الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وفي الوَزَغِ (19) وَجْهان:
أحدهما، لا ينْجُس بالموتِ؛ لأنه لا نَفْسَ له سائلةً، أَشْبَهَ العَقْرَبَ، ولأنه إن شَكَّ في نَجاستِه فالماءُ يَبْقَى علَى أصْلِه في الطهارة.
والثاني، أنه ينجُس؛ لما رُوِىَ عن علىٍّ رضي الله عنه، أنه كان يقول: إن ماتَتِ الوَزَغَةُ أو الفأرةُ في الحُبِّ يُصَبُّ ما فِيه، وإذا ماتتْ في بئرٍ فانْزَحْها حتى تَغْلِبَكَ.
فصل: وإذا مات في الماءِ حيوانٌ لا يُعْلَمُ، هل ينجُس بالموت أم لا؟ فالماء طاهرٌ. لأنَّ الأصْلَ طَهارتهُ، والنجاسةُ مَشْكوكٌ فيها، فلا نَزُولُ عن اليَقِينِ بالشَّكِّ.
وكذلك الحكمُ إن شَرِبَ منه حيوانٌ يُشَكُّ في نجاسةِ سُؤْرِه وطهارتِه؛ لما ذكرْنا.
7 -
مسألة؛ قال: (وَلَا يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِ كُلِّ بَهِيمَةٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، إِلَّا السِّنَّوْرَ (1) وَمَا دُونَهَا في الْخِلْقَةِ).
السُّؤْر. فَضْلَةُ الشُّرْب. والحيوان قسمان: نَجِس، وطاهر. فالنَّجِسُ نوعان:
أحدهما، ما هو نَجِسٌ، راويةً واحدة، وهو الكلب، والخنزير، ومَا توَلَّد منهما، أو من أحدِهما، فهذا نَجِسٌ؛ عَيْنُه، وسُؤْرهُ، وجميعُ ما خرَج منه، رُوِىَ ذلك عن عُرْوَةَ (2)، وهو مذهبُ الشافعيِّ، وأبى عُبَيْد، وهو قَوْلُ أبي حنيفة في السُّؤْرِ خاصَّة.
وقال مالك، والأَوْزاعِيُّ، وداود (3): سُؤْرُهما طاهر، يُتَوَضَّأُ به ويُشْرَب، وإن وَلغَا في طعامٍ لم يحرُمْ أكلُه.
وقال الزُّهْريُّ: يَتَوَضَّأُ به إذا لم يَجِدْ غيرَه.
(19) الوزغ: هو ما يعرف بسام أبرص.
(1)
السنور: الهر.
(2)
أبو عبد اللَّه عروة بن الزبير بن العوام، من فقهاء التابعين بالمدينة، توفى سنة أربع وتسعين. طبقات الفقهاء للشيرازي 58، 59.
(3)
أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصهاني الظاهري الفقيه الزاهد، انتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، وتوفي بها سنة تسعين ومائتين. طبقات الفقهاء للشيرازي 92.
وقال عَبْدَةُ بن أبي لُبابةَ (4)، والثَّوْرِىُّ، وابن المَاجِشُون (5)، وابن مَسْلَمة (6): يَتَوَضَّأُ ويتَيَمَّم.
قال مالك: ويُغْسَلُ الإِناءُ الذي ولَغ فيه الكلبُ تَعبُّدًا.
واحْتَجَّ بعضُهم على طهارته بأنَّ اللَّه تعالى قال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (7) ولم يأْمُرْ بغَسْلِ ما أصابَه فَمُهُ، وروَى ابنُ ماجَه بإسْنادِه، عن أبي سعيد الخُدْرِىِّ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم سُئل عن الْحِيَاضِ التي بين مكة والمدينة، تَرِدُها السِّباعُ والكلابُ والْحُمُرُ، وعن الطهارة بها؟ فقال:"لهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ" ولأنه حيوانٌ فكان طاهِرًا كالمأْكولِ.
