الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى خُلُوِّ نِسَاءٍ عن الحَيْضِ بالكُلِّيَّةِ، مع رُؤْيَتِهِنَّ الدَّمَ في زَمَنِ الحَيْضِ، وصَلَاحِيَةِ أن يكونَ حَيْضًا؛ بَيَانُه أنَّ المَرْأةَ إذا رَأت الدَّمَ في غيرِ أيَّامِ عادَتِها، وطَهُرَتْ أيَّامَ عَادَتِها، لم تُمْسِكْ عن الصَّلَاةِ ثلاثةَ أشهرٍ، فإذا انْتَقَلَتْ في الشهرِ الرابعِ إلى أيَّامٍ أُخَرَ لم تَحِضْها أيضًا (17) ثلاثةَ أشْهُرٍ، وكذلك أبدا، فيُفْضِى إلى إخْلَائِها مِن الحَيْضِ بالكُلِّيَّةِ، ولا سبيلَ إلى هذا، فعلى هذا القَوْلِ تَجْلِسُ ما تَرَاهُ مِن الدَّمِ قبلَ عادَتِها وبعْدَها، ما لم يَزِدْ على أكثرِ الحَيْضِ، فإنْ زَادَ على أكثرِهِ عَلِمْنا أنَّه اسْتِحَاضَةٌ، فرَدَدْنَاها إلى عادَتِها، ويَلْزَمُها قَضَاءُ ما تَرَكَتْه من الصَّلَاةِ والصِّيَامِ فِيما زاد على عَادَتِها، لأنَّنا تَبَيَّنّا أنَّه ليس بِحَيْضٍ، إنَّمَا هو اسْتِحَاضَةٌ.
فصل:
فإنْ كانتْ لها عَادَةٌ، فرَأَتِ الدَّمَ أكثرَ منها، وجَاوَزَ (18) أكثرَ الحَيْضِ، فهى مُسْتَحَاضَةٌ، وحَيْضُها منه قَدْرُ العَادَةِ لا غيرُ، ولا تَجْلِسُ بعدَ ذلك مِن الشُّهُورِ المُسْتَقْبَلَةِ إلَّا قَدْرَ العادَةِ، ولا أعْلَمُ في هذا خِلافًا عندَ مَنِ اعْتَبَرَ العادَةَ. فأمَّا إنْ كانتْ عادَتُها ثلاثةً مِنْ كُلِّ شهرٍ، فرَأتْ في شَهْرٍ خمسةَ أيَّامٍ، ثُم اسْتُحِيضَتْ في الشهرِ الآخَرِ، فإنَّها لا تَجْلِسُ [في ما] (19) بَعْدَه مِن الشُّهُورِ إلَّا ثلاثةً ثلاثةً. وبهذا قال أبو حنيفة. وقال الشَّافِعِىُّ: تَجْلِسُ خمسةً مِنْ كُلِّ شهرٍ. وهذا مَبْنِىٌّ على أنَّ العادَةَ لا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ، وإنْ رَأتْ خمسةً في شهرَيْنِ، فهلْ تَنْتَقِلُ عادَتُها إلى خمسةٍ؟ يُخَرَّجُ (20) على الرِّوَايَتَيْن فيما تَثْبُتُ به العادَةُ، وإنْ رَأَت الخمسةَ في ثلاثةِ أشْهُرٍ، ثم اسْتُحِيضَتْ، انْتَقَلَتْ إليها، وجَلَسَتْ (21) مِنْ كُلِّ شهرٍ خمسةً، بِغيرِ خِلافٍ بينهم.
105 - مسألة؛ قال: (ومَنْ كَانتْ لَهَا أَيَّامٌ فَرَأَتِ الطُّهْرَ قَبلَ ذَلِك، فَهِىَ طَاهِرٌ، تَغتَسِلُ وتُصَلِّى، فإنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ، لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْه حَتَّى تجِىءَ أيَّامُهَا)
(17) سقط من الأصل.
(18)
في الأصل: "ويجاوز".
(19)
في م: "مما".
(20)
سقط من الأصل.
(21)
في الأصل: "جلست".
