الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان ابْتِدَاؤُها وانْتِهَاؤُها مِن الثَّانِى، كمُدَّةِ العِدَّةِ. فعلى هذا ما تَرَاهُ مِن الدَّمِ قبلَ وِلَادَةِ الثَّانى لا يكونُ نِفَاسًا. ولأصْحَابِ الشَّافِعِىِّ ثلاثةُ أوْجُهٍ، كالأقْوَالِ الثلاثةِ. وذكر القاضي، أنَّهُ منهما، رِوَايَةً وَاحِدةً، وإنّمَا الخِلافُ في الدَّمِ الذي بينَ الوِلَادَتَيْن، هل هو نِفَاسٌ، أم لا؟ وهذا ظَاهِرُه إنْكَارٌ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أنَّ آخِرَ النِّفَاسِ مِن الأوَّلِ.
فصل:
وحُكْمُ النُّفَساءِ حُكْمُ الحائِضِ في جميعِ ما يحرمُ عليها، ويَسْقُطُ عنها، لا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا، وكذلك تَحْرِيمُ وَطْئِها وحِلُّ مُبَاشَرَتِها، والاسْتِمْتَاعُ بما دون الفَرْجِ منها، والخِلافُ في الكَفَّارَةِ بِوَطْئِها؛ وذلِك لأنَّ دَمَ النِّفَاسِ هو دَمُ الحَيْضِ، إنَّما امْتَنَعَ خُرُوجُهُ مُدَّةَ الحَمْلِ لِكَونِه يَنْصَرِفُ إلى غِذَاءِ الحَمْلِ، فإذا وُضِعَ الحَمْلُ، وانْقَطَعَ العِرْقُ الذي كان مَجْرَى الدَّمِ، خَرَجَ مِن الفَرْجِ، فيَثْبُتُ حُكْمُه، كما لو خرج مِن الحَائِضِ. ويُفَارِقُ النِّفَاسُ الحَيْضَ في أنَّ العِدَّةَ لا تَحْصُلُ به؛ لأنَّها تَنْقَضِى بِوَضْعِ الحَمْلِ قَبْلَه، ولا يَدُلُّ على البُلُوغِ؛ لحُصُولِهِ بالحَمْلِ قَبْلَه.
104 -
مسألة؛ قال: (ومَنْ كَانتْ لَهَا أيَّامٌ فَزَادَتْ عَلَى مَا كَانتْ تعْرِفُ، لَمْ تَلْتَفِت إلَى الزِّيَادَةِ، إلَّا أنْ تَرَاهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فتَعْلَمُ حِينَئِذٍ أنَّ حَيْضَها قَدِ انتَقَلَ، فَتَصِيرُ إلَيْه وتَتْرُكُ (1) الأَوَّلَ. وإنْ كانَتْ صَامَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ (2)، أَعَادَتْهُ، إذَا كانَ صَوْمًا وَاجِبًا، وإذَا رَأتِ الدَّمَ قَبْلَ أيَّامِهَا الَّتِى كانَتْ تعْرِفُ، فَلَا تَلْتَفِت إلَيْهِ، حَتَّى يُعَاوِدَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)
وجملةُ ذلك أنَّ المَرْأَةَ إذا كانتْ لها عَادَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ في الحَيْضِ، فرَأَتِ الدَّمَ في غيرِ عَادَتِها، لم تَعْتَدّ بما خَرَجَ مِن العادةِ حَيْضًا، حتى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْن، أوْ مَرَّتَيْنِ، في الأُخْرَى. نَقَلَ حَنْبَلٌ عن أحمدَ في امْرَأَةٍ لها أيَّامٌ مَعْلُومَةٌ، فتَقَدَّمَتِ الحَيْضَةُ قبلَ أيَّامِها، لم تَلْتَفِتْ إليها، تَصُومُ وتُصَلِّى، فإنْ عَاوَدَها في الثَّانِية، مِثْلُ
(1) في م: "فتترك".
(2)
في م: "مرار".