ولنا ما رَوَى أبو هُرَيْرة، رضىَ اللَّه عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا" مُتَّفَقٌ عليه (8)، ولمُسْلم:"فَلْيُرِقْهُ، ثُمَّ لْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ". (9) ولو كان سُؤْرُه طاهِرًا لم تَجُزْ إراقَتُه، ولا وجَب غَسْلُه.
فإن قِيل: إنَّما وجَب غَسْلُه تَعبُّدًا، كما تُغْسَلُ أعضاءُ الوضوءِ وتُغْسلُ اليَدُ مِن نَوْمِ الليلِ.
قُلْنا: الأصلُ وجُوبُ الغَسْلِ من النجاسةِ؛ بدليلِ سائرِ الغَسْل، ثم لو كان تَعَبُّدًا لمَا أمرَ بإراقةِ الماءِ، ولمَا اخْتَصَّ الغَسْلَ بموضعِ الوُلُوغ؛ لِعُمومِ اللفظِ في الإِناءِ كلِّه. وأمَّا غَسْلُ اليَد من النوم (10) فإنما أمَر به للِاحْتياطِ؛ لاحْتمالِ أن تكونَ يدُه قد
(4) أبو القاسم عبدة بن أبي لبابة الأسدى الغضائرى، مولاهم، كوفى ثقة، نزل دمشق، وروى عن ابن عمر وابن عمرو وغيرهما. تهذيب التهذيب 6/ 461، 462.
(5)
أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد اللَّه التيمى، مولاهم، الفقيه المالكى، كان عليه مدار الفتوى في زمانه، توفى سنة اثنتى عشرة ومائتين. الديباج المذهب 2/ 6، 7.
(6)
أبو هشام محمد بن مسلمة بن محمد، أحد فقهاء المدينة من أصحاب مالك، ثقة مأمون حجة في العلم، توفى سنة ست ومائتين. الديباج المذهب 2/ 156.
(7)
سورة المائدة 4.
(8)
تقدم في صفحة 17.
(9)
في م: "مرات"، والمثبت في: الأصل، وصحيح مسلم.
(10)
في أ: "نوم الليل".
أصابَتْها نجاسةٌ، فيتَنَجَّسُ الماءُ، ثم تنْجُس أعضاؤُه به، وغَسْلُ أعضاءِ الوضوءِ شُرِعَ للوضَاءة والنظافةِ ليكونَ العَبْدُ في حالِ قيامِه بين يَدَىِ اللَّه سبحانه وتعالى علَى أحْسَنِ حالٍ وأكْمَلِها، ثم إن سَلَّمْنا ذلك، فإنما عَهِدْنا التَّعَبُّدَ في غَسْلِ اليدَيْن، أمَّا الآنِيَةُ والثّيابُ فإنما يجب غَسْلُها من النجاسات، وقد رُوِىَ في لفظٍ:"طهُورُ إِناءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا". أخْرَجه أبو داود (11)، ولا يكون الطُّهُور (12) إلَّا في مَحَلِّ الطَّهارةِ.
وقَوْلُهم: إنَّ اللَّه تعالى أمَر بأكْلِ ما أمْسَكَه الكلبُ قبلَ غَسْلِه. قُلْنا: اللَّه تعالى أمَر بأكْلِه، والنبىُّ صلى الله عليه وسلم أمَر بغَسْلِه، فيُعْمَلُ بأمرِهما، وإن سَلَّمْنا أنه لا يجبُ غَسْلُه فلأنه يَشُقُّ، فعُفِىَ عنه، وحديثُهم قَضِيَّةٌ في عَيْنٍ، يَحْتَمِلُ أنَّ الماءَ المسئولَ عنه كان كثيرًا، ولذلك قال في موضعٍ آخر، حين سُئل عن الماءِ، وما يَنُوبُه مِن السِّباع:"إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْن لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ"، [ولأنَّ الماءَ لا ينجُس إلا بالتغيُّرِ علَى روايةٍ لنا، وشُرْبُها من الماءِ لا يُغَيِّرُه، فلم يُنَجِّسْه ذلك](13).
