الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
73 - مسألة؛ قال: (وإذَا تَيَمَّمَ صَلَّى الصَّلَاةَ الَّتِى حَضَرَ وَقْتُها، وصَلَّى بِهِ فَوَائِتَ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ، والتَّطَوُّعَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى)
المذهبُ أنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بخُرُوجِ الوَقْتِ ودُخُولِهِ، ولعلَّ الْخِرَقِىَّ إنَّما عَلَّقَ بُطْلَانَه، بدُخُولِ وَقتِ صَلَاةٍ أُخْرَى تَجَوُّزًا منه، إذا كان خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ مُلَازِمًا لِدُخُولِ وَقْتِ الأُخْرَى، إلَّا في مَوْضِعٍ واحِدٍ، وهو وَقْتُ الفَجْرِ، فإنَّهُ يَخْرُجُ مُنْفَكًّا عن دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ، ويَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بكُلِّ واحِدٍ منهما، فلا يَجُوزُ أنْ يُصَلِّىَ به صَلَاتَيْنِ في وَقْتَيْن، رُوِىَ ذلك عن عليٍّ، وابْنِ عمرَ، وابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِىَ اللهُ عَنْهُم، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وقَتَادَة، ويَحْيَى الأنْصَارِيِّ، ورَبِيعةَ، ومَالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، واللَّيْثِ، وإسحاق. ورَوَى المَيْمُونِىُّ (1)، عن أحمد في المُتَيمِّمِ، قال: إنَّه لَيُعْجِبُنِى أنْ يَتَيَمَّمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، ولكنَّ القِيَاسَ أنَّه بِمَنْزِلَةِ الطَّهَارَةِ حتى يَجِدَ الماءَ، أو يُحْدِثَ؛ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الجُنُبِ. يَعْنِى قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يا أبَا ذَرٍّ، الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ المُسْلِمِ، وإنْ لَمْ يَجِدِ الماءَ عَشْرَ سِنِينَ، فإذَا وَجَدْتَ الماءَ فأَمِسَّهُ بَشرَتَكَ (2) ". وهو مذهبُ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، والحسنِ، والزُّهْرِيِّ، والثَّورِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ. ورُوِىَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ، وأبى جعفر؛ لأنَّها طَهَارَةٌ تُبِيحُ الصَّلَاةَ، فلم تَتَقَدَّرْ بالوَقْتِ كطهارةِ الماءِ. ولَنا، ما رَوَى الحارِثُ (3)، عن عليٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وابنُ عمرَ قال: تَيَمَّمْ لِكُلِّ صَلَاةٍ. ولأنَّها طهارةُ ضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بالوَقْتِ؛ كطهارةِ المُسْتَحَاضَةِ، وطهارةُ الماءِ ليستْ لِلضَّرُورَةِ، بخِلَافِ مَسْأَلَتِنا. والحدِيثُ أرَادَ به أنَّه يُشْبِهُ الوُضُوءَ في إباحَةِ الصَّلَاةِ، ويلْزَمُهُ (4) التساوِى فِي جَمِيعِ الأحْكَامِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إذا نَوَى
(1) هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران، وتقدم في صفحة 21.
(2)
تقدم، في صفحة 311.
(3)
أبو زهير الحارث بن عبد اللَّه الأعور الهَمْدانى، كان متهما غاليا في التشيع، واهيا في الحديث، وقال ابن أبي داود: كان الحارث أفقه الناس، وأحسب الناس، وأفرض الناس، تعلم الفرائض من على. توفى سنة خمس وستين. تهذيب التهذيب 2/ 145 - 147.
(4)
في م: "ولا يلزم".
