الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابنَ المُسَيَّبِ، ورَجُلًا مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ يسألهُ عَمَّا يَكْفِى الإِنْسَانَ مِن غُسْلِ الجَنَابَةِ؟ فقال سعيد: إنَّ لي تَوْرًا يَسَعُ مُدَّيْن مِنْ ماءٍ ونحوَ ذلك، فأَغْتَسِلُ به، ويَكْفِينِي، ويَفْضُلُ منه فَضْلٌ. فقال الرَّجُلُ: فَوَاللهِ إنِّي لأَسْتَنْثِرُ وأتَمَضْمَضُ بمُدَّيْنِ مِنْ ماءٍ [ونحو ذلك](7). فقال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: فبِمَ تَأْمُرُنِي إنْ كان الشَّيْطانُ يَلْعَبُ بِكَ؟ فقال له الرَّجُلُ: فإنْ لم يَكْفِنِي، فإنِّي رَجُلٌ كما تَرَى عَظِيمٌ. فقال له سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: ثَلَاثَةُ أمْدَادٍ. فقال: ثَلَاثَةُ أمْدَادٍ قَلِيلٌ. فقال له سعيد: فَصَاعٌ. وقال سعيدٌ: إنَّ لِي رَكْوَةً (8) أو قَدَحًا ما يَسَعُ إلَّا نِصْفَ المُدِّ ماءً أو نَحْوَهُ، ثُمَّ أَبُولُ ثم أَتَوَضَّأُ وأُفْضِلُ منه فَضْلًا. قال عبدُ الرحمن: فذكرْتُ هذا الحَدِيثَ الذي سَمِعْتُ مِنْ سعيد بنِ المُسَيَّبِ لسليمانَ بنِ يَسَارٍ (9)، فقال سُليمانُ: وأنا يَكْفِينِي مِثْلُ ذلك. قال عبد الرحمن: فذَكَرْتُ ذلك لأبي عُبَيْدَة ابنِ عَمَّارِ بنِ ياسِرٍ (10)، فقالَ أبو عُبَيْدة: وهكذا سَمِعْنَا مِنْ أَصْحَابِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقال إبراهيمُ النَّخَعِيُّ: إنِّي لأَتَوَضَّأُ مِنْ كُوزِ الحبِّ مَرَّتَيْنِ.
فصل:
وإن زادَ على المُدِّ في الوضوءِ، والصَّاعِ في الغُسْلِ، جَازَ؛ فإنَّ عائِشَة قالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أنَا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ: الفَرَقُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ (11). والفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وعَنْ أَنَسٍ، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ
= التهذيب 6/ 230، 231.
(7)
سقط من: الأصل.
(8)
الركوة: دلو صغير.
(9)
أبو أيوب سليمان بن يسار الهلالي المدني، مولى ميمونة، ويقال كان مكاتبا لأم سلمة، كان من علماء الناس بعد ابن المسيب ومن فقهاء المدينة، مات سنة سبع ومائة. تهذيب التهذيب 4/ 228 - 230.
(10)
أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر العنسي، أخو سلمة بن محمد، وقيل: هما واحد. وثقه ابن معين. تهذيب التهذيب 12/ 160، 161.
(11)
في: باب غسل الرجل مع امرأته، من كتاب الغسل. صحيح البخاري 1/ 72. كما أخرجه مسلم، في: باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة إلخ، من كتاب الحيض، صحيح مسلم 1/ 255. وأبو داود، في: باب مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 55. والنسائي، في: باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل، وباب ذكر الدلالة على أنه لا وقت في ذلك، من كتاب الطهارة، وفى: باب الدليل على أنه لا توقيت في الماء الذي يغتسل فيه، من كتاب الغسل. المجتبى 1/ 105، 106، =
بالصَّاعِ إلى خَمْسَة أمْدَادٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ أيضًا (12)
ويُكْرَهُ الإِسْرَافُ في الماءِ، والزِّيَادَةُ الكَثِيرةُ فيه؛ لِما رَوَيْنَا مِن الآثارِ. ورَوَى عبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بسَعْدٍ، وهو يَتَوَضَّأُ، فقالَ:"ما هَذَا السَّرَفُ؟ ". فقالَ: أفِى الوُضُوءِ إسْرَافٌ؟ فقال: "نَعَمْ، وإنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ" رَوَاهُ ابنُ مَاجَه (13). وعَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا، يُقَالُ لَهُ: وَلْهَان، فاتَّقُوا وَسْوَاسَ الماءِ"(14). وكان يُقَالُ: مِنْ قِلَّةِ فِقْهِ الرَّجُلِ وَلُوعُه بالماءِ.