النوع الثاني، ما اخْتُلِف فيه، وهو سائرُ سِباعِ البهائم، إلَّا السِّنَّوْرَ وما دونها في الْخِلقَةِ، وكذلك جَوارِحُ الطيرِ، والحمارُ الأهْلِىُّ والبغلُ؛ فعن أحمدَ: أنَّ سُؤْرَها نَجِسٌ، إذا لم يجدْ غيرَه تيَمَّم، وتَرَكَه.
ورُوِىَ عن ابن عمر: أنَّه كَرِهَ سُؤْرَ الحمار. وهو قولُ الحسن، وابنِ سِيرِينَ، والشَّعْبِىِّ، (14) والأَوْزَاعِىِّ، وحَمَّادٍ (15)، وإسحاق.
وعن أحمد رحمه الله: أنه قال في البغلِ والحمارِ: إذا لم يَجِدْ غيرَ سُؤْرِهما تَيَمَّم
(11) في: باب الوضوء بسؤر الكلب، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 17، 18، وتقدم تخريجه.
(12)
في م: "الطهر".
(13)
سقط من: الأصل.
(14)
أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي الحبر العلامة، وكان صاحب آثار، توفى سنة أربع ومائة. سير أعلاء النبلاء 4/ 294 - 319.
(15)
أبو إسماعيل حماد ين مسلم بن أبي سليمان الكوفى، أحد أئمة الفقهاء، وشيخ أبى حنيفة، توفى سنة عشرين ومائة. الجواهر المضية 2/ 150 - 152.
معه. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ.
وهذه الروايةُ تدُلُّ على [القوْلِ بطهارةِ](16) سُؤْرِهما؛ لأنه لو كان نَجِسًا لم تَجُزِ الطهارةُ به. ورُوِىَ عن إسماعيل بن سعيد: لا بأْسَ بسُؤْرِ السِّباع؛ لأنَّ عمر قالَ في السِّباع: تَرِدُ علينا، ونَرِدُ عليها (17).
ورخَّص في سُؤْرِ جميعِ ذلك الحسنُ، وعطاءٌ، والزُّهْرِىُّ، ويحيى الأنْصارِىُّ (18)، وبُكَيْرُ بن الأشَجِّ (19)، وربيعةُ (20)، وأبو الزِّنادِ (21)، ومالكٌ، والشافعيُّ، وابن الْمُنْذِرِ؛ لحديثِ أبى سعيد في الحِيَاض (22)، وقد رُوِىَ عن جابر أيضًا (23)، وفي حديثٍ آخَرَ عن جابر، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل: أنتَوَضَّأ بما أفْضَلَتِ الْحُمُرُ؟ قال: "نَعَمْ، وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ كُلُّهَا" روَاه الشَّافِعىُّ، في "مُسْنَدِه"، (24) وهذا نَصٌّ، ولأنَّه حيوانٌ يجوز الانْتفاعُ به مِن غيرِ ضرورةٍ، فكان طاهِرًا كالشَّاةِ.
ووَجْهُ الرِّوايةِ الأُولَى، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن الماءِ، وما يَنُوبهُ من السِّباعِ؟ فقال:"إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْن لَمْ يَنْجُسْ". ولو كانت طاهرةً لم يحدّه بالقُلَّتَيْن، وقالَ
(16) في م: "طهارة"، والمثبت في: الأصل، أ.
(17)
انظر: باب الماء المتغير، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 32.
(18)
أبو سعيد يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدنى الفقيه، روى عن أنس بن مالك وخلق، وولى قضاء المنصور، توفى سنة ثلاث وأربعين ومائة. طبقات الفقهاء للشيرازي 66. العبر 1/ 195، 196.
(19)
أبو عبد اللَّه بكير بن عبد اللَّه بن الأشج القرشي مولاهم المدنى، نزيل مصر، ثقة صالح، توفى سنة سبع عشرة ومائة، وقيل غير ذلك. طبقات الفقهاء للشيرازي 78، تهذيب التهذيب 1/ 491 - 493.
(20)
أبو عثمان ربيعة بن فروخ (أبى عبد الرحمن) المدنى، ربيعة الرأى، أدرك الصحابة، وعنه أخذ مالك بن أنس، وتوفى سنة ست وثلاثين ومائة. طبقات الفقهاء للشيرازي 65، العبر 1/ 183.