الكَلَامُ في هذه المسْأَلَةِ في فَصْلَيْن: أحَدُهما، في الطُّهْرِ بينَ الدَّمَيْن. والثانِى، في حُكْمِ الدَّمِ العائِدِ بَعْدَه.
أمَّا الأوَّلُ، فإنَّ المَرْأَةَ متى رَأَتِ الطُّهْرَ فهى طَاهِرٌ تَغْتَسِلُ، وتَلْزَمُها الصَّلَاةُ والصِّيَامُ، سَوَاءٌ رَأَتْهُ في العادَةِ، أو بعدَ انْقِضَائِها، ولم يُفَرِّقْ أصْحَابُنا بينَ قليلِ الطُّهْرِ وكثيرِه؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أمَّا ما رَأتِ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغتَسِل. ويَتَوَجَّهُ أنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ متى نَقَصَ عن اليومِ، فليس بِطُهْرٍ، بِنَاءً على الرِّوَايَةِ التي حَكَيْنَاها في النِّفاسِ، أنَّها لا تَلْتَفِتُ إلى طُهْرِ (1) ما دونَ اليومِ. وهو الصَّحِيحُ إنْ شاءَ اللهُ؛ لأنَّ الدَّمَ يَجْرِى مَرَّةً، ويَنْقَطِعُ أُخْرَى، وفى إيجَابِ الغُسْلِ على مَنْ تَطْهُرُ سَاعَةً بعدَ سَاعَةٍ حَرَجٌ يَنْتَفِى بِقَوْلِه سبحانَه (2):{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3). ولأنَّنا لو جَعَلْنا انْقِطاعَ الدَّمِ سَاعَةً طُهْرًا، ولا تَلْتَفِتُ إلى ما بعدَهُ مِن الدَّمِ، أفْضَى إلى أنْ لا يَسْتَقِرَّ لها حَيْضٌ، فعلى هذا لا يكونُ انْقِطَاعُ الدَّمِ أقَلَّ مِن يَومٍ طُهْرًا، إلَّا أنْ تَرَى ما يَدُلُّ عليه، مِثْلَ أنْ يكونَ انْقِطَاعُهُ فِي آخِرِ عَادَتِها، أو تَرَى القَصَّةَ البَيْضَاءَ، وهو شيءٌ يَتْبَعُ الحَيْضَ أَبْيَضُ، يُسَمَّى التَّرِيَّةَ. رُوِىَ ذلك عَنْ إمامِنا، ورُوِىَ عنه أنَّ القَصَّةَ البَيْضَاءَ هي القُطْنَةُ التي تَحْشُوهَا المَرْأَةُ، إذا خَرَجَتْ بَيْضَاء كما دَخَلَتْ لَا تَغيُّر عليها فهى القَصَّةُ البَيْضَاءُ (4). حُكِى ذلك عن الزُّهْرِىِّ. ورُوِىَ عن إمَامِنا أيضًا، وقال أبو حنيفةَ: ليس النَّقَاءُ بينَ الدَّمَيْنِ طُهْرًا، بل لو صَامَتْ فيه فَرْضًا لم يَصِحّ، ولَزِمَها قَضَاؤُهُ، ولا يجبُ عليها فيه صَلَاةٌ، ولا يَأْتِيها زَوْجُها، فيكونُ الدَّمَانِ وما بينهما حَيْضًا. وهو أحَدُ قَوْلَى الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ الدَّمَ يَسِيلُ تَارَةً ويَنْقَطِعُ أُخْرَى، ولِأنَّه لو لم يكنْ مِن الحَيْضِ يُحْتَسَبْ مِنْ مُدَّتِه. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} (5). وَصَفَ الحَيْضَ بِكَوْنِه أَذًى،
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
(3)
سورة الحج، الآية الأخيرة.
(4)
في م زيادة: "بضم القاف" بين علامتى تنصيص، مما يدل على أنها مقحمة.
(5)
سورة البقرة 222.
