الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنْتَ تَقْدِرُ على الماءِ، فاغْتَسَلَ، فمَاتَ، فلَمَّا قَدِمْنَا على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بذلك، فقالَ:"قَتَلُوهُ، قَتَلَهُم اللهُ، ألَا سَأَلُوا، إذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فإنَّمَا شِفَاءُ العِىِّ السُّؤَالُ، إنَّما كَانَ يَكْفِيهِ أنْ يَتَيَمَّمَ، ويَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً (12)، ثم يَمْسَحَ عَلَيْهَا (13)، ثم يَغْسِلَ سائِرَ جَسَدِهِ". رَوَاهُ أبو داود (14)، وعَن ابنِ عَبَّاسٍ مِثْلَه (15). ولأنَّ كلَّ جُزْءٍ مِن الجسدِ يجبُ تَطْهِيرُهُ بشيءٍ إذا اسْتَوَى الجِسْمُ كلُّه في المَرَضِ أو الصِّحَّة. فيجبُ ذلك فيه وإنْ خَالَفَهُ غيرُه، كما لو كان مِنْ جُمْلَةِ الأَكْثَرِ، فإنَّ حُكْمَه لا يَسْقُطُ بمَعْنًى في غيرِه، وما ذكرُوهُ مُنْتَقِضٌ (16) بالمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ مع غَسْلِ بَقِيَّةِ أعضاءِ الوُضُوءِ، ويُفارِقُ ما قاسُوا عليه، فإنه جَمْعٌ بَيْنَ البَدَلِ والمُبْدَلِ في مَحَلٍّ وَاحِدٍ، بِخِلافِ هذا، فإنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَمَّا لا يُصِيبُهُ الماءُ، دُونَ ما أصَابَهُ.
فصل:
ما لا يُمْكِنُ غَسْلُهُ مِن الصَّحِيحِ إلَّا بانْتِشَارِ الماءِ إلى الجَرِيحِ، حُكْمُه حُكْمُ الجَرِيحِ، فإنْ لم يُمْكِنْه ضَبْطُه، وقَدَرَ أنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَضْبِطُه، لَزِمَه ذلك، فإنْ عَجَزَ عن ذلك تَيَمَّمَ وصَلَّى وأَجْزَأَهُ؛ لأنَّه عَجَزَ عن غَسْلِهِ، فأَجْزَأَةُ التَّيَمُّمُ عنه كالجَرِيحِ.
فصل: إذا كان الجَرِيحُ جُنُبًا، فهو مُخَيَّرٌ، إنْ شاءَ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ على الغُسْلِ، وإنْ شَاءَ أخَّرَهُ، بخِلَافِ ما إذا كان التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ ما يَكْفِيهِ لجَمِيعِ أعْضَائِه، فإنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ الماءِ أوَّلًا؛ لأنَّ التَّيَمُّمَ للْعَدَمِ، ولا يَتَحَقَّقُ [إلا بعدَ فَراغِ الماءِ](17). وههُنا التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عن اسْتِعْمَالِه في الجريحِ (18)، وهو مُتَحَقِّقٌ على كلِّ حالٍ، ولأنَّ
(12) سقط من: م.
(13)
في م: "عليه".
(14)
في: باب [في] المجروح يتيمم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 82.
(15)
أخرجه أبو داود في الوضع السابق، كما أخرجه ابن ماجه، في: باب في المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 189. والدارمى، في: باب المجروح تصيبه الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 192. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 330.
(16)
في م: "ينتقض".
(17)
في م: "مع وجود".
(18)
في م: "الجرح".