(21)
أبو الزناد عبد اللَّه بن ذكوان المدنى الفقيه، توفى سنة ثلاثين ومائة. طبقات الفقهاء، للشيرازي 65، 66.
(22)
تقدم في صفحة 40.
(23)
أخرجه ابن ماجه، في: باب الحياض، من كتاب الطهارة وسننها. سنن ابن ماجه 1/ 173.
(24)
مسند الإمام الشافعي بحاشية الأم 6/ 4، 5، وترتيب مسند الشافعي، للسندى 22، وفيه:"وبما أفضلته".
النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الْحُمُرِ يومَ خَيْبَرَ: "إِنَّهَا رِجْسٌ". (25) ولأنه حيوانٌ حُرِّمَ أكْلُه، لا لحُرْمَتِه، يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه غالبًا، أَشْبَهَ الكلبَ، ولأنَّ السِّباعَ والجوارحَ الغالبُ عليها أكلُ الْمَيْتاتِ والنَّجاسات، فَتنْجُس أفْواهُها، ولا يتحقَّقُ وجودُ مُطَهِّرٍ لها، فينبغى أن يُقْضَى بنجاستِها، كالكلاب، وحديثُ أبى سعيد قد أجَبْنَا عنه، ويتعَيَّنُ حَمْلُه على الماءِ الكثير، عندَ مَن يرَى نجاسةَ سُؤْرِ الكلب، والحديثُ الآخَرُ يرْوِيه ابن أبي حَبِيبة، وهو مُنْكَرُ الحديث. قاله البُخارِىُّ (26). وإبراهيمُ بن يحيى (27)، وهو كَذَّابٌ.
والصَّحِيحُ عندى: طهارةُ البغلِ والحمار؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يركبُها، وتُرْكَبُ في زمنِه، وفى عصرِ الصحابة، فلو كان نَجِسًا لبَيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، ولأنهما ممَّا (28) لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منهما لِمُقْتنيهما. فأشْبَها السِّنَّوْرَ، وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم[في الحُمُرِ] (29):"إِنَّهَا رِجْسٌ" أراد أنها مُحَرَّمةُ، كقولِه تعالى في [الخمر](30) والمَيْسِرِ والأنْصاب والأزْلام إنها {رِجْسٌ} (31)، ويحْتَمِلُ أنه أراد لَحْمَها الذي
(25) أخرجه البخاري، في: النهى عن لحوم الحمر الإنسية فقط، وفى: باب لحوم الحمر الإنسية، من كتاب الذبائح، وفى: باب غزوة خيبر، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 7/ 123، 124، 5/ 167. ومسلم، في: باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية، من كتاب الصيد. صحيح مسلم 3/ 1540. والنسائي، في: باب سؤر الحمار، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 49. وابن ماجه، في: باب لحوم الحمر الوحشية، من كتاب الذبائح. سنن ابن ماجه 2/ 1066. والدارمى، في: باب لحوم الحمر الأهلية، من كتاب الأضاحى. سنن الدارمي 2/ 87.
(26)
في التاريخ الكبير 1/ 271، وهو إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة المدنى الأنصاري، وكان موجودا سنة ستين ومائة.
(27)
إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد الشجرى، روى عن أبيه، وعنه البخاري في غير الصحيح، وغيره. انظر: ميزان الاعتدال 1/ 74، تهذيب التهذيب 1/ 176.
(28)
سقط من: م.
(29)
سقط من: م.
(30)
سقط من: الأصل، أ.
(31)
سورة المائدة 90.
كان في قُدورِهم، فإنه نجسٌ (32)، لأنَّ (33) ذَبْحَ ما لا يَحِلُّ أكلُه لا يُطَهِّرُه.