فإذا ذَهَبَ الأذَى وَجَبَ أنْ يَزُولَ الحَيْضُ. وقال ابنُ عَبَّاسٍ: أمَّا ما رَأَتِ الدَّمَ البَحْرَانِىَّ فإنَّها لا تُصَلِّى، وإذا رَأَتِ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِل. وقالتْ عائشةُ: لَا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ (6). ولأنَّها صَامَتْ وهى طاهِرٌ، فلم يَلْزَمْها القَضَاءُ، كما لو لم يَعُدِ الدَّمُ. فأمَّا قَوْلُهُم: إنَّ الدَّمَ يَجْرِى تَارَةً ويَنْقَطِعُ أُخْرَى. قُلْنا؛ لا عِبْرَةَ بالانْقِطَاعِ اليَسِيرِ، وإنَّما إذا وُجِدَ انْقَطَاعٌ كَبِيرٌ يُمْكِنُ فيه الصَّلَاةُ والصِّيَامُ، وتَتَأَدَّى العِبادَةُ فيه، وَجَبَتْ عليها؛ لِعَدَمِ المَانِعِ مِن وُجُوبِها.
الفَصْلُ الثَّانِى، إذا عاوَدَها الدَّمُ، فلا يَخْلُو إمَّا أنْ يُعاوِدَها في العادَةِ، أو بَعْدَها، فإنْ عاوَدَها في العادَةِ، ففيه رِوَايَتَان: إحْدَاهما، أنَّه مِنْ حَيْضِها؛ لأنَّه صادفَ زَمَنَ العادَةِ، فأَشْبَهَ ما لو لم يَنْقَطِعْ، وهذا مَذْهَبُ الثَّوْرِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ، والشَّافِعِىِّ. والثَّانِيةُ، ليس بِحَيْضٍ، وهو ظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، واخْتِيَارُ ابن أبي موسى، ومذهبُ عَطَاءٍ، لأنَّه عادَ بعدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ، فأشْبَهَ ما لو عادَ بعدَ العادَةِ. وعلى هذه الرَّوايةِ يكونُ حُكْمُه حُكْمَ ما لو عادَ بعدَ العادَةِ على ما سنذكُرُه [فِيما بعد](7)، إنْ شاء اللهُ تعالى. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، رحمه الله: إذا كانتْ أيَّامُها عشرًا، فقعدتْ خمسًا، ثم رَأَتِ الطُّهْرَ، فإنَّها تُصَلِّى، فإذا كانَ اليومُ التَّاسِعُ أو الثَّامِنُ، فرأتِ الدَّمَ، صَلَّتْ وصامتْ، وتَقْضِى الصَّوْمَ. وهذا على سَبِيلِ الاحْتِيَاطِ؛ لِوُجُودِ التَّرَدُّدِ في هذا الدَّم، فأشْبَهَ دَمَ النُّفَسَاءِ العائِدِ في مُدَّةِ النِّفاسِ. فإنْ رَأَتْه في العادَةِ، وتجاوزَ العادة، لم يَخْلُ مِن أنْ يَعْبُرَ أكثرَ الحَيْضِ أو لا يَعْبُرَ، فإنْ عَبَرَ أكثرَ الحَيْضِ، فليس بِحَيْضٍ؛ لأنَّ بَعْضَهُ ليس بِحَيْضٍ، فيكونُ كُلُّه اسْتِحَاضةً؛ لأنَّهُ مُتَّصِلٌ به، فكان أقْرَبَ إليه، فَإِلْحاقُهُ بالاسْتِحَاضَةِ أقْرَبُ مِنْ إلْحاقِه بالحَيْضِ؛ لِانْفِصَالِه عنه، وإنِ انْقَطَعَ لِأكْثَرِهِ فما دُونَ، فَمَنْ قال: إنَّ ما لم يَعْبُر العادَةَ ليس بِحَيْضٍ. فهذا أوْلَى أنْ لا يكونَ حَيْضًا، ومَنْ قال: هو حَيْضٌ. ففى هذا على قَوْلِه ثلاثةُ أوْجُهٍ: أحدُها، أنَّ جميعَه حَيْضٌ، بِنَاءً على الوَجْهِ الذي ذَكَرْنَا في أنَّ الزِّيادةَ (8) على العادَةِ حَيْضٌ، ما لم
(6) تقدم في صفحة 391.
(7)
سقط من الأصل.
(8)
في م: "الزائد".
