو الصَّحِيحُ إن شاء اللهُ؛ لأنَّ الوُجُوبَ من الشَّرْعِ. ولم يَرِدْ في هذا نَصٌّ، ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوص عليه، فَبَقِىَ علَى الأَصْلِ، ولأَنَّه غَسْل آدَمِىٍّ. فأشْبَهَ غَسْلَ الحَىِّ. وما رُوِى عن أحمدَ في هذا يُحْمَلُ علَى الاسْتِحْبابِ دُونَ الإيجَابِ؛ فإنَّ كلامَه يَقْتَضِى نَفْىَ الوُجُوبِ، فإنَّه تَرَكَ العَمَلَ بالحَدِيثِ المَرْوِىِّ عنِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ (3) ". وعَلَّلَ ذلك بأنَّ الصَّحِيحَ أَنَّه مَوْقُوفٌ علَى أبى هُرَيْرة. فإذا لم يُوجِب الغَسْلَ بقَوْلِ أبى هُرَيْرة، مع احْتِمالِ أنْ يكونَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلَأنْ لا يُوجِبَ الوُضُوءَ بقَوْلِه، مع عَدَمَ ذلك الاحْتِمال، أَوْلَى وأَحْرَى.
50 - مسألة؛ قال: (ومُلَاقاةُ جِسْمِ الرَّجُلِ للمَرْأةِ لِشَهْوَةٍ)
المَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّ لَمْسَ النِّسَاءِ لِشَهْوةٍ يَنْقُضُ الوُضُوءَ، ولا يَنْقُضُه لِغَيْرِ شَهْوَةٍ. وهذا قَوْلُ عَلْقَمة، وأبى عُبَيْدَة، والنَّخَعِىِّ، والحَكَم،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب الغسل من غسل الميت، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 2/ 179. والترمذي، في: باب ما جاء في الغسل من غسل الميت، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 4/ 214. وابن ماجه، في: باب ما جاء في غسل الميت، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 470. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 103، 130، 2/ 280، 433، 454، 472، 4/ 246.
وحَمَّاد، ومالِك، والثَّوْرِىِّ، وإسْحاق، والشَّعْبِىِّ، فإنَّهُم قَالُوا: يَجِبُ الوُضُوءُ علَى مَنْ قَبَّلَ لِشَهْوةٍ، ولا يَجِبُ علَى مَنْ قَبَّل لِرَحْمةٍ. ومِمَّن أوْجَبَ الوُضُوءَ في القُبْلَةِ ابنُ مَسْعُودٍ، وابنُ عُمَرَ، والزُّهْرِىُّ، وزَيْدُ بنُ أسْلَم، ومَكْحُول، ويَحْيَى الأَنْصَارِىّ، ورَبِيعةُ، والأَوْزَاعِىُّ، وسعِيدُ بن عبد العزيزِ، والشَّافِعِىُّ. قال أحمدُ: المَدَنِيُّونَ والكُوفِيُّونَ مازالُوا يَرَوْنَ أنَّ القُبْلَةَ مِن اللَّمْسِ تَنْقُضُ الوُضوُءَ، حتَّى كان بأخَرَةٍ وصارَ فِيهم أبو حَنِيفة، فقالُوا: لا تَنْقُضُ الوُضُوءَ. ويأخُذُونَ بحَدِيثِ عُرْوةَ، ونَرَى أنه غَلَطٌ. وعَنْ أَحْمَدَ، رِوَاية ثانِية، لا يَنْقُضُ اللَّمْسُ بحالٍ. ورُوِىَ ذلك عَنْ عَلِىٍّ، وابنِ عَبَّاس، وعَطَاء، وطَاوُس، والحَسَنِ، ومَسْرُوقٍ، وبه قال أبو حَنِيفَة، إلَّا أنْ يَطَأَهَا دُونَ الفَرْجِ فيَنْتَشِرَ فِيها، لما رَوَى حَبِيبٌ، عن عُرْوَةَ، عن عائِشَة، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ امْرَأةً مِنْ نِسائِه، وخَرَجَ إلى الصَّلاةِ، ولم يَتَوَضَّأْ. رَوَاه أبو دَاوُد، وابنُ مَاجَه، وغَيْرُهُما (1). وهو حَدِيث مَشْهُورٌ، رَوَاه إبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ (2) عن عائِشَة أيْضًا (3)، ولأنَّ الوُجُوبَ مِنَ الشَّرْعِ، ولم يَرِدْ بهذا شَرْعٌ، ولا هو في مَعْنَى ما وَرَدَ الشَّرْعُ به، وقَوْلُه:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (4). أرادَ به الجِمَاعَ، بدَلِيلِ أنَّ المَسَّ أُرِيدَ به الجِماعُ (5) فكَذَلِكَ اللَّمْسُ، ولأَنَّهُ ذَكَرَهُ بلَفْظِ المُفَاعَلَةِ، والمُفَاعلةُ لا تكونُ مِنْ أقَلَّ من اثْنَيْن. وعن أحمد، رواية ثالِثَة، أنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ بكُلِّ حالٍ. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ، لعُمُومِ قولِه تَعالَى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ،
(1) أخرجه أبو داود، في: باب الوضوء من القبلة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 40. والترمذي، في: باب ترك الوضوء من القبلة، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 123. وابن ماجه، في: باب الوضوء من القبلة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 168.
