الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها الصُّفْرَةُ والْكُدْرَةُ، فتقولُ: لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ (4) تُرِيدُ بذلك الطُّهْرَ مِن الحَيْضَةِ. وحديثُ أُمِّ عَطِيَّة إنَّما يتَنَاوَلُ ما بعدَ الطُّهْرِ والاغْتِسالِ، ونحن نقولُ به، وقد قالتْ عائشةُ: ما كُنَّا نُعِدُّ الكُدْرَةَ والصُّفْرَةَ حَيْضًا (5). مع قَوْلِها المُتَقَدِّمِ، الذي ذَكَرْنَاه.
فصل:
وحُكْمُ الصُّفْرَةِ والْكُدْرَةِ حُكْمُ الدَّمِ العَبِيطِ (6) في أنَّها في أيَّامِ الحَيْضِ حَيْضٌ، وتَجْلِسُ مِنْها المُبْتَدَأةُ كما تَجْلِسُ مِن غيرِها. وإنْ رَأتْها فيما بعدَ العادَةِ فهو كما لو رَأتْ غيرَها على ما سيأتى ذِكْرُه، إنْ شاء اللهُ. وإنْ طَهُرَتْ ثم رَأَتْ كُدْرَةً أو صُفْرَةً، لم يُلْتَفَتْ إليها؛ لِخَبَرِ أُمِّ عَطِيَّة وعائشةَ، وقد رَوَى النَّجَّادُ (7)، بإسْنَادِه، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن فاطمَةَ، عن أَسْمَاءَ قالتْ: كُنَّا في حِجْرِها مع بَنَاتِ بِنْتِها (8)، فكانتْ إحْدَانا تَطْهُرُ ثم تُصَلِّى، ثم تُنْكَسُ بالصُّفْرَةِ اليَسِيرَةِ، فنَسْأَلُها، فتقولُ: اعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ حتى لا تَرَيْنَ إلَّا البَيَاضَ خَالِصًا. (9) والأوَّلُ أَوْلَى؛ لِمَا ذَكَرْنا، وقولُ عائِشَةَ وأُمِّ عَطِيَّة أوْلَى مِنْ قولِ أَسْمَاءَ. وقال القاضي: مَعْنَى هذا أنَّها لا تَلْتَفِتُ إليه قَبْلَ التَّكْرَارِ، وقولُ أَسْمَاءَ فيما إذا تَكَرَّرَ، فجَمَعَ بينَ الأخْبَارِ. واللهُ أعلمُ.
98 - مسألة؛ قال: (ويُسْتَمْتَعُ مِنَ الحائِضِ بِمَا دُونَ الفَرْجِ)
وجُمْلَتُه أنَّ الاسْتِمْتَاعَ مِن الحائِضِ فيما فوقَ السُّرَّةِ ودونَ الرُّكْبَةِ جَائِزٌ بالنَّصِّ والإِجْماعِ، والوَطْءُ في الفَرْجِ مُحَرَّمٌ بهما. واخْتُلِفَ في الاسْتِمْتَاعِ بما بَيْنَهُما؛
(4) انظر ما تقدم في صفحة 391.
(5)
أخرجه البيهقي، في: باب الصفرة والكدرة تراهما بعد الطهر، من كتاب الحيض. السنن الكبرى 1/ 337.
(6)
دم عبيط: طرى خالص لا خلط فيه.
(7)
أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد الفقيه الحنبلي، كان مكثرا من الحديث، توفى سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة. اللباب 3/ 213، 214، طبقات الحنابلة 2/ 7 - 12.
(8)
عند البيهقي: "أخيها".
(9)
أخرجه البيهقي، في: باب الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، من كتاب الحيض. السنن الكبرى 1/ 336.
فذهبَ أحمدُ، رحمه الله إلى إِباحَتِه. ورُوِىَ ذلك عَنْ عِكْرِمَة، وعَطَاءٍ، والشَّعْبِىِّ، والثَّوْرِىَّ، وإِسحاقَ، ونَحْوَهَ قال الحَكَمُ، فإنَّه قال: لا بَأْسَ أنْ تَضَعَ على فَرْجِها ثَوْبًا ما لم يُدْخِلْه. وقال أبو حنيفةَ، ومَالِكٌ، والشَّافِعِىُّ: لا يُبَاحُ؛ لما رُوِىَ عن عائشةَ، قالتْ: كانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنِى فأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِى وأنا حَائِضٌ. رواهُ البُخارِىُّ (1). وعن عمرَ، قال: سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِن امْرَأَتِهِ وهى حَائِضٌ، فقال:"فَوْقَ الإِزَارِ (2) ". ولَنا، قَوْلُ اللهِ تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (3)، والمَحِيضُ: اسْمٌ لمكانِ الحَيْضِ (4)، كالمَقِيلِ والمَبِيتِ، فتَخْصِيصُه مَوْضِعَ الدَّمِ بِالاعْتِزَالِ دَلِيلٌ على إبَاحَتِه فيما عَدَاه. فإنْ قِيل: بل المَحِيضُ الحَيْضُ، مصدرُ حَاضَتِ المْرأةُ حَيْضًا ومَحِيضًا، بدليلِ قولِه تعالى في أوَّلِ الآيةِ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} . والأذَى: هو الحَيْضُ المَسْئُولُ عنه، وقال تعالى:{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (5). قُلْنا: اللفظُ يَحْتَمِلُ المَعْنَيَيْن، وإرَادَةٌ مكانِ الدَّمِ أرْجَحُ، بدليلِ أمْرَيْن: أحَدُهما، أنَّه لو أرادَ الحَيْضَ لكانَ أمْرًا بِاعْتزالِ النِّسَاءِ في مُدَّةِ الحَيْضِ بالكُلِّيَّة، والإِجْماعُ بخِلَافِه. والثَّانِى، أنَّ سببَ نُزُولِ الآيةِ، أنَّ اليهودَ كانوا إذا حاضتِ المَرْأَةُ اعْتَزَلُوها، فلمْ يُؤَاكِلُوها، ولم يُشَارِبُوهَا، ولم يُجَامِعُوها في البيتِ، فسألَ أصْحَابُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فنَزَلتْ هذه الآيةُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"اصْنَعُوا كُلَّ شَىْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ في
(1) في: باب مباشرة الحائض، من كتاب الحيض، وفى: باب في غسل المعتكف، من كتاب الاعتكاف. صحيح البخاري 1/ 82، 3/ 63. كما أخرجه مسلم، في: باب مباشرة الحائض فوق الإِزار، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 242. وأبو داود، في: باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 61. والترمذي، في: باب ما جاء في مباشرة الحائض، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 214. وابن ماجه، في: باب ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 208. والدارمى، في: باب مباشرة الحائض، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 244. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 55، 134، 143، 170، 174، 182، 209، 235.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 14. كما أخرجه عن عائشة رضى اللَّه عنها، في: المسند 6/ 72.
(3)
سورة البقرة 222.
(4)
في الأصل: "الدم".
(5)
سورة الطلاق 4.