ذلك، فإنَّه دَمُ حَيْضٍ مُنْتَقِلٌ. ونقل الفضلُ بنُ زيادٍ (3): لا تَنْتَقِل إليه إلَّا في الثَّالِثَةِ، فلْتُمْسِكْ عن الصَّلَاةِ والصَّوْمِ. وفى لفظٍ له قال: سألتُ أبا عبدِ اللهِ عن المَرأةِ أيَّامُ أَقْرَائِها مَعْلُومَةٌ، فرُبَّما زادَ في الأشْهُرِ الكثيرةِ على أيَّامِ أقْرَائِها، أتُمْسِكُ عن الصَّلَاةِ أو تُصَلِّى؟ قال: بل تُصَلِّى، ولا تَلْتَفِت إلى ما زادَ على أقْرَائِها، إلَّا أنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ مُتَنَقِّلًا (4) أو نحو هذا. قلتُ: أفتُصلِّى إلى أنْ يُصيبَها ثلاثَ مَرَّاتٍ (5)، ثم تَدَعُ الصَّلَاةَ بعدَ ثلاثٍ (6)؟ قال: نعم، بعدَ ثَلَاثٍ. ففى هذه الرِّوايَة تَصْرِيحٌ بِأنَّها لا تَعُدُّ الزِّيَادَةَ مِنْ حَيْضِها إلَّا في المَرَّةِ الرَّابِعَةِ، وأنَّها تُصَلِّى وتَصُومُ في المَرَّاتِ الثَّلَاثِ. وفِي رِوَايَتِه الأُولَى يَحْتَمِلُ أنَّها تَحْتَسِبُه (7) مِن حَيْضِها في المَرَّةِ الثَّالِثَة؛ لقولِه: لا تَنْتَقِل إليه إلَّا في الثَّالِثَةِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ بعدَ الثَّالِثَةِ، وفِي رِوَايَة حَنْبَلٍ احْتِمالان: أحدُهما، أنَّها تَنْتَقِلُ إليه في المَرَّةِ الثَّانِيةِ، وتَحْتَسِبُه منْ حَيْضِها. والثانى، أنَّها لا تَنْتَقِلُ إليه إلَّا في الثَّالِثَةِ. وأكثرُ الرِّوَايَاتِ عنه اعْتِبارُ التَّكْرَارِ ثلاثًا فيما خَرَجَ عن العادَةِ سَوَاءٌ رَأَتِ الدَّمَ قبلَ عادَتِها، أو بعدَها مع بَقَاءِ العادَةِ، أو انْقِطَاعِ الدَّمِ فيها، أو في بعضِها، فإنَّها لا تَجْلِسُ في غيرِ أيَّامِها حتى يَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْن أو ثلاثًا، فإذا تَكَرَّرَ عَلمْنا أنَّه حَيْضٌ مُنْتَقِلٌ، فتَصِيرُ إليه، أي تَتْرُكُ الصَّلَاةَ والصَّوْمَ فيه، وتَصِيرُ عادَةً لها، وتَتْرُك الأوَّلَ، أي العادَةَ الأُولَى؛ لأنَّها قد انْتَقَلَتْ عنها، وصارَتِ العادَةُ أكثرَ منها أو غيرها. ثم يَجِبُ عليها قَضَاءُ مَا صامَتْ (8) مِن الفَرْضِ في هذه المرَّاتِ الثلاثِ التي أمَرْنَاها بالصِّيَامِ فيها؛ لأنَّنا تَبَيَّنّا أنَّها صَامَتْهُ في حَيْضٍ، والصَّوْمُ في الحَيْضِ غيرُ صَحِيحٍ، وأمَّا الصَّلَاة فليس عليها قَضَاؤُها؛ لأنَّ الحائِضَ لا تَقْضِى الصَّلَاةَ. قال أبو
(3) أبو العباس الفضل بن زياد القطان البغدادي، كان من المتقدمين عند الإمام أحمد، وكان الإِمام يعرف قدره ويكرمه، فوقع له عنه مسائل كثيرة جياد. طبقات الحنابلة 1/ 251 - 253.
(4)
في م: "تنتقل إليه".
(5)
في م: "مرار".
(6)
في م: "الثلاث".
(7)
في الأصل: "وتحسبه". وسيأتي بعد قليل ما يوافق رواية م.