62 -
مسألة؛ قال: (وتَنْقُضُ المَرْأَةُ شَعْرَها لِغُسْلِهَا مِنَ الحَيْضِ، ولَيْسَ عَلَيْها نَقْضُه لِلْجَنَابةِ (1) إذَا أَرْوَتْ أُصُولَه)
نَصَّ على هذا أحمدُ. قال مُهَنَّا: سألتُ أحمدَ عن المرأةِ تَنْقُضُ شَعَرَهَا إذا اغْتَسَلَتْ مِنَ الجَنَابَةِ؟ فقال: لا. فقلتُ له: في هذا شيءٌ؟ قال: نعم، حديثُ أُمِّ سَلَمَةَ (2). قُلْتُ: فَتَنْقُضُ شَعَرَهَا مِنَ الحَيْضِ؟ قال: نعم. قلتُ له: وكيف تَنْقُضُهُ مِنَ الحَيْضَةِ، ولا تَنْقُضُهُ مِن الجَنَابَةِ؟ فقال: حديثُ أسْمَاءَ (3) عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لا تَنْقُضُهُ. ولا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ في أنَّه لا يجبُ نَقْضُه مِن الجنابةِ، ولا أعلمُ فيه خِلَافًا بين العلماءِ، إلا ما رُوِيَ عَن عبدِ اللَّه بنِ عُمَرَ، رَوَى أحمدُ، في "المُسْنَدِ"(4)،
= 165. والدارمي، باب الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 192. والإِمام مالك، في: باب العمل في غسل الجنابة، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 45. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 37، 199.
(12)
تقدم في صفحة 294.
(13)
في: باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهة التعدي فيه، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 147. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 2/ 221.
(14)
أخرجه الترمذي، في: باب كراهية الإسراف في الماء، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 76. وابن ماجه، في الباب السابق، صفحة 146. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 136.
(1)
في م: "من الجنابة".
(2)
تقدم في صفحة 290.
(3)
يأتي حديث أسماء في صفحة 300.
(4)
المسند 6/ 43.
حدثنا إسماعيل، حدثنا أيُّوب، عن أبِي الزُّبَيْرِ، عن عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرِ، قال: بَلَغَ عائِشَةَ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، يأْمُرُ النِّسَاءَ إذا اغْتَسَلْنَ أن يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، فقالتْ: يا عجبًا (5) لابْنِ عُمَر، يأْمُرُ النِّسَاءَ إذا اغْتَسَلْنَ أنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ، أفلا يَأْمُرُهُنَّ أنْ يَحْلِقْنَ (6)، لقد كُنْتُ أنا ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَغْتَسِلُ فلا أَزِيدُ على أن أُفْرِغَ على رَأْسِي ثَلاثَ إفْرَاغاتٍ (7). واتَّفَقَ الأئِمَّةُ الأربعةُ على أنَّ نَقْضَهُ غيرُ واجِبٍ؛ وذلك لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمة، أنَّها قالَتْ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي امْرَأةٌ أشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أفَأَنْقُضُهُ للجنابةِ؟ قال:"لَا، إنَّمَا يَكْفِيكِ أنْ تَحْثِى عَلَى رَأْسِك ثَلاثَ حَثَياتٍ، ثم تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الماءَ فَتَطْهُرِينَ". رواهُ مُسْلِمٌ (8)، إلَّا أنْ يكونَ في رَأْسِها حَشْوٌ أو سِدْرٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الماءِ إلى ما تحتَه، فيجبُ إزَالَتُه، وإنْ كان خَفِيفًا لا يَمْنَعُ، لم يَجِبْ، والرجلُ والمرأةُ في هذا سَوَاءٌ، وإنما خُصَّتِ (9) المرأةُ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ العادةَ اخْتِصَاصُها بكثرةِ الشَّعْرِ وتَوْفِيرِه وتَطْوِيلِه. وأمَّا نَقْضُهُ لِلْغُسْلِ مِن الحَيْضِ فاخْتَلَف أصْحَابُنا في وُجُوبِه، فمنهم مَنْ أَوْجَبَهُ، وهو قولُ الحسنِ، وطاوُس؛ لما رُوِيَ عن عائشةَ، رضي الله عنها، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لها إذْ كانتْ حائِضًا:"خُذِى مَاءَكِ وسِدْرَكِ، وامْتَشِطِى (10) ". ولا يكونُ المَشْطُ إلَّا في شَعَرٍ غيرِ مَضْفُورٍ، وللبُخَارِيِّ (11): "انْقُضِى
(5) في الأصل: "أيا عجبا".
