الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإذا ذَكَرَتِ النَّاسِيَةُ عَادَتَها بعدَ جُلُوسِها في غيرِه، رَجَعَتْ إلى عَادَتِها؛ لأنَّ تَرْكَهَا لِعَارِضِ النِّسْيَانِ، فإذا زَالَ العَارِضُ عادَتْ إلى الأصْلِ. وإنْ تَبَيَّنَ أنَّها كانتْ تَرَكَتِ الصَّلاةَ في غير عَادَتها، لَزِمَها إعادَتُها، ويَلْزَمُها قَضَاءُ ما صَامَتْهُ مِن الفَرْضِ في عَادَتِها، فلو كانتْ عادَتُها ثلاثةً مِن آخِرِ العَشْرِ الأُوَلِ، فجَلَسَت السَّبْعَةَ التي قَبْلَها مُدَّةً، ثم ذَكَرَتْ، لَزِمَها قَضَاءُ ما تركتْ مِن الصَّلاةِ والصِّيامِ المَفْرُوضِ في السَّبْعةِ، وقَضَاءُ ما صَامَتْ مِن الفَرْضِ في الثَّلاثةِ؛ لأنَّها صَامَتْهُ في زَمَنِ حَيْضِها.
95 - مسألة؛ قال: (والمُبْتَدَأُ بِهَا الدَّمُ تحْتَاطُ، فَتجْلِسُ يَوْمًا ولَيْلَةً، وتَغْتَسِلُ وتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وتُصَلِّى. فإن انْقَطَعَ دَمُهَا في خَمْسةَ عَشرَ يَوْمًا، اغْتَسَلَتْ عِنْد انقِطَاعِهِ، وتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ثَانِيةً وثَالِثَةً. فإنْ كانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، عَملَتْ عَلَيْهِ وأَعَادَتِ الصَّوْمَ، إنْ كانتْ صَامَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ مِرَارٍ لِفَرْضٍ)
هذا النَّوْعُ الثَّانِى مِن القِسْمِ الرَّابِعِ؛ وهى مَنْ لا عادَةَ لها ولا تَمْيِيزَ، وهى التي بَدَأ بها الحَيْضُ ولم تكنْ حَاضَتْ قَبْلَه؛ والمشهورُ عن أحمدَ فيها أنَّها تَجْلِسُ إذا رأَتِ الدَّمَ، وهى مِمَّنْ يُمْكِنُ أنْ تَحِيضَ، وهى التي لها تِسْعُ (1) سِنِينَ فصاعِدًا، فتتْرُكُ الصَّوْمَ والصلاةَ؛ فإنْ زادَ الدَّمُ على يومٍ وليلةٍ، اغْتَسَلَتْ عَقِيبَ اليومِ والليلةِ، وتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صلاةٍ، وتُصَلِّى، وتَصُومُ. فإنِ انْقَطَعَ الدَّمُ لأكْثَرِ الحَيْضِ فما دونَ، اغْتَسَلَتْ غُسْلًا ثانيًا عِنْدَ انْقِطَاعِه، وصَنَعَتْ مِثْلَ ذلك في الشهرِ الثَّانِى والثَّالِثِ، فإنْ كانتْ أيَّامُ الدَّمِ في الأشْهُرِ الثَّلَاثَةِ مُتَسَاوِيَةً، صار ذلك عادةً؛ وعَلِمْنَا أنَّها كانتْ حَيْضًا، فيَجِبُ عليها قضاءُ ما صامَتْ مِن الفَرْضِ؛ لأنَّا تَبَيَّنَا أنَّها صَامتْهُ في زَمَنِ الحَيْض. قال القَاضى: المذهبُ عِنْدِى في هذا روَايةٌ وَاحِدَةٌ. قال: وأصحابُنا يَجْعَلُون في قَدْرِ ما تَجْلِسُه المُبْتَدَأَةُ في الشَّهْرِ الأوَّلِ أربَعَ رِواياتٍ: إحْدَاهُنَّ، أَنَّها تَجْلِسُ أقَلَّ الحَيْضِ، والثَّانِيَةُ غَالِبَهُ، والثَّالِثَةُ أكْثَرَهُ، والرَّابِعَةُ عادَةَ نِسَائِها. قال: وليس ههنا مَوْضِعُ الرِّوَايَاتِ، وإنَّما مَوْضِعُ ذلك إذا اتَّصَلَ الدَّمُ، وحَصَلَتْ
(1) في الأصل: "سبع".
