الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعنه: يُكْرَهُ لقولِ العباس: لا أُحِلُّها لمُغْتَسِلٍ، لكن لِمُحْرِمٍ (31) حِلٌّ وبِلٌّ (32). ولأنه يُزِيلُ به مانِعًا مِن الصلاة، أشْبَهَ إزالةَ النَّجاسةِ به.
والأوَّلُ أوْلَى، وقولُ العبَّاس لا يُؤخَذُ بصَرِيحهِ في التَّحْريم، ففى غيرِه أوْلَى، وشَرَفُه لا يوُجِب الكراهةَ لاستعماله (33)، كالماءِ الذي وضَع فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم كَفَّه، أو اغْتَسلَ منه.
فصل:
الذَّائِبُ من الثَّلْج والبَرَدِ طَهُورٌ؛ لأنه ماء (34) نزَل من السماء، وفى دُعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ طَهِّرْنِى بالْمَاءِ والثَّلْجِ والْبَرَدِ". مُتَّفَقٌ عليه (35).
فإن أخذ الثَّلْجَ فأمَرَّه علَى أعضائهِ لم تحصُل الطهارةُ، لأنَّ الواجبَ الغَسْلُ، وأقلُّ ذلك أن يَجْرِىَ الماءُ علَى العُضْو، إلَّا أن يكونَ خَفِيفًا فيذوبَ ويَجْرِىَ ماؤُه علَى الأعضاء، فيحصُل به الغَسْلُ، فيُجْزِئُه.
(31) في م: "للمحرم".
(32)
البل: المباح. وانظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 154.
(33)
في الأصل: "من استعماله".
(34)
سقط من: الأصل.
(35)
أخرجه البخاري، في: باب ما يقول بعد التكبير، من كتاب الأذان، وباب التعوذ من المأثم والمغرم، وباب الاستعاذة من أرذل العمر، وباب التعوذ من فتنة الفقر، من كتاب الدعوات. صحيح البخاري 1/ 189، 8/ 98، 100. ومسلم، في: باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، من كتاب الصلاة، وباب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، من كتاب المساجد ومواضع الصلاة، وباب التعوذ من شر الفتن وغيرها، من كتاب الذكر. صحيح مسلم 1/ 346، 347، 419، 4/ 2078، 2079. وأبو داود، في: باب السكتة عند الافتتاح، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 180. والترمذي، في: باب من أبواب الدعاء. عارضة الأحوذى 13/ 29، والنسائي، في: باب الوضوء بماء الثلج والبرد، من كتاب الطهارة، ومن كتاب المياه، وباب الاغنسال بالثلج والبرد، وباب الاغتسال بالماء البارد، من كتاب الغسل والتيمم، وباب الدعاء بين التكبيرة والقراءة، من كتاب الافتتاح، وباب الاستعاذة من شر فتنة القبر، وباب الاستعاذة من شر فتنة الغنى، من كتاب الاستعاذة. المجتبى 1/ 45، 46، 143، 144، 163، 2/ 100، 8/ 230، 234. وابن ماجه، في: باب افتتاح الصلاة، من كتاب إقامة الصلاة، وباب ما تعوذ منه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، من كتاب الدعاء. سنن ابن ماجه 1/ 265، 2/ 1262. والدارمى، في: باب في السكتتين، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 283. والإمام أحمد، في المسند 2/ 231، 494، 4/ 354، 381، 6/ 57، 207.
3 -
مسألة: قال: (ولَا يُتَوَضَّأُ بِماءٍ قَدْ تُوُضِّىءَ (1) بِهِ).
يعني: الماءَ المُنْفَصِلَ عن أعضاءِ المُتَوضِّىء، والمُغْتَسِلُ في مَعْناه، وظاهرُ المذهبِ أنَّ المُسْتعمَلَ في رَفْعِ الحدثِ طاهرٌ غيرُ مُطَهِّرٍ، لا يَرْفَعُ حَدَثًا، ولا يُزِيلُ نجسًا، وبه قال اللَّيْثُ (2) والأوْزَاعِىُّ، وهو المشهورُ عن أبي حنيفة، وإحْدَى الرِّوايتَيْن عن مالك، وظاهِرُ مذهب الشافعيِّ.
وعن أحمدَ روايةٌ أُخْرَى، أنه طاهِرٌ مُطَهِّرٌ. وبه قال الحسنُ، وعَطاء (3)، والنَّخَعِيُّ، والزُّهْرِىُّ، ومَكْحُول (4)، وأهلُ الظَّاهِر، والرِّوايةُ الثانية لمالك، والقولُ الثاني للشافعيِّ.
