الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيما إذا رَأتْ ثلاثةً أسودَ ثم صارَ أحمرَ، أكْثَرَ مِن الثلاثةِ، والأمْرُ بِخِلافِ ذلك.
فصل:
فإنْ كان حَيْضُها خَمْسًا مِنْ أوَّلِ شهرِها (22) فَاسْتُحِيضَتْ، فصارتْ تَرَى خَمْسًا (23) أسودَ ثم يَصِيرُ أحمرَ، ويَتَّصِلُ، فالأسودُ حَيْضٌ بِلا خِلَافٍ؛ لِمُوافَقَتِه زَمَنَ العادَةِ والتَّمْيِيزِ، وإنْ رأتْ مَكانَ الأسودِ أحمرَ، ثم صارَ أسودَ، وعَبَرَ، سَقَطَ حُكْمُ الأسودِ؛ لِعُبُورِهِ أكْثَرَ الحَيْضِ، وكان حَيْضُها الأحمرَ؛ لِمُوَافَقَتِه زَمَنَ العادَةِ. وإنْ رأتْ مَكانَ العادَةِ أحمرَ، ثم خمسةً أسودَ، ثم صارَ أحمرَ واتَّصَلَ، فمَنْ قَدَّمَ العادَةَ حَيَّضَها أيَّامَ العادَةِ. وإذا تَكَرَّرَ الأسودُ، فقال القاضي: يَصِيرُ حَيْضًا. وأمَّا مَنْ يُقَدِّمُ التَّمْيِيزَ، فإنَّه يَجْعَلُ الأسودَ وَحْدَهُ حَيْضًا.
94 - مسألة؛ قال: (فإنْ كانتْ لَهَا أَيَّامٌ أُنسِيَتْهَا، فإنَّهَا تَقْعُدُ سِتًّا أوْ سَبْعًا في كُلِّ شَهْرٍ)
هذه مِن القسمِ الرَّابِعِ مِنْ أقسامِ المُسْتَحَاضَةِ، وهى مَنْ لا عادَة لها ولا تَمْيِيزَ، وهذا القِسْمُ نَوْعَان: أحَدُهُما النَّاسِيَةُ، ولها ثلاثةُ أحْوَالٍ: أحَدُها، أنْ تكونَ نَاسِيةً لِوَقْتِها وعَدَدِها، وهذه يُسَمِّيها الفُقَهَاءُ المُتَحَيِّرَةَ. والثَّانِيَةُ، أنْ تَنْسَى عددَها، وتَذْكُرَ وَقْتَها. والثَّالِثَةُ، أنْ تَذْكُرَ عَدَدَها، وتَنْسَى وَقْتَها.
فالنَّاسِيَةُ لهما، هي التي ذَكَرَ الْخِرَقِىُّ حُكْمَها، وأنَّها تَجْلِسُ في كُلِّ شهرٍ سِتَّةَ أيَّامٍ أو سَبْعَة، يكونُ ذلك حَيْضُها، ثم تَغْتَسِلُ، وهى فيما بعدَ ذلك مُسْتَحَاضَةٌ، تَصُومُ وتُصَلِّى وتَطُوفُ. وعن أحمدَ: أنَّهَا تَجْلِسُ أقَلَّ الحَيْضِ، ثم إنْ كانتْ تَعْرِفُ شَهْرَها، وهو مُخَالِفٌ لِلشَّهْرِ المَعْرُوفِ، جَلَسَتْ ذلك مِن شهرِها، وإنْ لم تَعْرِفْ شهرَها، جَلَسَتْ مِن الشهرِ المَعْرُوفِ، لأنَّهُ الغَالِبُ. وقال الشَّافِعِىُّ في النَّاسِيَةِ لهما: لا حَيْضَ لها بِيَقِينٍ، وجَمِيعُ زَمَنِها مَشْكُوكٌ فيه، تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وتُصَلِّى وَتصُومُ، ولا يَأْتِيها زَوْجُها. وله قَوْلٌ آخَرُ، أنَّها تَجْلِسُ اليَقِينَ. وقال بعضُ أصْحَابِه: الأوَّلُ أَصَحُّ؛ لأنَّ هذه لها أيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ، ولا يُمْكِنُ رَدُّها إلى
(22) في م: "شهر".
(23)
في م: "خمسة".
