الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِقوْلِ اللهِ تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (35)، ولمَّا طَلَّقَ ابنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وهى حَائِضٌ أَمَرَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجْعَتِهَا وإمْسَاكِهَا حتى تَطْهُرَ (36). ومنها، أنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ؛ لأنَّ حَدَثَها مُقِيمٌ. ومنها، أنَّهُ يُوجِبُ الغُسْلَ عندَ انْقِطَاعِهِ، لقولِهِ عليه السلام:"امْكُثِى قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِى وَصَلِّى". مُتَّفَقٌ عليه (37). وهو عَلَمٌ على البُلُوغِ؛ لقولِهِ عليه الصلاة والسلام: "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ (38) ". ولا تَنْقَضِى العِدَّةُ في حَقِّ المُطَلَّقَةِ وأشباهِها إلَّا بِه، لقولِهِ تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (39). وأكْثَرُ هذه الأحْكَامِ مُجْمَعٌ عليها بَيْنَ عُلَماءِ الأُمَّةِ. وإذا ثَبَتَ هذا، فالحاجةُ دَاعِيَةٌ إلى مَعْرِفَةِ الحَيْضِ، لِيُعْلَمَ ما يَتَعَلَّقُ به مِنَ الأحْكامِ. قال أحمدُ، رحمه الله: الحَيْضُ يَدُورُ على ثلاثةِ أحادِيثَ: حَدِيثِ فَاطِمَةَ، وأُمِّ حَبِيبَةَ، وحَمْنَةَ. وفِي رِوايةٍ: حَدِيثِ أُمِّ سَلَمة. مَكَانَ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ. وسَنذْكُرُ هذه الأحَادِيثَ وغيرَها في مَوَاضِعِها، إنْ شاء اللهُ تعالى.
91 - مسألة؛ قال: (وأَقَلُّ الحَيْضِ: يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، وأَكْثَرُهُ خمْسَةَ عَشرَ يَوْمًا)
هذا الصَّحِيحُ مِن مذهب أبِى عبدِ اللَّه، وقال الخَلَّالُ: مذهبُ أبى عبدِ اللَّه لا اخْتِلافَ فيه، أنَّ أقَلَّ الحَيْضِ يومٌ، واكْثَرَهُ خمسةَ عشرَ يومًا. وقيل عنه: أَكْثَرُه
(35) سورة الطلاق 1.
(36)
يأتى حديث ابن عمر، في المسألة 106.
(37)
أخرجه مسلم، في: باب المستحاضة وغسلها، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 264. ولم نجده عند البخاري، وسيعيد المؤلف ذكره في المسألة 93، ويذكر فيها أن مسلما رواه. كما أخرجه أبو داود، في: باب في المرأة تستحاض. . . إلخ، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 63. والنسائي، في باب ذكر الاغتسال من الحيض، من كتاب الطهارة، وفى: باب المرأة يكون لها أيام معلومة، وباب ذكر الأقراء، عن كتاب الحيض. المجتبى 1/ 99، 148، 150. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 222.
(38)
أخرجه أبو داود، في: باب المرأة تصلى بغير خمار، من كتاب الصلاة. والترمذي، في: باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار، من أبواب الصلاة. وابن ماجه، في: باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 215. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 150، 218، 259.
(39)
سورة البقرة 228.
سبعةَ عشرَ يومًا (1). وللشَّافِعِىِّ قَوْلان، كالرِّوايَتَيْن في أقَلِّه وأكْثَرِه. وقال إسحاقُ بنُ رَاهُويَه: قال عطاء: الحَيْضُ يَوْمٌ واحدٌ. وقال سعيدُ بنُ جُبَيْر: أكثرُه ثلاثةَ عشرَ يومًا. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفة، وصاحِباه: أقلُّهُ ثلاثةُ أيَّامٍ، وأكْثَرُهُ عشرة؛ لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أقَلُّ الحَيْضِ ثَلَاثَةُ أيَّامٍ، وأكْثَرُه عَشَرَةٌ (2) ". وقال أَنَسٌ: قُرْءُ المَرْأةِ: ثلاث، أرْبَع، خَمْس، سِتّ، سَبْع، ثمان، تِسْع، عشر (3). ولا يقولُ أنَسٌ ذلك إلَّا تَوْقِيفًا، وقال مالِكُ بنُ أنَسٍ: ليس لأقَلِّهِ حَدٌّ، يَجُوزُ أنْ يكُونَ سَاعَةً؛ لأنَّهُ لو كان لأقَلِّه حَدٌّ، لَكَانَتِ المَرْأةُ لا تَدَعُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَمْضِىَ ذلك الحَدُّ. ولَنا، أنَّهُ وَرَدَ في الشَّرْعِ مُطْلَقًا مِنْ غيرِ تَحْدِيدٍ، ولا حَدَّ له في اللُّغَةِ، ولا في الشَّريعة، فيجِبُ الرُّجُوعُ فيه إلى العُرْفِ والعادَة، كما في القَبْضِ، والإِحْرَازِ، والتَّفَرُّقِ، وأشباهِها، وقد وُجِد حَيْضٌ مُعْتادٌ يومًا، قال عطاء: رأيتُ مِن النِّساءِ مَنْ تَحِيضُ يوْمًا، وتَحِيضُ خمسةَ عشرَ. وقال أحمدُ: حدَّثنى يحيى بنُ آدمَ، قال: سَمِعْتُ شَرِيكًا يقولُ: عندنا امْرَأَةٌ تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ خمسةَ عشرَ يَوْمًا حَيْضًا مُسْتَقِيمًا. وقال ابنُ المُنْذِر: قال الأوْزَاعِىُّ: عندنا امْرَأَةٌ تَحِيضُ غُدْوَةً وتَطْهُرُ عَشِيًّا. يَرَوْنَ أنَّه حَيْضٌ تَدَعُ له الصَّلاةَ. وقال الشَّافِعِىُّ: رأيتُ امْرَأَةً أُثْبِتَ لي عنها أنَّها لم تَزَلْ تَحِيضُ يَوْمًا لا تَزِيدُ عليه، وأُثْبِتَ لي عَن نِسَاءٍ أنَّهُنَّ لم يَزَلْنَ يَحِضْنَ أقَلَّ مِن ثَلاثةِ أيَّامٍ. وذكر إسحاقُ بنُ رَاهُويَه، عن بكرِ بنِ عبدِ اللهِ المُزَنِىِّ، أنَّه قال: تَحِيضُ امْرَأَتِى يَوْمَيْنِ. قال إسحاق: وقالتْ امْرَأَةٌ مِن أَهْلِنا معْرُوفَةٌ: لم أُفْطِرْ مُنْذُ عشرِين سنةً في شهرِ رمضانَ إلَّا يَوْمَيْن. وقَوْلُهُنَّ يَجِبُ الرُّجُوعُ إليه؛ لقولِه تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (4) فلولا أنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ لَما (5) حَرَّمَ عليهنَّ الكِتْمانَ، وجَرَى ذلك مَجْرَى قولِه: {وَلَا
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحيض. سنن الدارقطني 1/ 219.
(3)
في م: "عشرة". وانظر: سنن الدارقطني 1/ 209.
(4)
سورة البقرة 228.
(5)
في م: "ما".