(2)
أبو أسماء إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمى الكوفى، كان من العباد، مات ولم يبلغ أربعين سنة، توفى سنة اثنتين وتسعين. تهذيب التهذيب 1/ 176، 177.
(3)
قال الترمذي: وقد روى إبراهيم التيمى، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَّلها ولم يتوضأ. وهذا لا يصح أيضًا، ولا نعرف لإبراهيم التيمى سماعا من عائشة. عارضة الأحوذى 1/ 124، 125. وانظر ما يأتى من كلام الإِمام أحمد.
(4)
سورة المائدة 6.
(5)
في م بين معقوفين: "في آيات الطلاق". والمعنىُّ به ما ورد في الآيتين 236، 237 من سورة البقرة.
وحَقِيقَةُ اللّمْسِ مُلَاقَاةُ البَشَرَتَيْنِ، قال اللهُ تَعالَى مُخْبِرًا عن الجِنّ أنَّهم قالوا:{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} (6)، وقال الشَّاعِرُ:(7)
* لَمَسْتُ بكَفِّى كَفَّهُ أطْلُبُ الغِنَى *
وقرَأَهَا ابنُ مَسْعُود: (أَوْ لَمَسْتُم النِّسَاءَ). وأما حَدِيث القُبْلَة فَكُلُّ طُرُقِهِ مَعْلولَة، قال يَحْيَى بن سَعِيدٍ: احْكِ عَنِّى أنَّ هذا الحدِيثَ شِبْهُ لَا شَىْءَ. وقال أَحْمَدُ: نَرَى أنهُ غَلَّطَ الْحَدِيْثَيْنِ جَمِيعًا - يَعْنِى حَدِيثَ إبْرَاهِيم التَّيْمِىّ، وحَدِيثَ عُرْوة - فإنَّ إبْرَاهِيَم التَّيمِىَّ لا (8) يَصِحّ سَمَاعُه مِنْ عائِشَة، وعُرْوَةُ المَذْكُورُ ههُنا عُرْوَة المُزَنِىُّ (9)، ولم يُدْرِكْ عائِشَة، كذلك قالَه سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ، قالَ: ما حَدَّثَنا حَبِيبٌ إلَّا عن عُرْوَةَ المُزَنِىِّ، ليس هو عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ. وقال إسْحَاقُ: لا تَظُنُّوا أنَ حَبِيبًا لَقِىَ عُرْوَةَ. وقال: قد يُمْكِنُ أن يُقَبِّلَ الرَّجُلُ امْرَأتَه لغَيْرِ شَهْوةٍ بِرًّا بها، وإكْرَامًا لهَا، ورَحْمةً، ألا تَرَى إلى ما جاءَ عنِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قَدِمَ من سَفَرٍ فَقَبَّلَ فاطمةَ. فالقُبْلَةُ تكُونُ لِشَهْوةٍ ولِغَيْرِ شَهْوةٍ. ويَحْتَمِلُ أنه قبَّلهَا مِنْ وراءِ حائلٍ، واللَّمْسُ لغيرِ شَهْوةٍ لا يَنْقُضُ، لأنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَمَسُّ زَوْجَتَه في الصَّلَاةِ وتَمَسُّه. ولو كانَ ناقِضًا للوُضُوءِ لم يَفْعَلْه، قالَتْ عائِشَةُ: إنْ كانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ليُصَلِّى، وإنِّى لمُعْتَرضَةٌ بين يَدَيْهِ اعْتِراضَ الجِنَازَةِ، فإذَا أرادَ أن يَسْجُدَ غَمَزَنِى فقَبَضْتُ رِجْلِى. مُتَّفَقٌ عليه (10). وفي حَدِيثٍ آخَر: فإذا أرَادَ أن يُوتِرَ مَسَّنِى
(6) سورة الجن 8.