غيرِها، فجميعُ زَمَانِها مَشْكُوكٌ فيه، وقد رَوَتْ عائشة أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فسَألتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فأمَرَهَا أنْ تَغْتَسِلَ، [فكانتْ تَغْتَسِلُ](1) لِكُلِّ صَلَاةٍ. مُتَّفَقٌ عليه (2). ولَنا، ما روتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، قالتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً، فأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أسْتَفْتِيهِ، فوَجَدْتُه في بَيْتِ أُخْتِى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْش. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً. فما تَأْمُرُنِى فيها؟ قد مَنَعَتْنِى الصِّيامَ والصَّلاةَ، قال:"أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ (3)، فإنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ". قلتُ: هو أكْثَرُ مِنْ ذلك، إنَّما أثُجُّ ثَجًّا (4). فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"سَآمُرُكِ أَمْرَيْنِ، أَيُّهُمَا صَنَعْتِ أجْزَأَ عَنْكِ، فَإنْ قَوِيتِ عَلَيْهِما فأَنْتِ أَعْلَمُ" فقال لها (5): "إنَّمَا هِىَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِى سِتَّةَ أيَّامٍ (6)، أوْ سَبْعَةَ أيَّامٍ، فِي عِلْمِ اللهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِى، فَإذَا رَأَيْتِ أنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ واسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّى أَرْبَعًا وعِشْرِينَ لَيْلَةً، أو ثَلَاثًا وعِشْرِينَ لَيْلَةً وأيَّامَهَا، وَصُومِى، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وكَذَلِكَ فَافْعَلِى، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وطُهْرهِنَّ، فَإِنْ قَوِيتِ أنْ تُؤَخِّرِى الظُهْرَ وتُعَجِّلِى العَصْرَ، [ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ حَتَّى تَطْهُرِينَ](7)،
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب عرق الاستحاضة، من كتاب الحيض. صحيح البخاري 1/ 89، 90. ومسلم، في: باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، من كتاب الحيض 1/ 263. كما أخرجه أبو داود، في: باب [من قال] إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، وباب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 66، 68. والترمذي، في: باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 207. والنسائي، في: باب ذكر الاغتسال من الحيض، وباب ذكر الأقراء، من كتاب الطهارة، وفى: باب ذكر الأقراء، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 98، 100، 149. وابن ماجه، في: باب ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم، فلم تقف على أيام حيضها، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 205. والدارمى، في: باب غسل المستحاضة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 200. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 82، 83، 141، 187، 434.
(3)
الكرسف: القطن.
(4)
الثج: سيلان دم الهدى.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
سقط من: م.
(7)
في الأصل: "ثم تغتسلى حتى تطهرى".
وتُصَلِّينَ الظُهْرَ والعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ المَغْرِبَ وتُعَجِّلِينَ العِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وتَغْتَسِلِينَ لِلصُّبْحِ، فَافْعَلِى، وصُومِى إنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ". وقال (8) رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَهُوَ أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إلَىَّ". رَوَاهُ أبو داود، والتِّرْمِذِىُّ (9)، وقال: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قال: وسَأَلْتُ محمدًا (10) عنه، فقال: هو حَدِيثٌ حَسَنٌ (11). وحَكىَ ذلك عن أحمدَ أيضًا. وهو بِظَاهِرِه يُثبِتُ الحُكْمَ في حَقِّ النَّاسِيَةِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَسْتَفْصِلْها، هل هىَ مُبْتَدَأَة أو نَاسِيَة؟ ولو افْتَرَقَ الحالُ لاسْتَفْصَلَ وسَأَلَ. واحْتِمَالُ أنْ تكونَ نَاسِيَةً أكْثرُ، فإنَّ حَمْنَةَ امْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ، كذلك قال أحمدُ. ولم يَسْأَلْها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عن تَمْيِيزِها؛ لأنَّه قد جرى مِنْ كَلَامِها، مِنْ تَكْثِيرِ الدَّمِ وصِفَتِه ما أَغْنَى عن السُّؤَالِ عنه، ولم يَسْألْها هل لها عَادَةٌ فَيَرُدُّهَا إليها؟ لاسْتِغْنَائِهِ عن ذلك، لِعِلْمِه إيَّاهُ، إذ كان مُشْتَهَرًا، وقد أمَرَ به أُخْتَها أُمَّ حَبِيبةَ، فلم يَبْقَ إلَّا أن تكونَ نَاسِيَةً، ولأنَّ (12) لها حَيْضًا لا تَعْلَمُ قَدْرَه، فيُرَدُّ إلى غالِبِ عاداتِ النِّسَاءِ، كالمُبْتَدَأةِ، ولأنَّها لا عادَةَ لها ولا تَمْيِيزَ، فأَشْبَهَتِ المُبْتَدَأَةَ. وقوْلُهم: لها أيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ. قُلْنا: قد زَالَتِ المَعْرِفَةُ، فصارَ وُجُودُها كعَدَمِها (13). وأمَّا أمْرُهُ (14) أُمَّ حَبِيبةَ بالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فإنَّما هو نَدْبٌ، كأمْرِه لِحَمْنَةَ في هذا الخَبَر، فإنَّ أمَّ حَبِيبةَ كانتْ مُعْتَادَةً رَدَّهَا إلى عَادَتِها، وهى التي اسْتَفْتَتْ لها أُمُّ سَلَمَةَ، على أنَّ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبةَ إنَّمَا رُوِىَ عن الزُّهْرِىِّ، وأنْكَرَهُ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، فقال: لم يَذْكُرْ ابنُ شِهَابٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَرَ أُمَّ حَبِيبةَ أنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صلاةٍ، ولكنَّه شيءٌ فَعَلَتْه هي.
(8) في الأصل: "فقال".
(9)
أخرجه أبو داود، في: باب [من قال] إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 67. والترمذي، في: باب في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 201، كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 439.
(10)
أي: ابن إسماعيل البخاري.
(11)
في سنن الترمذي زيادة: "صحيح".
(12)
في الأصل: "لأن".
(13)
في م: "كالعدم".
(14)
في الأصل: "أمر".