مُسْتَحَاضَةً في الشَّهْرِ الرَّابِعِ. وقد نُقِلَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على صِحَّةِ قولِ الأصْحَابِ؛ فرَوَى صَالِح، قال: قال أبى: أوَّلُ ما يَبْدَأُ الدَّمُ بالمَرْأَةِ تَقْعُدُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أو سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وهو أكْثَرُ ما تَجْلِسُهُ النِّسَاءُ على حَدِيثِ حَمْنَةَ. فَظَاهِرُ (2) هذا أَنَّها تَجْلِسُ ذلك في أوَّلِ حَيْضِها. وقولُه: أكْثَرُ مَا تَجْلِسُهُ النِّسَاءُ. يَعْنِى أنَّ الغَالِبَ مِن النِّسَاءِ هكذا يَحِضْنَ. ورَوَى حَرْبٌ عنه قال: سألتُ أبا عبدِ اللهِ قلتُ: امْرَأةٌ أوَّلَ ما حَاضتْ اسْتَمَرَّ بها الدَّمُ، كم يَوْمًا تَجْلِسُ؟ قال: إنْ كان مِثْلُهَا مِن النِّسَاءِ مَن يَحِيضُ (3)، فإنْ شاءتْ جلستْ سِتًّا أو سَبْعًا، حتى يَتَبَيَّنَ لها حَيْضٌ وَوَقْتٌ، وإنْ أرَادَت الاحْتِياطَ، جلستْ يومًا واحِدًا، أوَّلَ مَرَّةٍ حتى تَتَبَيَّنَ وَقْتَها. وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ: قالوا هذا، وقالوا هذا، فأيُّها أخَذَتْ فهو جَائِزٌ. ورَوَى الخَلَّالُ، بإسْنَادِهِ، عن عَطَاءٍ، في البِكْرِ تُسْتَحَاضُ، ولا تَعْلَمُ لها قُرْءًا، قال: لِتَنْظُرْ قُرْءَ أُمِّها أو أُخْتِها أو عَمَّتِها أو خَالَتِها، فَلْتَتَرُكِ الصَّلَاةَ عِدَّةَ تلك الأيَّامِ، وتَغْتَسِلُ وتُصَلِّى. قال حَنْبَلٌ: قال أبو عبد اللَّه: هذا حَسَنٌ. واسْتَحْسَنَهُ جِدًّا. وهذا يَدُلُّ على أنَّه أَخَذَ به، وهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، والثَّوْرِىِّ، والأوْزَاعِىِّ. ورُوِىَ عن أحمدَ: أَنَّها تَجْلِسُ أكْثَرَ الحَيْضِ. إلَّا أنَّ المشهورَ في الرِّوَايَةِ عنه مِثْلُ ما ذَكَرَ الْخِرَقِىُّ؛ وقال مالكٌ وأبو حنيفة، والشَّافِعِىُّ: تَجْلِسُ جميعَ الأيَّامِ التي تَرَى الدَّمَ فيها إلى أكْثَرِ الحَيْضِ، فإن انْقَطَعَ لأَكْثَرِهِ فما دُونَ، فالجميعُ حَيْضٌ؛ لأنَّا حَكَمْنا بأنَّ ابْتِدَاءَ الدَّمِ حَيْضٌ مع جَوَازِ أنْ يكونَ اسْتِحَاضَةً، فكذلك أثْناؤُه، ولأنَّنا حَكَمْنا بِكَوْنِه حَيْضًا، فلا نَنْقُضُ ما حَكَمْنا به بالتَّجْوِيزِ، كما في المُعْتادَة، ولأنَّ دَمَ الحَيْضِ دَمُ جِبِلَّةٍ، والاسْتِحَاضَةُ دَمٌ عَارِضٌ لِمَرَضٍ عَرَضَ؛ وعِرْقٍ انْقَطَعَ، والأصْلُ فيها الصِّحَّةُ والسَّلَامةُ، وأنَّ دَمَها دَمُ الجِبِلَّةِ دُونَ العِلَّةِ. ولَنا، أنَّ في إجْلَاسِها أكْثَرَ مِنْ أقلِّ الحَيْضِ حُكْمًا بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِها مِن عِبادةٍ وَاجَبةٍ عليها؛ فلم يُحْكَمْ به أوَّلَ مَرَّةٍ، كالمُعْتَدَّةِ لا يُحْكَمُ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِها مِن العِدَّةِ بأوَّلِ حَيْضَةٍ، ولا يَلْزَمُ اليَوْمُ والليلَةُ،
(2) في الأصل: "وظاهر".
(3)
في م: "يحضن".