الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
يُسْتَحَبُّ أن يَزِيدَ في ماءِ الوَجْهِ؛ لأن فيه غُضُونًا وشُعُورًا ودَوَاخِلَ وخَوَارِجَ، لِيَصِلَ الماءُ إلى جَمِيعِه، وقد رَوَى عَلِىٌّ، رضىَ اللهُ عنه، في صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: ثم أَدْخَلَ يَدَيْهِ في الإِنَاءِ جَمِيعًا فأخَذَ بهما حَفْنَةً من ماءٍ فَضَربَ بهما على وَجْهِه، ثم الثانيةَ، ثم الثالثةَ مثل ذلك، ثم أخَذَ بكَفِّه اليُمْنَى قَبْضةً من ماءٍ فتَرَكَها تَسْتَنُّ علَى وَجْهِه. رَوَاهُ أبُو داود (30). وقولُه:"تَسْتَنُّ" يَعْنِى (31): تَسِيلُ وتَنْصَبُّ. قال أحْمَد، رحمه الله: يُؤْخَذُ لِلْوَجْهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُؤْخَذُ لِعُضْوٍ مِنَ الأعْضاءِ. وقال مُحمَّد بنُ الحَكَم (32): كَرِه أبو عبدِ اللَّه أن يَأْخُذَ الماءَ، ثم يَصُبَّه، ثم يَغْسِلَ وَجْهَهُ، وقال: هذا مَسْحٌ، ولكِنَّه يَغْسِلُ غَسْلًا. ورَوَى أبُو دَاوُد، عن أنسٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا تَوَضَّأ أخَذَ كَفًّا من ماءٍ فأدْخَلَه تَحْتَ حَنَكِهِ، وقال:"هَكَذا أَمَرَنِى رَبِّى عز وجل (33) ".
26 - مسألة؛ قال: (والْفَمُ والأَنْفُ مِنَ الوَجْهِ)
.
يَعْنِى أنَّ المَضْمَضَةَ والاسْتِنْشاقَ واجِبَانِ في الطَّهَارَتَيْنِ جَمِيعًا: الغُسْلُ، والوُضُوءُ؛ فإنَّ غَسْلَ الوَجْهِ واجِبٌ فيهما. هذا المَشْهورُ في المَذْهَبِ، وبه قال ابنُ المُبَارك، وابنُ أبِى لَيْلَى، وإسحاق، وحُكِىَ عن عَطَاء. ورُوِىَ عن أحْمَد رِوَايةٌ أُخْرَى [أنَّ الاسْتِنْشاقِ وَحْدَه واجِبٌ] (1). قال القاضي: الاسْتِنْشاقُ واجبٌ في الطَّهَارَتَيْنِ، رِوَايةً واحدةً، وبه قال أبو عُبَيْد وأبو ثَوْر، وابنُ المُنْذِر؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ (2) ". وفي رواية قال (3): "إذا تَوَضَّأَ أحَدُكُم
(30) في: باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 26.
(31)
في م: "أي".
(32)
أبو بكر محمد بن الحكم الأحول، كان قد سمع من الإمام أحمد، ومات قبل موته بثمان عشرة سنة، وكان أبو عبد اللَّه يبوح بالشيء إليه من الفتيا، لا يبوح به لكل أحد. توفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين. طبقات الحنابلة 1/ 295، 296.
(33)
تقدم في المسألة رقم 19، صفحة 148.
(1)
في م: "في الاستنشاق وحده أنه واجب".
(2)
أخرجه البخاري، في: باب الاستنثار في الوضوء، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري 1/ 52. ومسلم، في: باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 212. والنسائي، في: باب الأمر بالاستنثار، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 57. وابن ماجه، في: باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 143. والإِمام مالك، في: باب العمل في الوضوء، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 19. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 518.
(3)
سقط من: م.
فَلْيَجْعَلْ في أَنْفِه ماءً لِيَسْتَنْثِرَ". مُتَّفَقٌ عليه (4). ولِمُسْلِم: "مَنْ تَوَضَّأ فَلْيَسْتَنْشِق (5)". وعن ابنِ عَبَّاس، [قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ] (6) "اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أو ثَلَاثًا" (7). وهذا أمرٌ يَقْتَضِى الوُجُوب، ولأنَّ الأَنْفَ لا يَزالُ مَفْتُوحًا، وليس عليه (8) غِطاءٌ يَسْتُرُه، بخِلَافِ الفَمِ. وقال غيرُ القاضِى، عن أحمدَ رِوَاية أُخْرَى: إنَّ المَضْمَضَة والاسْتِنْشاقَ واجِبانِ في الكُبْرَى، مَسْنُونانِ في الصُّغْرَى. وهذا مَذْهَبُ الثَّوْرِىِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ الكُبْرَى يَجِبُ فيها غَسْلُ كُلِّ ما أمْكَنَ من البَدَنِ كبَواطِنِ الشُّعُورِ الكَثِيفةِ، ولا يمْسَحُ فيها عن الحَوائِلِ، فوَجَبَا فيها، بِخلَافِ الصُغْرَى. وقال مالك والشافِعِىُّ: لا يَجبانِ في الطَّهارَتَيْنِ، وإنما هما مَسْنُونانِ فيهما. ورُوِىَ ذلك عن الحَسَنِ، والحَكَمِ (9)، وحَمَّاد (10)، وقَتَادة، ورَبِيعَة، ويَحْيَى الأَنْصَارِىّ، واللَّيْث، والأَوْزَاعِىّ. لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: "عَشْرٌ
(4) أخرجه البخاري، في: باب الاستجمار وترا، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري 1/ 52. ومسلم، في: باب الإِيتار في الاستنثار والاستجمار، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 212. وأبو داود، في: باب في الاستنثار، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 31. والنسائي، في: باب اتخاذ الاستنشاق، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 57. والإِمام مالك، في: باب العمل في الوضوء، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 19. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 242، 278.
