الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالبَوْلِ مِنْ ذَكَرِه أو مِنْ قُبُلهِ، ولأَنَّهُ أنْزَلَ الماءَ الدَّافِقَ لِشَهْوَةٍ، فَوَجَبَ عليه الغُسْلُ؛ لِقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:"الماءُ مِنَ الماءِ". وبالقِيَاسِ على مَنْ تَثْبُتُ له الذُّكُورِيَّةُ أو الأُنُوثِيَّةُ.
فصل:
فإن كانَ الواطِىءُ أو المَوْطُوءُ صَغِيرًا، فقال أحمدُ: يَجبُ عليهما الغُسْلُ. وقال: إذا أَتَى على الصَّبِيَّةِ تِسْعُ سِنِينَ، ومِثْلُها يُوطَأُ، وَجَبَ عليها الغُسْلُ. وسُئِلَ عنِ الغُلَامِ يُجَامِعُ مِثْلُه ولم يَبْلُغْ، فجَامَعَ المَرْأةَ، يكونُ عَلَيْهِما جَمِيعًا الغُسْلُ؟ قال: نَعَم. قيل له: أنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ؟ قالَ: نَعَم. وقال: تَرَى (12) عائِشَةَ حينَ كان يَطؤُهَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ تَغْتَسِلُ! ويُرْوَى عَنْها: "إذَا الْتَقَى الخِتَانَان وَجَبَ الغُسْلُ". وحَمَل القاضي كَلَامَ أحمدَ على الاسْتِحْبابِ. وهو قَوْلُ أَصْحابِ الرَّأْىِ، وأبِى ثَوْرٍ؛ لأنَّ الصَّغِيرَةَ لا يَتَعَلَّقُ بها المَأْثَمُ، ولا هي مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ، ولا تَجِبُ عليها الصَّلاةُ التي تَجِبُ الطَّهَارَةُ لها، فأشْبَهَتِ الحائِضَ. ولا يَصِحُّ حَمْلُ كَلامِ أحمدَ على الاسْتِحْبابِ؛ لِتَصْرِيحِهِ بالوُجُوبِ، وذَمِّهِ قَوْلَ أصْحَابِ الرَّأْىِ، وقَوْله: هو قَوْلُ سَوْءٍ. واحتج بفِعْلِ عائِشَةَ، ورِوَايَتها للحَدِيثِ العامِّ في الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، ولأَنَّها أجَابَتْ بفِعْلهِا وفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بقَوْلِها: فَعَلْتُه أنَا ورَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاغْتَسَلْنَا. فكَيْفَ تَكُونُ خارِجَةً منه! وليس مَعْنَى وُجُوب الغُسْلِ في الصَّغِيرِ التَّأْثِيمُ بِتَرْكِهِ، بل مَعْنَاهُ أنَّه شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، والطَّوافِ، وإبَاحَةِ قِرَاءَةِ القُرْآنِ، واللُّبْثِ في المَسْجِدِ، وإنَّما يَأْثَمُ البالغُ بتَأْخِيرِه في مَوْضِعٍ يتَأَخَّرُ الواجِبُ بِتَرْكِه، ولِذَلِكَ لَوْ أَخَّرَهُ في غيرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، لم يَأْثَمْ، والصَّبِىُّ لا صَلَاةَ عليه، فلم يَأْثَمْ بالتَّأْخِيرِ، وبَقِىَ في حَقِّهِ شَرْطًا، كما في حَقِّ الكَبِيرِ، وإذا بَلَغ كانَ حُكْمُ الحَدَثِ في حَقِّهِ باقِيًا، كالحَدَثِ الأَصْغَرِ، يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ في حَقِّ الكَبِيرِ والصَّغِيرِ، واللهُ أعْلَمُ.