بِتَيَمُّمِهِ مَكْتُوبَةً، فله أنْ يُصَلِّىَ به ما شاءَ مِن الصَّلوَات (5)، فيُصَلِّى الحاضِرَةَ، ويَجْمَعُ بينَ الصَّلَاتَيْن، ويَقْضِى فَوَائِتَ، ويَتَطَوَّعُ قبلَ الصَّلَاةِ وبعدَها. هذا قَوْلُ أبى ثَوْرٍ. وقال مالِك، والشَّافِعِىُّ: لا يُصَلِّى به فرْضَيْنِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه قال: لا يُصَلِّى بالتَّيَمُّمِ إلَّا صَلَاةً وَاحِدةً، ثم يَتَيَمَّمُ للأُخْرَى. وهذا يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مِثْلَ قَوْلِهما؛ لما رُوِىَ عن (6) ابنِ عَبَّاس، أنَّه قال: مِن السُّنَّةِ أنْ لا يُصَلِّىَ بالتَّيَمُّمِ إلَّا صَلَاةً واحدةً، ثم يَتَيَمَّمُّ للأُخْرَى. وهذا مُقْتَضَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولأَنَّها طهارةُ ضَرُورَةٍ فلا يَجْمَعُ بها بينَ فَرِيضَتَيْنِ، كما لو كانا في وَقْتَيْنِ. ولَنا، أنَّها طهارَةٌ صَحِيحَةٌ، أباحَتْ فَرْضًا، فأباحَتْ فَرْضَيْنِ، كطهارةِ الماءِ، ولأنَّه بعدَ الفَرْضِ الأوَّلِ تَيَمُّمٌ صَحِيحٌ مُبيحٌ للتَّطَوُّعِ، نَوَى به المَكْتُوبَةَ، فكان له أنْ يُصَلِّىَ به فَرْضًا، كحالَةِ ابْتِدَائِه، ولأنَّ الطَّهَارَةَ في الأُصُولِ، إنَّما تَتَقَيَّدُ بالوَقْتِ دُونَ الفِعْلِ، كطهارِة الماسِحِ على الخُفِّ، وهذه في النَّوَافِلِ، وطهارةِ المُسْتَحَاضَةِ، ولِأَنَّ (7) كُل تَيَمُّمٍ أبَاحَ صَلَاةً أبَاحَ ما هو مِنْ نَوْعِها، بِدليلِ صَلَواتِ (8) النَّوَافِلِ. وأمَّا حَدِيثُ ابنِ عَبَّاس، فيَرْوِيه الحسنُ بنُ عُمارةَ (9)، وهو ضَعِيفٌ، ثم يَحْتَمِلُ أنَّه أراد [أنْ لا يُصَلِّىَ](10) به صَلَاتَيْنِ في وَقْتَيْن؛ بدَلِيلِ أنَّه يجوزُ أنْ يُصَلِّىَ به صَلَوَاتٍ مِنَ التَّطَوُّعِ، ويَجْمَعَ بينَ صَلَاتَيْنِ؛ فَرْضٍ، ونَفْلٍ، وإنَّما امْتَنَعَ الجَمْعُ بين فَرْضَىْ وَقْتَيْنِ، لِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، بِخُرُوجِ وَقْتِ الأُولَى منها.
إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الْخِرَقِىَّ إنَّما ذكرَ قضاءَ الفَوَائِتِ والتَّطَوُّعَ، ولم يَذْكُرِ الجَمْعَ بَيْنَ صَلاتَيْنِ (11)، وكذا ذَكَرَ الإِمامُ أحمدُ، فيَحْتَمِلُ أنْ لا يجوزَ الجَمْعُ بَيْنَ
(5) في م: "الصلاة".
(6)
سقط من: الأصل.
(7)
سقطت الواو من الأصل.
(8)
سقط من: م.
(9)
الحسن بن عمارة الكوفى الفقيه، مولى بجيلة، قال ابن عيينة: كان له فضل، وغيره أحفظ منه. جرَّحه سفيان وشعبة، توفى سنة ثلاث وخمسين ومائة. ميزان الاعتدال 1/ 513 - 515.
(10)
سقط من: م.
(11)
في م: "الصلاتين".