ورُوِىَ عن علَيٍّ، وابنِ عمر، وأبى أُمَامةَ فيمَن نَسِىَ مَسْحَ رأْسِه، إذا وجدَ بَللًا في لِحْيَتِه، أجْزَأَهُ أن يمسحَ رأسَه بذلك البَلَلِ. ووَجْهُ ذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ (5) "، وقال:"الْمَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ"، ورُوِىَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اغْتَسلَ مِن الْجَنابةِ، فرأَى لُمْعَةً لم يُصِبْها الماءُ، فعصَر شَعَرَه عليها. رَواهما الإِمَامُ أحمد، في "المسند (6) "، وابنُ ماجَه (7)، وغيرُهما، ولأنه غُسِلَ به مَحَلٌّ طاهِر، فلم تَزَلْ به طُهُورِيَّتُه، كما لو غُسِلَ به الثوبُ، ولأنه لَاقَى مَحَلًّا طاهِرًا، فلا يخرُج عن
(1) في م: "وضى".
(2)
أبو الحارث الليث بن سعد الفهمى، شيخ الديار المصرية وعالمها، الإمام الثقة الحجة، المتوفى سنة خمس وسبعين ومائة. وفيات الأعيان 4/ 127، 128، العبر 1/ 266، 267.
(3)
أبو محمد عطاء بن أبي رباح، من فقهاء التابعين بمكة، من أجلائهم، توفى سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائة. طبقات الفقهاء 69، العبر 1/ 141، 142.
(4)
أبو عبد اللَّه مكحول بن عبد اللَّه الهذلى مولاهم الشامى الحافظ، فقيه الشام في عصره، اختلف في وفاته بين سنوات اثنتى عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة وست عشرة وثمانى عشرة ومائة.
طبقات الفقهاء، للشيرازي 75، وفيات الأعيان 5/ 280 - 283، تذكرة الحفاظ 1/ 107، 108.
(5)
أخرجه أبو داود، في باب الماء لا يجنب، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 17. والترمذي، في: باب الرخصة في فضل طهور المرأة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 82. وابن ماجه، في: باب الرخصة بفضل طهور المرأة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 132.
(6)
الأول في 6/ 330، وانظر للثاني: الفتح الرباني 2/ 138.
(7)
روى الثاني، في: باب من اغتسل من الجنابة فبقى في جسده لمعة لم يصبها الماء كيف يصنع، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 217.
حُكْمِه بتَأْدِيَةِ الفَرْضِ به، كالثَّوْبِ يُصَلَّى فيه مِرَارًا.
وقال أبو يوسف: هو نَجِسٌ. وهو رِوَايةٌ عن أبي حَنِيفة؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ فِي الْمَاءَ الدَّائِمِ، وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ". رَواه أبو داود (8)، فاقْتَضَى أنَّ الغُسْلَ فيه كالبَوْلِ فيه، ولأنه يُسَمَّى طَهارةً والطَّهارةُ لا تكون إلَّا عن نَجاسةٍ، إذْ تَطْهِيرُ الطاهرِ لا يُعْقَلُ.
ولنا على طهَارتِه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا تَوَضَّأَ كادُوا يقْتَتِلُون علَى وَضُوئِه. روَاه البُخارِىُّ (9)، ولأنه صلى الله عليه وسلم صَبَّ علَى جابرٍ مِن وَضُوئِه إذْ كان مَرِيضًا (10)، ولو كان نَجِسًا لم يَجُزْ فِعْلُ ذلك، ولأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم[وأصحابه](11) ونِسَاءَه كانوا يتوَضَّئُونَ في الأَقْداحِ والأَتْوارِ ويَغْتَسِلُون في الْجِفَانِ، ومِثْلُ هذا لا يسْلَمُ مِن رَشاشٍ يقَعُ في الماء مِن الْمُسْتَعْمَلِ، ولهذا قال إبراهيم النَّخَعِيُّ: ولا بدَّ (12) من ذلك.
(8) في: باب البول في الماء الراكد، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 17، وأخرجه أيضًا البخاري، في: باب الماء الدائم، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري 1/ 69. والنسائي، في: باب النهى عن الاغتسال الجنب في الماء الدائم، وباب النهى عن البول في الراكد والاغتسال منه، من كتاب الطهارة، وباب ذكر نهى الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم، من كتاب الغسل والتيمم. المجتبى 1/ 103، 104، 162. والإمام أحمد، في المسند 2/ 433.