والذي ورد: "ثم لْيَنْثِرْ" و"ثم لْيَنْتَثِرْ" و: "ثم لْيَسْتَنْثِرْ".
(5)
أخرجه مسلم، في: باب الإِيتار في الاستنثار والاستجمار. صحيح مسلم 1/ 212.
(6)
مكان هذا في م: "مرفوعا".
(7)
أخرجه أبو داود، في: باب في الاستنثار، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 31. وابن ماجه، في: باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 143. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 228، 315، 352.
(8)
في م: "له".
(9)
هو أبو مطيع البلخى، وتقدم في صفحة 92.
(10)
سقط من: الأصل.
من الفِطْرَةِ (11)"، وذَكَرَ منها المَضْمَضة والاسْتِنْشَاق، والفِطْرَةُ: السُّنَّةُ، وذِكْرُه لهما مِن الفِطْرَةِ يدُلُّ على مُخَالَفتِهما لسائِرِ الوُضُوءِ، ولأنَّ الفَمَ والأَنْفَ عُضْوانِ باطِنانِ، فلا يَجِبُ غَسْلُهما كباطِنِ اللِّحْيةِ وداخِلِ العَيْنَيْنِ، ولأنَّ الوَجْهَ ما تَحْصُلُ به المُواجَهةُ، ولا تَحْصُلُ المُواجهةُ بهما. ولنا ما رَوَتْ عائِشةُ، رضىَ اللهُ عنها، أنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "المَضْمَضةُ والاسْتِنْشاقُ مِنَ الوُضُوءِ الَّذِى لا بُدَّ مِنْهُ". رواه أبو بكر (12) في "الشَّافِى" بإِسْنادِهِ عن ابنِ المُبَارَكِ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عُرْوَة، عن عائشة، وأخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِى في "سُنَنِهِ (13) ". ولأنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْصِيًا، ذَكَرَ أنه تَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ، ومُدَاوَمَتُه عليهما تَدَلُّ عَلَى وُجُوبِهِما، لأنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أن يكونَ بَيَانًا وتَفْصِيلًا للوُضُوءِ المَأْمُور به في كِتابِ اللهِ [تعالى؛ لأنَّهما عُضْوان مِن الوَجْهِ، ولا يشُقُّ غَسْلُهما؛ لقولِه تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}، وكالخَدِّ. مِن الدَّليلِ علَى أنَّهما في حُكْمِ الطَّاهِرِ أنَّ الصائمَ لا يُفْطِرُ بوَضْع الطعامِ فيهما ويفطرُ بوُصولِ القىْءِ إليهما، ولا تُنْشَزُ (14) حُرْمةُ الرَّضاعِ بوُصولِ اللَّبَنِ إليهما، ولا يجبُ الحَدُّ بتَرْكِ الخَمْرِ فيهما، ويجبُ غَسْلُهما مِن النَّجاسةِ](15)، وكَوْنُهما من الفِطْرَةِ لا يَنْفِى وُجُوبَهُما، لاشْتِمالِ الفِطْرةِ على الواجِبِ والمَنْدُوبِ، ولذلك ذَكَرَ فيها الخِتانَ، وهو واجِبٌ، [وعَطْفُهما على ما ليسَ بواجبٍ، أو اقْترانُهما به، لا يَمْنَعُ الوُجوبَ، بدليلِ الخِتانِ، وقولهِ تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}. والكتابةُ غيرُ واجبةٍ، والإِيتاءُ واجِبٌ](16).
(11) تقدم في المسألة 13، صفحة 114.
(12)
أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلى، المعروف بغلام الخلال، كان أحد أهل الفهم، موثوقا به في العلم، متسع الرواية، توفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. طبقات الحنابلة 2/ 119 - 127.
وكتابه "الشافى" في الحديث. انظر: كشف الظنون 1022.
(13)
في: باب ما روى في الحث على المضمضة والاستنشاق والبداءة بهما أول الوضوء، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 84.
(14)
أنشزه: رفعه، وركب بعضه على بعض، أي لا تثبت الحرمة.
(15)
سقط من: م.
(16)
سقط من: م. والآية هي الثالثة والثلاثون من سورة النور.