(8)
في م: "صامته".
عبد اللهِ: ولا يُعْجِبُنِى أنْ يَأْتِيَها زَوْجُها فِي الأيَّامِ التي تُصَلِّى فيها؛ لأنَّنا لا نَأْمَنُ كَوْنَها حَيْضًا، وإنَّما تُصَلِّى وتَصُومُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ، وتَرْكُ الوَطْءِ احْتِيَاطًا أيضًا، فيَجِبُ كما تَجِبُ الصَّلَاةُ. وإنْ تَجَاوَزَتِ الزِّيَادَةُ أكثرَ الحَيْضِ، فهى اسْتِحَاضةٌ، ولا تَجْلِسُ غيرَ أيَّامِ العادَةِ بِكُلِّ حَالٍ. ومِثالُ ذلك امْرَأَةٌ عادَتُها ثلاثةُ أيَّامٍ في أوَّلِ كُلِّ شهرٍ، فرَأَتْ خمسةً في أوَّلِ الشهرِ، أو رَأَتْ يَوْمَيْن مِن آخِرِ الشهر الذي قبلَه، والثلاثةَ المُعْتادَة، أو طَهُرَت الثلاثةَ، ورَأَتْ ثلاثةً (9) أو أكثرَ منها، أو أقلَّ، قَبْلَها أو بَعْدَها، أو طَهُرَت اليومَ الأوَّلَ ورَأتْ ثلاثةً بَعْدَهُ أو أكثرَ (10)، أو طَهُرَتْ يَوْمَيْنِ ورَأَتْ يَوْمَيْنِ بَعْدَهما أو أكثرَ (10) أو رَأَتِ الدَّمَ يَوْمَيْنِ في آخِرِ الشَّهرِ ويومًا في أوَّلِه، وما أَشْبَهَ ذلك، فإنَّها لا تَجْلِسُ في جَمِيعِ هذه الصُّوَرِ، ماعدا الأَوَّلَ مِن الشَّهرِ حتى تَتَكَرَّرَ، لِقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"اجْلِسِى قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ (11) ". ولأنَّ لها عَادَةً، فرُدَّتْ إليها، كالمُسْتَحَاضَةِ. وقال أبو حنيفةَ: ما رَأَتْه قبلَ العادَةِ ليس بِحَيْضٍ، حتى يَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْن، وما تَرَاهُ بعدَها فهو حَيْضٌ. وقال الشَّافِعِىُّ: جمِيعُه حَيْضٌ، ما لم تَتَجَاوَزْ أكثرَ الحَيْضِ. وهذا أقْوَى عِنْدِى؛ لأنَّ عائشةَ، رَضِىَ اللَّه عنها، كانتْ تَبْعَثُ إليها النِّسَاءُ بالدِّرَجَةِ فيها الصُّفْرَةُ والكُدْرَةُ، فتقولُ: لَا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البيضاءَ (12). ومعناه لا تَعْجَلْنَ بالغُسْلِ حتى يَنْقَطِعَ الدَّمُ، وتذهبَ الصُّفْرَةُ والكُدْرَةُ، ولا يَبْقَى شيءٌ يَخْرُجُ مِن المَحَلِّ، بحيث إذا دَخَلَتْ فيه قُطْنَةٌ خرجتْ بيضاءَ. ولو لم تَعُدّ الزِّيَادَةَ حَيْضًا لَلَزِمَها الغُسْلُ عندَ انْقِضاءِ العادَةِ، وإنْ كان الدَّمُ جارِيًا؛ لأنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ على الحَيْضِ أحْكَامًا، ولم يَحُدَّهُ، فَعُلِمَ أنَّه رَدَّ النَّاسَ فيه إلى عُرْفِهم، والعُرْفُ بينَ النِّسَاءِ أنَّ المَرْأةَ متى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ أنْ يكونَ حَيْضًا، اعْتَقَدَتْهُ حَيْضًا، ولو كانَ عُرْفُهُنَّ اعْتِبَارَ العادَةِ على الوَجْهِ المَذْكُورِ
(9) في م زيادة: "بعده" ولا محل له بعد قوله الآتى "قبلها أو بعدها".