يَعْبُرْ أكثرَ الحَيْضِ. والثَّانِى، أنَّ مَا وَافَقَ العادَةَ حَيْضٌ؛ لِمُوَافَقَتِه العادَةَ، وما زادَ عليها ليس بحَيْضٍ؛ لِخُرُوجِه عنها. والثَّالِثُ، أنَّ الجميعَ ليس بِحَيْضٍ؛ لاخْتِلَاطِه بما ليس بحَيْضٍ. فإنْ تَكَرَّرَ فهو حَيْضٌ، على الرِّوَايَتَيْن جميعًا. فأمَّا إنْ عادَ بَعْدَ العادَةِ لم يخْلُ مِن حَالَيْنِ: أحدُهما، أنْ لا يُمْكِنَ كَوْنُه حَيْضًا. [والثَّانِى، أنْ يُمْكِنَ ذلك؛ فإنْ لم يُمْكِنْ كَوْنُه حَيْضًا](9)؛ لِعُبُورِهِ أكثرَ الحَيْضِ، وأنَّه ليس بينَه وبينَ الدَّمِ أقَلُّ الطُّهْرِ، فهذا اسْتِحَاضَةٌ كُلُّه، سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أو لم يَتَكَرَّرْ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ جَعْلُ جميعِه حَيْضًا، فكان جميعُه اسْتِحَاضَةً؛ لأنَّ إلْحَاقَ بَعْضِه بِبَعْضٍ أوْلَى مِنْ إلْحَاقِه بغيرِه. والثَّانِى، أنْ يُمْكِنَ جَعْلُه حَيْضًا، وذلك يُتَصَوَّرُ في حَالَيْنِ؛ أحَدُهما، أنْ يكونَ بِضَمِّهِ إلى الدَّمِ الأوَّلِ لا يكونُ بينَ طَرَفَيْهِما أكثرُ مِنْ خمسةَ عشرَ يومًا، فإذا تَكَرَّرَ جَعَلْنَاهُما حَيْضَةً واحدةً، ويُلَفَّقُ أحدُهما إلى الآخَرِ، ويكونُ الطُّهْرُ الذي بينهما طُهْرًا في خِلالِ الحَيْضِ. والصُّورَةُ الثَّانِيَةُ، أنْ يكونَ بينهما أقَلُّ الطُّهْرِ، إمَّا ثلاثةَ عشرَ يومًا، أو خمسةً عشرَ يومًا، ويكونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِن الدَّمَيْنِ يَصْلُحُ أنْ يكونَ حَيْضًا بِمُفْرَدِه بأنْ يكونَ يومًا وليلةً فصاعِدًا، فهذا إذا تَكَرَّرَ كان الدَّمَانِ حَيْضَتَيْنِ، وإنْ نَقصَ أحدُهما عن أقلِّ الحَيْضِ، فهو دَمُ فَسَادٍ، إذا لم يُمْكِنْ ضَمُّهُ إلى ما بعدَه. ومِثَالُ ذلك ما لو كانتْ عادَتُها عشرةً مِنْ أوَّلِ الشَّهْرِ، فرأتْ خمسةً منها دَمًا، وطَهُرَتْ خمسةً، ثم رأتْ خمسةً دَمًا، وتكرَّرَ ذلك. فالخمسةُ الأُولَى والثَّالثةُ (10) حَيْضَةٌ واحدةٌ تُلَفِّقُ الدَّمَ الثَّانِى إلى الأوَّلِ. وإنْ رَأَتِ الثَّانِى سِتَّةً أو سبعةً، لم يُمْكِنْ أنْ يكونَ حَيْضًا؛ لأنَّ بينَ طَرَفَيْها أكثرَ مِنْ خمسةَ عشرَ يومًا، وليس بَيْنَهُما أقَلُّ الطُّهْرِ. وإنْ رَأتْ يومًا دَمًا وثلاثةَ عشرَ طُهْرًا، ثم رأتْ يومًا دَمًا وتَكَرَّرَ هذا، كانا حَيْضَتَيْنِ، وصارَ شَهْرُها أرْبَعَةَ عشرَ يومًا. وكذلك إنْ رأتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وثلاثةَ عشرَ طُهْرًا، [ثم رأتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وثلاثةَ عشرَ طُهْرًا](11)، ثم
(9) سقط من الأصل.
(10)
فى م: "والثانية".
(11)
سقط من: الأصل.