الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأنَّها طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ، فلم تَصِحَّ بغير نِيَّةٍ [كالتَّيَمُّمِ، أو عبادةٌ، فافْتَقَرتْ إلى النِّيَّةِ كالصلاةِ](7)، والآيةُ حُجَّةٌ لنا، فإنَّ قَوْلَه:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} . أي: للصَّلاةِ، كما يُقالُ: إذَا لَقِيتَ الأَمِيرَ فَتَرَجَّلْ. أي: له. وإذا رَأَيْتَ الأَسَدَ فاحْذَرْ. أي: منه. وقَوْلُهم: ذَكَر كُلَّ الشَّرَائِطِ. قُلْنا: إنَّمَا ذَكَرَ أَرْكَانَ الوُضُوءِ، وبَيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شَرْطَه كآيةِ التَّيَمُّمِ. وقَوْلُهم: مُقْتَضَى الأَمْرِ حُصُولُ الإِجْزَاءِ. قُلْنَا: بَلْ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الفِعْلِ، وهو واجِبٌ، فاشْتُرِطَ لِصِحَّتِه شَرْطٌ آخرُ، بدَلِيلِ التَّيَمُّمِ. وقَوْلُهم: إنَّها طَهَارَةٌ. قُلْنَا: إلا أنها عِبادَةٌ، والعِبَادَةُ لا تَكُونُ إلَّا مَنْوِيَّةً، لأنَّها قُرْبَةٌ إلَى اللَّه تَعالَى، وطَاعَةٌ لَهُ، [وامْتِثَالٌ لأَمْرِه، ولا يَحْصُلُ](8) ذلك بغَيْرِ نِيَّةٍ.
فصل:
ومَحَلُّ النِّيَّةِ القَلْبُ؛ إذْ هِىَ عِبَارَةٌ عَنِ القَصْدِ، ومَحَلُّ القَصْدِ القَلْبُ، فَمَتَى اعْتَقَدَ بقَلْبِه أجْزَأَهُ، وإنْ لَمْ يَلْفِظْ بلِسَانِهِ [وإنْ لَفَظَ بلِسانهِ ولم](9) تَخْطُرِ النِّيَّةُ بقَلْبِه لم يُجْزِه. ولو سَبَقَ لِسانُه إلَى غيرِ ما اعْتَقَدَهُ لَمْ يَمْنَعْ ذلك صِحَّةَ ما اعْتَقدَهُ (10) بقَلْبِه.
فصل: وصِفَتُها أن يَقْصِدَ بِطَهَارته اسْتِباحَةَ شيءٍ لا يُسْتَباحُ إلَّا بها، كالصَّلاةِ
= في ترك الحيل. صحيح البخاري 1/ 2، 3/ 191، 5/ 72، 7/ 4، 58، 8/ 175، 9/ 25، 29. ومسلم، في: باب قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1515، 1516. وأبو داود، في: باب فيما عنى به الطلاق والنيات، من كتاب الطلاق، سنن أبي داود 1/ 510. والنسائي، في: باب النية في الوضوء، من كتاب الطهارة، وفى: باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه، من كتاب الطلاق، وفى: باب النية في اليمين، من كتاب الأيمان. المجتبى 1/ 51، 6/ 129، 7/ 12، 13. وابن ماجه، في: باب النية، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه 2/ 1413. والترمذي، في: باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا، من كتاب فضائل الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 151، 152. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 25، 43.
(7)
سقط من: م.
(8)
في الأصل: "وامتثال أمره لا يحصل".
(9)
في م: "وإن لم".
(10)
في الأصل: "قصده".
والطَّوَافِ ومَسِّ المُصْحَفِ، أو ينَوِىَ (11) رَفْعَ الحَدَثِ، ومعناه إزالةُ المانِع مِن (12) كلِّ فِعْلٍ يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهارةِ. وهذا قَوْلُ مَنْ وَافَقَنا في (13) اشْتِراطِ النِّيَّة، لا نَعْلَمُ بينهم فيه خِلافًا (14). فإنْ نَوَى بالطَّهارَةِ ما لا تُشْرَعُ له الطَّهَارَةُ؛ كالتَّبَرُّدِ والأَكْلِ والبَيْعِ والنِّكَاحِ ونَحْوِه، ولَمْ يَنْوِ الطَّهَارةَ الشَّرْعِيَّة، لم يَرْتَفِعْ حَدَثُه؛ لأنه لم يَنْوِ الطَّهارةَ، ولا ما يَتَضَمَّنُ نِيَّتَها، فلم يَحْصُلْ له شيءٌ (15)، كالذى لم يَقْصِد شَيْئًا. وإن نَوَى تَجْدِيدَ الطَّهارةِ، فَتَبَيَّنَ أنه كان مُحْدِثًا، فَهَلْ تَصِحُّ طَهارَتُه؟ عَلَى رِوَايَتَيْن: إحْدَاهُمَا تَصِحُّ؛ لأنَّه نَوَى طَهَارةً شَرْعِيَّةً، فيَنْبَغِى أن يَحْصُلَ له ما نَوَاهُ، وللخَبَرِ (16)، وقِياسًا عَلَى ما لَوْ نَوَى رَفْعَ الحَدَثِ. والثانية لا تَصِحُّ طَهَارَتُه؛ لأنَّه لم يَنْوِ رَفْعَ الحَدَث ولا ما تَضَمَّنَهُ، أَشْبَهَ ما لو (17) نَوَى التَّبَرُّدَ. وإن نَوَى ما تُشْرَعُ له الطَّهارةُ ولا تُشْتَرَطُ، كَقِراءةِ القُرْآنِ والأذَانِ والنَّوْمِ، فَهلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُه؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَصْلُهُما، إذا نَوَى تَجْدِيدَ الوُضُوءِ وهو مُحْدِثٌ والأَوْلَى صِحَّةُ طَهَارَتهِ؛ لأنَّه نَوَى شَيْئًا من ضَرُورتِهِ (18) صِحَّةُ الطَّهَارةِ، وهو الفَضِيلَةُ الحاصِلَةُ لِمَنْ فَعَل ذلك وهو عَلَى طَهَارةٍ، فَصَحَّتْ طَهارَتُه، كما لَوْ نَوَى بها ما لَا يُبَاحُ إلَّا بها، ولأنَّه نَوَى طَهارةً شَرْعِيَّةً، فصَحَّتْ للخَبَرِ.
فإنْ قِيلَ: يَبْطُلُ هذا بمَا لَوْ نَوَى بطَهَارَتِه ما لا تُشْرَعُ له الطَّهارةُ. قُلْنَا: إنْ نَوَى طَهارةً شَرْعِيَّةً، مِثْل إنْ قَصَدَ أنْ يَأْكُلَ وهو مُتَطَهِّرٌ [طَهَارةً شَرْعِيَّةً](19)، أو قَصَدَ أن لا يَزَالَ عَلَى وُضُوء، فهو كَمَسْألَتِنَا، وتَصِحُّ طَهَارَتُه. وإن قَصَد بذلك نَظافةَ
(11) في م: "وينوى".
(12)
في م: "بين".
(13)
في م: "على".
(14)
في م: "اختلافا".
(15)
سقط من: الأصل.
(16)
سقطت الواو من: م.
(17)
في م: "لم".
(18)
في م: "ضرورة".
(19)
سقط من: الأصل.