وبنحوه أخرجه مسلم، في: باب النهى عن البول في الماء الراكد، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 235، والترمذي، في: باب كراهية البول في الماء الراكد، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 86. والنسائي، في: باب الماء الدائم، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 44. وابن ماجه، في: باب النهى عن البول في الماء الراكد، من كتاب الطهارة 1/ 124. والدارمى، في: باب الوضوء من الماء الراكد، من كتاب الوضوء. سنن الدارمي 1/ 186. والإمام أحمد، في المسند 2/ 259، 265، 288، 316، 346، 362، 394، 464، 529، 3/ 341، 350.
(9)
في باب استعمال فضل وضوء الناس، من كتاب الوضوء، وباب الشروط في الجهاد، من كتاب الشروط. صحيح البخاري 1/ 59، 3/ 254. ورواه أيضًا الإمام أحمد، في المسند 4/ 329، 330.
(10)
أخرجه البخاري، في: باب وضوء العائد للمريض، من كتاب المرضى. صحيح البخاري 7/ 157.
(11)
سقط من: الأصل.
(12)
في الأصل: "وبد".
فلو كان الْمُسْتَعْمَلُ نَجِسًا لَنَجُسَ الماءُ الذي يقَع فيه، وقد رُوِىَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قَدَّمَتْ إليه امرأةٌ مِن نِسائِه قصعةً ليَتَوضَّأ منها، فقالت امرأة: إنِّي غَمَسْتُ يَدِى فيها وأنا جُنُبٌ. فقال: "الْمَاءُ لَا يُجْنِبُ (13) "، ورَوَاه الإِمام أبو عبد اللَّه في "المُسْنَد" (14):"الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ"، وعندهم الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ مِن غيرِ نِيَّةٍ، ولأنه ماءٌ طاهر لَاقَى مَحَلًّا طاهِرًا، فكان طاهِرًا، كالذى غُسِلَ به الثَّوبُ الطاهِر، والدليلُ علَى أنَّ الْمُحْدِث طاهِر ما رَوَى أبو هريرة، رضى اللَّه عنه، قال:" لَقِيَنِى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأنا جُنُبٌ. فانْخَنَسْتُ منه فاغتسلتُ ثم جئتُ، فقال: "أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ " قلتُ: يا رسولَ اللهِ كنتُ جُنُبًا، فكرهتُ أن أُجَالِسَك، فذهبتُ فاغْتَسَلْتُ ثم جئتُ. فقال: "سُبْحَانَ اللهِ، الْمُسْلمُ لَا يَنْجُسُ". مُتَّفَقٌ عليه (15)، ولأنه لو غَمَس يدَه في الماءِ لم يُنَجِّسْه، ولو مسَّ شيئًا رَطْبًا، ولو حَمَلَه مُصَلٍّ لم تَبْطُلْ صلاتهُ.
وقولهم: إنه نَهَى عن الغُسْلِ مِن الجنابة في الماءِ الدَّائِم، كنَهْيِه عن البَوْلِ فيه. قلنا: النَّهْىُ يدلُّ علَى أنه يُؤثِّرُ في الماءِ، وهو الْمَنعُ مِن التَّوَضُّؤِ به، والاقِتْرانُ يقْتَضِى التَّسْوِيةَ في أصل الحُكْمِ، لا في تفْصيلهِ، وإنَّما سُمِّىَ الوضوءُ والغُسْلُ طهارةً لكَوْنِه يُنَقِّى الذُّنوبَ والآثامَ، كما ورد في الأخْبار، بدليلِ ما ذكرْناه.
إذا ثبَت هذا فالدليلُ علَى خرُوجِه عن الطُّهُورِيَّةِ قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْتَسِلْ
(13) تقدم.
(14)
في 1/ 337، وبرواية:"إن الماء لا ينجسه شيء" في 1/ 235، 284، 308.
(15)
أخرجه البخاري، في: باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس، وباب الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره، من كتاب الغسل. صحيح البخاري 1/ 79، 80. ومسلم، في: باب الدليل على أن المسلم لا ينجس، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 282. وأبو داود، في: باب في الجنب يصافح، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 52. والترمذي، في: باب ما جاء في مصافحة الجنب، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 184، 185، والنسائي، في: باب مماسة الجنب ومجالسته، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 119، وابن ماجه، في: باب مصافحة الجنب، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 178. والإمام أحمد، في المسند 2/ 235، 382، 471، 5/ 384، 402.