(6)
في م زيادة: "رءوسهن". وليست في المسند.
(7)
كما أخرجه مسلم، في: باب حكم ضفائر المغتسلة، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 260. وابن ماجه، في: باب ما جاء في غسل النساء من الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 198.
(8)
وتقدم في صفحة 290.
(9)
في م: "اختصت".
(10)
أخرجه الدرامي، في: باب في غسل المستحاضة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 197، بلفظ:"خذي ماءك وسدرك ثم اغتسلي وانقى، ثم صبي على رأسك حتى تبلغي شئون الرأس".
(11)
أخرجه البخاري، في: باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض، وباب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض، وباب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة، من كتاب الحيض، وفي: باب كيف تهل الحائض والنفساء إلخ، من كتاب الحج، وفى: باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها، وباب الاعتمار بعد الحج بدون هدى، من كتاب العمرة، وفي: باب حجة الوداع، من كتاب المغازي. صحيح البخاري 1/ 86، 87، 2/ 172، 3/ 4، 5، 5/ 221. كما أخرجه مسلم، في: باب بيان وجوه الإحرام إلخ، من كتاب الحج. صحيح مسلم =
رَأْسَكِ وامْتَشِطِى". ولابْنِ مَاجَه (12): "انْقُضِى شَعْرَكِ واغْتَسِلِى". ولأنَّ الأصلَ وجوبُ نَقْضِ الشَّعَرِ ليتحقَّقَ وصولُ الماءِ إلى ما يجبُ غَسْلُه، فعُفِىَ عنه في غُسْلِ الجنابةِ؛ لأنَّه يكثر فيشُقُّ ذلك فيه، والحيضُ بخلافِه، فَبَقِىَ على مُقْتَضَى الأصلِ في الوجوبِ. وقال بعضُ أصحابِنا: هذا مُسْتَحَبٌّ غيرُ واجبٍ. وهو قولُ أكثرِ الفقهاءِ، وهو الصحيحُ، إن شاء اللهُ؛ لأنَّ في بعضِ ألفاظِ حديثِ أُمِّ سَلَمَة، أنَّها قالتْ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي امْرَأَةٌ أشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ ولِلْجنابةِ؟ فقال: "لَا، إنَّما يَكْفِيكِ أن تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلاثَ حَثَياتٍ، ثم تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الماءَ، فَتَطْهُرِينَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (13). وهذه زيادةٌ يجبُ قَبُولُهَا، وهذا صريحٌ في نَفْيِ الوُجُوبِ، ورَوَتْ أَسْماءُ، أنَّها سألت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عن غُسْلِ المَحِيضِ، فقال: "تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ ماءَهَا وسِدْرَتَهَا (14) فَتَطَهَّرُ فتُحْسِن الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِها، فَتَدْلُكُه دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِها، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ". رواهُ مُسْلِمٌ (15). ولو كان النَّقْضُ واجبًا لذَكره؛ لأنَّهُ لا يجوزُ تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ، ولأنَّهُ مَوْضِعٌ مِن البَدَنِ، فاسْتَوَى فيه الحَيْضُ والجَنَابَةُ، كسائرِ البدنِ،
= 2/ 870 - 872. وأبو داود، في: باب في إفراد الحج. سنن أبي داود 1/ 412. والنسائي، في: باب ذكر الأمر بنقض ضفر الرأس عند الاغتسال للإِحرام، من كتاب الطهارة. وفي: باب في المهلة بالعمرة تحيض وتخاف فوت الحج، من كتاب الحج. المجتبى 1/ 109، 5/ 129. وابن ماجه، في: باب العمرة من التنعيم، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 998. والإِمام مالك، في: باب دخول الحائض مكة، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 410، 411، والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 164، 177، 191، 246. وهو طرف من الحديث الآتي:"دعى عمرتك. . .".
(12)
أخرجه ابن ماجه، في: باب في الحائض كيف تغتسل، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 210.
(13)
في: باب حكم ضفائر المغتسلة، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 260. وتقدم تخريجه باللفظ الأول، في صفحة 290.
(14)
في م: "وسدرها".
(15)
في: باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 261. كما أخرجه أبو داود، في: باب الاغتسال من الحيض، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 75. وابن ماجه، في: باب في الحائض كيف تغتسل، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 210. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 147، 148. وشؤون الرأس: موصل قبائلها.