(7)
هو بشار بن برد، وهو صدر بيت، عجزه:
* ولم أدْرِ أنَّ الجُودَ مِن كفِّه يُعْدِى *
وينسب هذا البيت مع بيت بعده إلى عبد اللَّه بن سالم الخياط. انظر: حلية الفقهاء 56 وحاشيتها.
(8)
في م: "لم".
(9)
كذا ورد أيضًا عند ابن حجر، في تهذيب التهذيب، وترجمته تدور حول هذا الحديث، قال ابن حجر: فعروة المزني هذا شيخ لا يدرى من هو، ولم أره في كتب من صنف في الرجال إلا هكذا، يعللون به هذه الأحاديث، ولا يعرفون من حاله بشيء. [كذا]. تهذيب التهذيب 7/ 189، 190.
(10)
أخرجه البخاري، في: باب الصلاة على الفراش، وباب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكى يسجد، وباب التطوع خلف المرأة، من كتاب الصلاة، وفى: باب ما يجوز من العمل في الصلاة، من أبواب =
برِجْلهِ (11). ورَوَى الحَسَنُ قال: كان النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم جالِسًا في مَسْجِدِه في الصَّلاةِ فقَبَضَ علَى قَدَمِ عائِشَةَ غيرَ مُتَلَذِّذٍ. رَوَاهُ إسْحاقُ بإسْنادهِ، والنَّسائِىُّ (12). وعَنْ عائِشَة قالَتْ: فَقَدْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ، فجَعَلْتُ أطْلُبُه، فوَقَعَتْ يَدى علَى قَدَمَيْهِ، وهُمَا مَنْصُوبَتَان، وهو ساجِدٌ، وهو يقولُ:"أَعُوذُ برِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وبِمُعافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ". رَوَاهُما النَّسائىُّ، ورَوَاه مُسْلِم (13). وصَلَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أبِى العاصِ بنِ الرَّبِيع، إذا سَجَدَ وَضَعَها، وإذا قامَ حَمَلَها. مُتَّفَقٌ عليه (14). والظاهرُ أنَّه لا يَسْلَمُ مِنْ مَسِّها، ولأنَّهُ لَمْسٌ لِغَيْرِ شَهْوةٍ فلم يَنْقُضْ،
= العمل في الصلاة. صحيح البخاري 1/ 107، 136، 138، 2/ 81. ومسلم، في: باب الاعتراض بين يدى المصلى، من كتاب الصلاة. 1/ 366. وأبو داود، في: باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 163. والنسائي، في: باب ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 85. وابن ماجه، في: باب من صلى وبينه وبين القبلة شيء، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 307. والدارمى، في: باب المرأة تكون بين يدى المصلى، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 328. والإمام مالك، في: باب ما جاء في صلاة الليل، من كتاب صلاة الليل. الموطأ 1/ 117. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 37، 55، 126، 134، 200، 225، 255، 260، 275.
(11)
انظر ما سبق من التخريج، والمسند 6/ 182.
(12)
لم يرد في المجتبى، في: باب ترك الوضوء من مسّ الرجل امرأته من غير شهوة.
(13)
في: باب ما يقال في الركوع والسجود، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 352. وأخرجه أبو داود، في: باب في الدعاء في الركوع والسجود، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 203. والترمذي، في: باب في دعاء الوتر، من أبواب الدعوات. عارضة الأحوذى 1/ 72. والنسائي، في: باب ترك الوضوء من مسِّ الرجل امرأته من غير شهوة، من كتاب الطهارة، وفى: باب نصب القدمين في السجود، وباب نوع آخر من باب الدعاء في السجود، من التطبيق، وفى: باب الاستعاذة برضاء اللَّه من سخط اللَّه تعالى، من كتاب الاستعاذة. المجتبى 1/ 85، 2/ 166، 176، 8/ 250. وابن ماجه، في: باب ما جاء في القنوت في الوتر، من كتاب إقامة الصلاة، وفى: باب ما استعاذ منه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، من كتاب الدعاء. سنن ابن ماجه 1/ 373، 2/ 1263. والإمام مالك، في: باب ما جاء في الدعاء، من كتاب مسّ القرآن. الموطأ 1/ 214. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 58، 201.
وفى الباب عن على، رضى اللَّه عنه، في ذكر دعاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو داود، في: باب القنوت في الوتر، من كتاب الوتر. سنن أبي داود 1/ 329. والنسائي، في: باب الدعاء في الوتر، من كتاب قيام الليل. المجتبى 3/ 206. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 96، 118، 150.
(14)
أخرجه البخاري، في: باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، من كتاب الصلاة. صحيح البخاري 1/ 137. ومسلم، في: باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، من كتاب المساجد ومواقع الصلاة. =