القسم الثاني؛ طاهِرٌ في نفسِه، وسُؤْرِه وعَرَقِه، وهو ثلاثة أضْرُبٍ:
الأول، الآدَمِىُّ، فهو طاهِرٌ، وسُؤْرُه طاهر، سواء كان مسلمًا أو كافرًا، عند عامَّةِ أهلِ العلم، إلا أنه حُكِىَ عن النَّخَعِىِّ أنه كَرِهَ سُؤْرَ الحائض، وعن جابر بن زيد، لا يَتَوَضَّأ منه، وقد ثبَت أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُؤْمِنُ [لا يَنْجُسُ"] (34). وعن عائشة، أنها كانتْ تَشْرَبُ مِن الإِناءِ، وهى حائضٌ، فيأخذُه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فيضَعُ فَاهُ علَى موضِع فِيهَا، فيشْربُ، وتَتَعَرَّقُ العَرْقَ (35) فيأخذُه فيضَعُ فَاهُ علَى مَوْضِع فِيهَا. روَاهُ مسلم (36)، وكانتْ تغسِلُ رأسَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وهى حائِضٌ. مُتَّفَقٌ عليه (37)، وقال لعائشة:"نَاوِلِينِى الْخُمْرَةَ (38) مِنَ المَسْجِدِ"
(32) في م: "رجس".
(33)
في م: "فإن".
(34)
في م: "ليس بنجس"، والصواب في: الأصل، أ، وتقدم في صفحة 33.
(35)
عرقت العظم عرقا، من باب قتل: أكلت ما عليه من اللحم. المصباح المنير.
(36)
في أ: "البخاري ومسلم" خطأ.
وأخرجه مسلم، في: باب جواز غسل الحائض رأس زوجها. . إلخ، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 245، 246. والنسائي، في: باب سؤر الحائض، وفى: باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، من كتاب الطهارة، وفى باب سؤر الحائض، وفى: باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 49، 122، 145، 146، 156. وأبو داود، في: باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 59. وابن ماجه، في: باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 211، والدارمى، في: باب الحائض تمشط زوجها، من كتاب الوضوء. سنن الدارمي 1/ 246. والإمام أحمد، في المسند 6/ 62، 64، 192، 210، 214.
(37)
أخرجه البخاري، في: باب لا يدخل البيت إلا لحاجة، من كتاب الاعتكاف. صحيح البخاري 3/ 63. ومسلم، في باب جواز غسل الحائض رأس زوجها، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 244. والنسائي، في: باب غسل الحائض رأس زوجها، من كتاب الطهارة، وفى: باب غسل الحائض رأس زوجها، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 121، 159. والدرامى، في: باب الحائض تمشط زوجها، من كتاب الوضوء. سنن الدارمي 1/ 247. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 55، 170، 230.
(38)
الخمرة: هي السجادة، وهى ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده؛ من حصير أو نسيجة من خوص، وسميت خمرة؛ لأنها تخمر الوجه، أي تغطيه.
قالت: إنِّي حائضٌ. قال: "إِنَّ حَيْضَتكِ ليستْ فِي يَدِكِ"(39).
الضرب الثاني، ما أُكِل لَحْمُه؛ فقال أبو بكر ابن المُنْذِر: أجْمَعَ أهلُ العِلْم على أنَّ سُؤْرَ ما أُكِلَ لحمُه يجوزُ شُرْبُه، والوضوءُ به.
فإن كان جَلَاّلًا يأكُل النجاساتِ. فذكر القاضي فيه (40) روايتَيْن؛ إحداهما: أنه نَجِسُ. والثانية: طاهر. فيكونُ هذا من النوع الثاني من القِسْمِ الأولِ الْمُختَلَفِ فيه.
الضرب الثالث، السِّنَّوْرُ وما دونها في الخِلْقة؛ كالفَأْرةِ، وابنِ عِرْسٍ (41)، فهذا ونحوُه من حَشراتِ الأرض سُؤْرُه طاهر، يجوزُ شُرْبُه والوضوءُ به. ولا يُكْرَه. وهذا قولُ أكثِر أهل العلم؛ من الصَّحابة، والتَّابِعين، من أهل المدينة، والشام، وأهل الكوفة وأصحابِ الرَّأىِ، إلَّا أبا حنيفة، فإنه كَرِهَ الوُضوءَ بسُؤْرِ الهِرِّ، فإن فعَل أجزأه. رُوِىَ (42) عن ابن عمر أنه كَرِهَه، وكذلك يحيى الأنْصارِىّ، وابن أبي لَيْلَى.