54 - مسألة؛ قال: (وإذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ)
وجُمْلَتُه أنَّ الكافِرَ إذا أَسْلَمَ، وَجَبَ عليه الغُسْلُ، سَوَاءٌ كان أَصْلِيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا، اغْتَسَلَ قبلَ إسْلَامِهِ أو لم يَغْتَسِلْ، وُجِدَ منه في زَمَنِ كُفْرِهِ ما يُوجِبُ الغُسْلَ أو لم
(12) في م: "تروى".
يُوجَدْ. وهذا مَذْهَبُ مالِكٍ، وأبِى ثَوْرٍ، وابْنِ المُنْذِرِ، وقال أبو بكر: يُسْتَحَبُّ الغُسْلُ، وليس بوَاجِبٍ، إلَّا أنْ يكونَ قد وُجِدَتْ منه جَنَابَةٌ زَمَنَ كُفْرِه، فعليه الغُسْلُ إذا أسْلَمَ، سَوَاءٌ كان قد اغْتَسَلَ في زَمَنِ كُفْرِه أو لم يَغْتَسِلْ. وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ. ولمْ يُوجِبْ عليه أبو حنيفة الغُسْلَ بحالٍ؛ لأنَّ العَدَدَ الكَثِيرَ والجَمَّ الغَفِيرَ أسْلَمُوا، فلو أُمِرَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ بالغُسْلِ، لَنُقِلَ نَقْلًا مُتَواتِرًا أو ظَاهِرًا، ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلى اليَمَن قال:"ادْعُهُمْ إلَى شَهَادَة أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُه، فإنْ هُمْ أطَاعُوكَ لِذَلِك فأعْلِمْهُم أنَّ (1) عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيائِهم فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم (2) ". ولو كان الغُسْلُ واجِبًا لأَمَرَهُم به؛ لأَنَّه أَوَّلُ وَاجِبَاتِ الإِسْلَامِ. ولنا ما رَوَى قَيْسُ بنُ عاصِمٍ، قال: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيدُ الإِسْلامَ، فأَمَرَنِى أنْ أَغْتَسِلَ بماءٍ وسِدْرٍ (3). رَوَاهُ أبو داود، والنَّسَائِىُّ (4) وأمْرُهُ يَقْتَضِى الوُجُوبَ، وما ذَكَرَهُ من قِلَّةِ النَّقْلِ، فلَا يَصِحُّ مِمَّنْ أَوْجَبَ الغُسْلَ على مَنْ أَسْلَمَ بعدَ الجَنابةِ في شِرْكِه، فإنَّ الظَّاهِرَ أنَّ البالِغَ لا يَسْلَمُ منها، ثم إِنَّ الخبَرَ إذا صَحَّ كان حُجَّةً مِنْ غيرِ اعْتِبارِ شَرْطٍ آخَرَ، على أنَّه قد رُوِىَ، أنَّ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ،
(1) كذا ورد في النسخ، وتمام الحديث:"اللَّه قَد افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، فَإنْ هُمْ أَطاعُوا فَأعْلِمْهُمْ أنَّ".
(2)
أخرجه البخاري، في: وجوب الزكاة، وباب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، من كتاب الزكاة، وفى: باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، من كتاب المغازى، وفى: باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد اللَّه تبارك وتعالى، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 2/ 130، 158، 5/ 204، 9/ 140. ومسلم، في: باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإِسلام، من كتاب الإِيمان. صحيح مسلم 1/ 50، 51. وأبو داود، في: باب زكاة السائمة، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 366. والنسائي، في: باب وجوب الزكاة، وباب إخراج الزكاة من بلد إلى بلد، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 3، 41. وابن ماجه، في: باب فرض الزكاة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 568. والدارمى، في: باب في فضل الزكاة، من كتاب الزكاة. سنن الدارمي 1/ 379. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 233.
(3)
السدرة: شجرة النبق. . . وإذا أطلق السدر في الغسل فالمراد الورق المطحون. المصباح المنير.
(4)
أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 86. والنسائي، في: باب ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه غسل الكافر إذا أسلم، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 91. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 3/ 84. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 61.