(10)
في م زيادة: "منها".
(11)
تقدم في صفحة 388.
(12)
تقدم في صفحة 391.
لَنُقِلَ، ولم يَجُز التَّوَاطُؤُ على كِتْمَانِهِ، مع دُعَاءِ الحاجَةِ إليه، ولذلِك لَمَّا كان بعضُ أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم معه في الخَمِيلَةِ، فجَاءَهَا الدَّمُ، فانْسَلَّتْ مِنَ الخَمِيلَةِ، فقال لها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"مَالَكِ؟ أنَفِسْتِ (13)؟ " قالتْ: نعم. فأَمَرَها أنْ تَأْتَزِرَ (14). ولم يَسْألها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: هل وَافَقَ العادَةَ أو جاء قبلَها؟ ولا هي ذَكَرَتْ ذلك، ولا سَأَلَتْ عنه، وإنَّما اسْتَدَلتْ على الحَيْضَةِ بِخُرُوجِ الدَّمِ، فأقَرَّها عليهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، وكذلك حين حاضَتْ عائشةُ في عُمْرَتِها في حَجَّةِ الوَدَاعِ (15)، إنَّما عَلِمَتِ الحَيْضَةَ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ لا غير، ولم تَذْكُرْ عادةً، ولا ذَكَرَها لها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، والظَّاهِرُ أنَّه لم يأْتِ في العَادَةِ؛ لأنَّ عائشةَ اسْتَكْرَهَتْهُ، واشْتَدَّ عليها، وبَكَتْ حينْ رَأتْه، وقالتْ: وَدَدْتُ أنِّى لم أكُنْ حَجَجْتُ العَامَ. ولو كانتْ (16) لها عَادَةٌ تَعْلَمُ مَجِيئَه فيها وقد جاءَ فيها، ما أنْكَرَتْه، ولا صَعُبَ عليها، ولو كانت العادَةُ مُعْتَبَرةً، على الوَجْهِ المَذْكُورِ في المَذْهَبِ، لَبَيَّنَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِه، ولَمَا وَسِعَهُ تَأْخِيرُ بَيَانِه، إذْ لا يجوزُ تَأْخِيرُ البَيَانِ عن وَقْتِه، وأَزوَاجُهُ وغَيْرُهُنَّ مِن النِّساءِ يَحْتَجْنَ إلى بَيانِ ذلك في كُلِّ وَقْتٍ، فلم يكنْ لِيُغْفِلَ بَيانَه، وما جاءَ عنه عليه السلام ذِكْرُ العادَةِ، ولا بَيَانُها، إلَّا في حَقِّ المُسْتَحَاضَةِ لا غيرُ، وأمَّا امْرَأةٌ طَاهِرٌ تَرَى الدَّمَ في وَقْتٍ يُمْكِنُ أنْ يكونَ حَيْضًا ثم يَنْقَطِعُ عنها، فلم يَذْكُرْ في حَقِّها عادَةً أصْلًا، ولأنَّنا لو اعْتَبَرْنا التَّكْرَارَ فيما خَرَجَ عن العادَةِ أدَّى
(13) بفتح النون وضمها، أي: أحِضْتِ.
(14)
حديث أم سلمة أخرجه البخاري، في: باب من سمى النفاس حيضا، وباب النوم مع الحائض في ثيابها، وباب من أخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر، من كتاب الحيض، وفى: باب القبلة للصائم، من كتاب الصوم. وفى: باب من ذبح ضحية غيره، من كتاب الأضاحى. صحيح البخاري 1/ 83، 88، 3/ 39، 132. ومسلم، في باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد، من كتاب الحيض 1/ 243. والنسائي، في: باب مضاجعة الحائض، من كتاب الطهارة، وفى: باب مضاجعة الحائض في ثياب حيضها، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 123، 154. وابن ماجه، في: باب ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 209. والدارمى، في: باب مباشرة الحائض، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 243. والإمام مالك، في: باب ما يحل للرجل من امرأته وهى حائض، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 58. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 394، 300، 318.
(15)
تقدم في صفحة 299، 300.
(16)
في م زيادة: "تعلم".