الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا ضَرُورَةَ ههنا. وإنْ خَرَجَ الوَقْتُ بعدَ أنْ خَرَجَ منها شيءٌ، أو أحْدَثَتْ حَدَثًا سوى هذا الخَارِج، بَطَلَتِ الطَّهَارَةُ. قال أحمدُ، في روايةِ أحمد بن القَاسِمِ: إنَّما أَمَرَها أنْ تَتَوَضَّأ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَتُصَلِّى بذلك الوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالصَّلَاةَ الفَائِتَةَ، حتى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى، فتَتَوَضَّأُ أيضًا. وهذا يَقْتَضِى إلْحَاقهَا بالتَّيَمُّمِ، في أنَّها بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ الوَقْتِ، يجُوزُ لها أنْ تَتَطَوَّعَ بها، وتَقْضِىَ بها الفَوَائِتَ، وتَجْمَعَ بينَ الصَّلَاتَيْنِ، ما لم تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ، أو يخْرُج الوَقْتُ.
فصل:
ويَجُوزُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الجَمْعُ بينَ الصَّلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ واحِدٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ حَمْنَةَ بنْتَ جَحْشٍ بالجَمْعِ بينَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ (11)، وأمَرَ به سَهْلَةَ بنتَ سُهَيْلٍ (12)، وغيرُ المُسْتَحَاضَةِ مِن أهْلِ الأعْذَارِ مَقِيسٌ عليها، ومُلْحَقٌ بها.
فصل: إذا تَوَضَّأتِ المُسْتَحَاضَةُ، ثم انْقَطَعَ دَمُها، فإنْ تَبَيَّنَ أنَّه انْقَطَعَ لِبُرْئِها بِاتِّصَالِ الانْقِطَاعِ، تَبَيَّنَّا أنَّ وضُوءَها بَطَلَ بِانْقِطَاعِه؛ لأنَّ الحَدَثَ الخارِجَ مُبْطِلٌ لِلطَّهَارَةِ عُفِىَ عنه لِلعُذْرِ، فإذا زال العُذْرُ زالتِ الضَّرُورَةُ، فظَهَر حُكْمُ الحَدَثِ. وإنْ عادَ الدَّمُ، فظَاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّه لا عِبْرَةَ بهذا الانْقِطاع. قال أحمدُ بنُ القاسمِ: سألتُ أبا عبد اللَّه، فقلتُ: إنَّ هؤلاء يَتَكَلَّمُون بكلامٍ كَثِيرٍ، ويُوَقِّتُونَ بِوَقْتٍ، يقولون: إذا تَوَضَّأَتْ للصَّلَاةِ، وقد انْقْطَعَ الدَّمُ ثم سَال بعدَ ذلك قبلَ أنْ تَدْخُلَ في الصَّلَاةِ، تُعِيدُ الوضُوءَ. ويقولون: إذا كان الدَّمُ سَائِلًا، فَتَوَضَّأَتْ، ثم انْقَطَعَ الدَّمُ، قَوْلًا آخَرَ. قال: لستُ أنْظُرُ في انْقِطَاعِه حين تَوَضَّأَتْ سال أم لم يَسِلْ، إنَّما آمُرُها أنْ تَتَوَضَّأ لِكُلِّ صلاة، فَتُصَلِّىَ بذلك الوضُوءِ النَّافِلَةَ والفَائِتَةَ، حتى يَدْخُلَ وقتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى؛ وذلك لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَهَا بالوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، مِنْ غيرِ تَفْصِيلٍ، فالتَّفْصِيلُ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الخَبَرِ. ولأنَّ اعْتِبَارَ هذا يَشُقُّ، والعادَةُ في المُسْتَحَاضَةِ وأَصْحَابِ هذه الأعْذَارِ أنَّ الخَارِجَ يَجْرِى ويَنْقَطِعُ، واعْتِبَارُ مِقْدَارِ
(11) تقدم في صفحة 403، 404.
(12)
أخرجه أبو داود، في: باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 70.