الجَرِيحَ يَعْلَمُ أنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عن (19) غَسْلِ (20) الجُرْحِ، والعادِمُ لِما يَكْفِى جميعَ أعْضَائِهِ لا يعلمُ القَدْرَ الذي يَتَيَمَّمُ له إلا بعدَ اسْتِعْمَالِ الماءِ وفَرَاغِهِ، فلَزِمَهُ تَقْدِيمُ اسْتِعْمَالِه. وإنْ كان الجَرِيحُ يَتَطَهَّرُ لِلْحَدَثِ الأصْغَرِ، فذَكَرَ القاضي أنَّه يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ، فيَجْعَلُ التَّيَمُّمَ في مكانِ الغُسْلِ الذي يَتَيَمَّمُ بَدَلًا عنه، فإنْ كان الجُرْحُ في وَجْهِهِ بحيثُ لا يُمْكِنُه غَسْلُ شيءٍ منه، لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ أَوَّلًا، ثم يَتَيَمَّمُ للوُضُوءِ. وإنْ كان في بعضِ وَجْهِهِ خُيِّرَ بينَ غَسْلِ صَحِيحِ وَجْهِهِ ثم تَيَمَّمَ، وبينَ أنْ يَتَيَمَّمَ ثم يَغْسِلَ صَحِيحَ وَجْهِه ويُتَمِّمَ وُضُوءَهُ. وإنْ كانَ الجُرْحُ في عُضْوٍ آخَر، لَزِمَهُ غَسْلُ ما قَبْلَهُ، ثم كان فيه على ما ذكرْنا في الوَجْهِ. وإن كان في وَجْهِهِ ويَدَيْهِ ورِجْلَيْه، احْتَاجَ في كُلِّ عُضْوٍ إلى تَيَمُّمٍ في مَحَلِّ غَسْلِه، لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ. ولو غسلَ صَحِيحَ وَجْهِهِ، ثم تَيَمَّمَ له ولِيَدَيْهِ تَيَمُّمًا واحِدًا، لم يُجْزِهِ؛ لأنَّه يُؤَدِّى إلى سُقُوطِ الفَرْضِ عن جُزْءٍ مِن الوَجْهِ واليَدَيْنِ في حالٍ (21) واحدةٍ. فإنْ قِيل: يَبْطُلُ هذا بالتَّيَمُّمِ عن جُمْلَةِ الطهارةِ، حيثُ يَسْقُطُ الفَرْضُ عن جَمِيعِ الأعْضَاءِ جُمْلَةً واحِدَةً. قُلْنَا: إذا كان عن جُمْلَةِ الطَّهَارَةِ، فالحُكْمُ لها (22) دُونَها، وإنْ كان عن بَعْضِها، نابَ عن ذلك البَعْضِ، فاعْتُبِرَ فيه ما يُعْتَبَرُ فيما يَنُوبُ عنه مِن التَّرْتِيبِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يجِبَ هذا التَّرْتِيبُ؛ لأنَّ التَيمُّمَ طهارةٌ مُفْرَدَةٌ، فلا يجبُ التَّرْتِيبُ بينَها وبَيْنَ الطَّهَارَةِ الأُخْرَى، كما لو كان الجَرِيحُ جُنُبًا، ولأنَّه تَيَمَّمَ عَن الحَدَثِ الأَصْغَرِ، فلم يَجِبْ أنْ يَتَيَمَّمَ عن كُلِّ عُضْوٍ في مَوْضِعِ غَسْلِهِ، كما لو تَيَمَّمَ عن جُمْلَةِ الوُضُوءِ، ولأنَّ في هذا حَرَجًا وضَرَرًا، فَيَنْدَفِعُ بقَوْلِه تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (23). وحَكَى المَاوَرْدِىُّ، عن مَذْهَبِ الشَّافِعِىِّ مِثْلَ هذا. وحَكَى ابنُ الصِّبَّاغِ (24) عنه مِثْلَ القَوْلِ الأوَّلِ.
(19) في م: "على".
(20)
سقط من: الأصل.
(21)
في م: "حالة".
(22)
في الأصل: "له".
(23)
سورة الحج 78.
(24)
أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، ابن الصباغ، الشافعي، صاحب "الشامل" في فقه =