الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحُكْمِ في سَائِرِ المأكُولَاتِ لانْتِفاءِ المُقْتَضِى، لا لِكَوْنِهِ مَأْكُولًا، فلَا أثرَ لِكَوْنهِ مَأكُولًا، ووُجُودُهُ كعَدَمِه. ومِنَ العَجَبِ أنَّ مُخَالِفينَا في هَذِهِ المَسْأَلَةِ، أوْجَبُوا الوُضُوءَ بأحادِيثَ ضَعِيفةٍ تُخَالِفُ الأُصُولَ؛ فأبو حَنِيفة أوْجَبَهُ بالقَهْقَهةِ في الصَّلَاةِ دُون خارِجِها، بحدِيثٍ مِنْ مَرَاسِيل أبِى العَالِيَةِ، ومالِكٌ والشَّافِعِىُّ أوْجَبَاهُ بمَسِّ الذَكَرِ، بحَدِيثٍ مُخْتَلَفٍ فيه، مُعَارَضٍ بِمْثلِهِ دُونَ مَسِّ (20) بَقِيَّةِ الأعْضَاءِ، وتركوا هذا الحدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِى لا مُعارِضَ لَهُ، مع بُعْدِه عن التَّأْوِيلِ، وقُوَّةِ الدَّلَالَةِ فيه، لمُخَالَفَتِه لِقَياسٍ طَرْدِىٍّ.
فصل:
وفِى شُرْبِ لَبَنِ الإِبِلِ رِوَايَتَانِ: إحداهُما، يَنْقُضُ الوُضُوءَ؛ لِمَا رَوَى أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"تَوَضَّؤُوا مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ وأَلْبانِها". رَوَاهُ الإِمامُ أَحْمَدُ، فِى "المُسْنَدِ" (21). وفِى لَفْظٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَلْبانِ الإِبِلِ، فقالَ:"تَوَضَّؤُوا مِنْ أَلْبانِها"، وسُئِلَ عَنْ أَلْبانِ الغَنَمِ، فقالَ:"لَا تَتَوَضَّؤُوا مِنْ أَلْبانِها". رَوَاه ابنُ مَاجَه (21)، وروَى نحوَه. عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو (21). والثانيةُ، لا وُضُوءَ فِيه؛ لأنَّ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ إنما وَرَدَ في اللَّحْمِ. وقَوْلُهم: فِيهِ حَدِيثانِ صَحِيحانِ. يَدُلُّ علَى أنَّه لا صَحِيحَ فيه سِوَاهُما، والحُكْمُ ههُنا غَيرُ مَعْقُولٍ، فيَجِبُ الاقْتِصَارُ علَى مَوْرِدِ النَّصِّ فيهِ.
وفِيمَا سِوَى اللَّحْم مِنْ أجْزَاءِ البَعِيرِ؛ مِنْ كَبِدِه، وطِحَالِه، وسَنَامِه، ودُهنِه، ومَرَقهِ، وكَرِشِه، ومُصْرَانِه، وَجْهَانِ: أحَدُهُما، لَا يَنْقُضُ؛ لأَنَّ النَّصَّ لَمْ يتناوَلْهُ. والثانى، يَنْقُضُ؛ لأَنَّه مِنْ جُمْلَةِ الجَزُورِ، وإطْلاقُ اللَّحْمِ في الحَيوَانِ يُرادُ به جُمْلَتُه؛ لأنَّه أَكْثَرُ ما فيه، ولذلك لَمَّا حَرَّم اللَّه تَعالَى لَحْمَ الخِنْزِيرِ، كان تَحْرِيمًا لجُمْلَتِه، كذا ههُنَا.
فصل: وما عدا لَحْم الجَزُورِ مِنْ الأَطْعِمَةِ لا وُضُوءَ فيه، سَوَاءٌ مَسَّتْهُ النَّارُ أو لم تَمَسَّه. هذا قَوْلُ أَكثرِ أهْلِ العِلْمِ. رُوِىَ ذلك عن الخُلَفاءِ الرَّاشدِينَ، وأُبَىِّ بنِ
(20) سقط من: الأصل.
(21)
وتقدم قريبا.
كَعْبٍ، وابنِ مَسْعودٍ، وابنِ عَبَّاسٍ، وعامرِ بنِ رَبِيعة (22)، وأبى الدَّرْدَاء، وأبِى أُمَامَة (23)، وعامَّةِ الفُقَهاءِ، ولا نَعْلَمُ اليَوْمَ فِيهِ خِلافًا. وذَهبَ جماعةٌ مِنَ السَّلَفِ إلَى إِيجابِ الوُضُوءِ ممَّا غَيَّرتِ النارُ، مِنْهم: ابنُ عُمَرَ، وزَيْدُ بن ثابِتٍ، وأبو طلحة (24)، وأبو موسى، وأبو هُرَيْرة، وأنَس، وعمرُ بن عبدِ العزيزِ، وأبو مِجْلَزٍ، وأبو قِلَابَةَ، والحسنُ، والزُّهْرِىُّ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، وزيدٌ، وعائِشَةُ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قالَ:"تَوَضَّؤُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ". وفِى لَفْظٍ: "إنَّمَا الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النارُ". رَوَاهُنَّ مُسْلِمٌ (25). ولنا، قَوْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"ولَا تَتَوَضَّؤُوا مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ (26) "، وقَوْلُ جابِرٍ: كانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الوُضُوءِ مما مَسَّتِ النَّارُ. رَوَاهُ أبو داود، والنّسَائِىُّ (26).
(22) أبو عبد اللَّه عامر بن ربيعة بن كعب العنزى الصحابى، كان ممن هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا والمشاهد كلها، وتوفى بعد قتل عثمان رضى اللَّه عنه. أسد الغابة 3/ 121، 122.
(23)
أبو أمامة صدى بن عجلان بن الحارث الباهلى الصحابى، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر، وتوفى سنة إحدى وثمانين. أسد الغابة 3/ 16، 6/ 16، 17.
(24)
أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري الصحابى، كان من الرماة من الصحابة. توفى سنة أربع وثلاثين. أسد الغابة 2/ 289، 290، 6/ 181، 182.
(25)
في: باب الوضوء مما مست النار، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 272، 273.
وحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود، في: باب التشديد في الوضوء مما مست النار، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 44. والترمذي، في: باب الوضوء مما غيرت النار، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 108. والنسائي، في: باب الوضوء مما غيرت النار، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 87. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 265، 271، 427، 458، 470، 479، 503، 529.
وحديث زيد أخرجه الترمذي، في: باب الوضوء مما غيرت النار، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 108. والنسائي، في: باب الوضوء مما غيرت النار، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 89. والدارمى، في: باب الوضوء مما مست النار، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 185. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 184، 188، 189، 190، 192.
وحديث عائشة أخرجه ابن ماجه، في: باب الوضوء مما غيرت النار، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 164. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 89.
(26)
تقدم هذا قريبا.