الانْقِطَاعِ فيما يُمْكِنُ فِعْلُ (13) العِبَادَةِ فيه يَشُقُّ، وإيجَابُ الوضُوءِ به حَرَجٌ لم يَرِدِ الشَّرْعُ به، ولا سَأَلَ عنه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم المُسْتَحَاضَةَ التي اسْتَفْتَتْهُ، فيدُلُّ ذلك ظَاهِرًا على عَدَمِ اعْتِبَارِه مع قولِ اللَّه تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (14)، ولم يُنْقَلْ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحَدٍ مِن الصَّحابَة هذا التَّفْصِيلُ. وقال القاضي، وابْنُ عَقِيلٍ: إنْ تَطَهَّرَتِ المُسْتَحَاضَةُ حَالَ جَرَيَانِ دَمِها ثم انْقَطَعَ قبلَ دُخُولِها في الصَّلَاةِ، ولم يكنْ لها عادَةٌ بِانْقِطَاعِه، لم يكنْ لها الدُّخُولُ في الصَّلَاةِ حتى تَتَوَضَّأ؛ لأنَّها طَهارَةٌ عُفِى عن الحَدَثِ فيها لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، فإذا انْقَطَعَ الدَّمُ زَالَتِ الضَّرُورَةُ، فظهَرَ حُكْمُ الحَدَثِ كالمُتَيَمِّمِ إذا وَجَدَ الماءَ، وإنْ دَخَلَتْ في الصَّلَاةِ فاتَّصَلَ الانْقِطَاعُ زَمَنًا يُمْكِنُ الوُضُوءُ والصَّلَاةُ فيه، فهى بَاطِلَةٌ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ طَهارَتِها بانْقِطَاعِه. وإنْ عادَ قبلَ ذلك، فطَهَارَتُها صَحِيحَةٌ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا عَدَمَ الطُّهْرِ المُبْطِلِ لِلطَّهَارَةِ، فأَشْبَهَ ما لو ظَنَّ أَنَّه أحْدَثَ، ثم تَبَيَّنَ أنَّه لم يُحْدِثْ. وفى صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَجْهَان: أحَدُهما، يَصِحُّ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا صِحَّةَ طَهارَتِها؛ لِبَقاءِ اسْتِحاضَتِها. والثَّانِى، لا يَصِحُّ؛ لأنَّها صَلَّتْ بِطَهارَةٍ لم يكنْ لها أنْ تُصَلِّىَ بها فلم تَصِحَّ، كما لو تَيَقَّنَ الحَدَثَ وشَكَّ في الطَّهَارَةِ، فصَلَّى، ثم تَبَيَّنَ أنَّه كانَ مُتَطَهِّرًا. وإن عاوَدَها الدَّمُ قَبْلَ دُخُولِها في الصَّلَاةِ لِمُدَّةٍ تَتَّسِعُ لِلطَّهَارَةِ والصَّلَاةِ، بَطَلَت الطَّهَارَةُ، وإنْ كانتْ لَا تَتَّسِعُ، لم تَبْطُلْ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا عَدَمَ الطُّهْرِ المُبْطِل لِلطَّهَارَةِ، فأَشْبَهَ ما لو ظَنَّ أنَّه أحْدَثَ، فتَبَيَّنَ أنَّه لم يُحْدِثْ، وإنْ كان انْقِطَاعُهُ في الصَّلَاةِ، ففى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ به وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ على المُتَيَمِّمِ يَرَى الماءَ في الصَّلَاةِ. ذَكَرَ ذلك ابنُ حَامِدٍ. وإنْ عاوَدَها (15) الدَّمُ، فالْحُكْمُ فيه على ما مَضَى في انْقِطَاعِهِ في غيرِ الصَّلَاةِ. وإنْ توَضَّأَتْ في زَمَنِ انْقِطَاعِه، ثم عاوَدَها الدَّمُ قبْلَ الصَّلَاةِ أو فيها، وكانتْ (16) مُدَّةُ
(13) في الأصل: "فصل".
(14)
سورة الحج، الآية الأخيرة.
(15)
في م: "عاود".
(16)
في م: "أو كانت".