وقال أبو هُرَيْرة: يُغْسَلُ مَرَّةً أو مرَّتَيْن. وبه قال ابنُ المُسَيّب (43).
(39) أخرجه مسلم، في: باب جواز غسل الحائض لرأس زوجها. . . إلخ، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 245. وأبو داود، في: باب الحائض تناول من المسجد، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 60. والترمذي، في: باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 216. والنسائي، في: باب استخدام الحائض، من كتاب الطهارة، وفى: باب استخدام الحائض، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 120، 158. وابن ماجه، في: باب الحائض، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 207. والدارمى، في: باب الحائض تبسط الخمرة، وفى: باب الحائض تمشط زوجها، من كتاب الوضوء. سنن الدارمي 1/ 197، 247. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 70، 6/ 45، 101، 106، 110، 112، 114، 173، 179، 214، 229، 245.
(40)
سقط من: م.
(41)
ابن عرس، بالكسر: دويبة تشبه الفأرة.
(42)
في م: "وقد روى".
(43)
في م: "المنذر"، والمثبت في: الأصل، أ.
وقال الحسنُ، وابن سِيرِين: يُغْسَلُ مَرَّةً.
وقال طاوُس (44): يُغْسَلُ سَبْعًا، كالكلب.
وقد روَى أبو داود، بإسْناده، عن أبي هُرَيْرة رضىَ اللَّه عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فذكَر الحديثَ، وقال:"إِذَا وَلَغَتْ فِيهِ الْهِرُّ (45) غُسِلَ مَرَّةً".
ولنا ما رُوِىَ عن كَبْشةَ بنتِ كعبِ بن مالِك، وكانت تحت أبى قَتادة، أنَّ أبا قَتادةَ دخل عليها، فسكَبتْ له وَضُوءًا، قالت: فجاءت هِرَّةٌ فأَصْغَى (46) لها الإِناءَ حتى شَرِبَتْ، قالت كَبْشةُ: فرآنِى أنْظُرُ إليه، فقال: أتَعْجَبِين يا ابْنَةَ أخى؟ فقلتُ: نعم. فقال: إنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ والطَّوَّافَاتِ". أخْرَجه أبو داود [والنَّسائىُّ، والتّرْمِذِىُّ](47)، وقال (48): هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيح. وهذا أحْسَنُ شيءٍ في الباب. [وهذا قد](49) دَلَّ بلفْظِه علَى نَفْىِ الكراهةِ عن سُؤْرِ الهِرِّ، وبِتَعلِيلهِ على نَفْىِ الكراهة عمَّا دونها مما يَطُوفُ علينا. وروَى ابنُ ماجَه، عن عائشة، قالت: كنتُ أتوَضَّأُ أنا
(44) أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان اليماني الجندى، من فقهاء التابعين، وكان جليلا، توفى بمكة حاجا سنة ست ومائة. طبقات الفقهاء، للشيرازي 73، العبر 1/ 130، 131.
(45)
في م: "الهرة"، والمثبت في: الأصل، أ، وسنن أبي داود.
وأخرجه أبو داود، في: باب الوضوء بسؤر الكلب، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 17. وكذلك أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في سؤر الكلب من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 1/ 133، وهو فيه بلفظ:"الهرة".
(46)
أصغى لها الإِناء: أماله.
(47)
أخرجه أبو داود، في: باب سؤر الهرة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 18. والنسائي، في باب سؤر الهرة، من كتاب الطهارة، وفى: باب سؤر الهرة، من كتاب المياه. المجتبى 1/ 48، 145، والترمذي، في: باب ما جاء في سؤر الهرة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 137.
وكذلك أخرجه ابن ماجه، في: باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 131. والدارمى، في: باب الهرة إذا ولغت في الإِناء، من كتاب الوضوء. سنن الدارمي 1/ 187، 188. والإمام مالك، في: باب الطهور للوضوء، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 23. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 296، 303، 309.
(48)
انظر: عارضة الأحوذى 1/ 138.
(49)
في م: "وقد".