الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فُصُولٌ في أدبِ التَّخَلِّى
لا يَجُوزُ اسْتِقبالُ القِبْلَةِ في الفَضَاءِ لقَضاء الحاجةِ، في قَوْلِ أَكْثَرِ أهلِ العِلْمِ؛ لما رَوَى أبو أَيُّوب، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم. "إذَا أَتَى أحَدُكُم الْغَائِطَ فلا يَسْتَقْبِلِ القِبْلةَ ولَا يُوَلِّها ظَهْرَهُ، ولكِنْ (9) شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا". قال أبُو أَيُّوب: فَقَدِمْنَا الشامَ فوَجَدْنا مَرَاحِيضَ قد بُنِيَت نحو الكَعْبةِ، فنَنْحَرِفُ عنها، ونَسْتَغْفِرُ اللَّه عز وجل. مُتَّفَقٌ عليه (10). ولِمُسْلِمَ (11)، عن أبي هُرَيْرة، عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إذا جَلَسَ أحَدُكُم عَلَى حَاجَتِهِ فلَا يَسْتَقْبِل القِبْلَةَ ولا يَسْتَدْبِرْهَا". وقال عُرْوةُ (12) ورَبِيعَةُ (13)، ودَاوُد: يَجُوزُ اسْتِقْبالُها واسْتِدْبَارُها؛ لما رَوَى جابر، قال: نَهَى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلةَ بِبَوْلٍ، فرأيتُه قبلَ أن يُقْبَضَ بعامٍ يَسْتَقْبِلُها (14). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وهذا دَلِيلٌ على النَّسْخِ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه.
(9) سقط من: الأصل.
(10)
أخرجه البخاري، في: باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء، من كتاب الوضوء، وفى: باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق ليس في المشرق ولا المغرب قبلة، من كتاب الصلاة. صحيح البخاري 1/ 48، 109. ومسلم، في: باب الاستطابة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 224. وأبو داود، في: باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 3. والترمذي، في: باب النهى عن استقبال القبلة بغائط أو بول، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 23. والنسائي، في: باب النهى عن استقبال القبلة عند الحاجة، وباب النهى عن استدبار القبلة عند الحاجة، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 23، 24. وابن ماجه، في: باب النهى عن استقبال القبلة بالغائط والبول، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 115. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 421.
(11)
في: باب الاستطابة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 224.
(12)
أبو عبد اللَّه عروة بن الزبير بن العوام، من فقهاء التابعين بالمدينة، توفى سنة أربع وتسعين. طبقات الفقهاء للشيرازي 58، 59.
(13)
في م: "بن ربيعة" خطأ.
(14)
أخرجه أبو داود، في: باب الرخصة في استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 3. والترمذي، في: باب الرخصة في استقبال القبلة بغائط أو بول، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 26. وابن ماجه، في: باب الرخصة في استقبال القبلة في الكنيف، وإباحته دون الصحارى، من كتاب الطهارة سنن ابن ماجه 1/ 117.
ولنا، أحادِيثُ النَّهْىِ، وهى صَحِيحةٌ؛ وحَدِيثُ جابرٍ يَحْتَمِلُ أنَّه رَآهُ في البُنْيَانِ، أو مُسْتَتِرًا بشيءٍ، ولا يَثْبُتُ النَّسْخُ بالاحْتِمالِ، ويتَعَّينُ حَمْله على ما ذَكَرْنا، ليكونَ مُوافِقًا للأحاديثِ التي نَذْكُرها. فأما في البُنْيَانِ، أو إذا كان بينه وبين القِبْلَةِ شيءٌ يَسْتُرُه، فَفِيه رِوَايَتان: إحداهما؛ لا يَجُوزُ أيضًا. وهو قولُ الثَّوْرِىّ وأبي حَنِيفَة، لعُمُومِ الأحادِيثِ في النَّهْىِ. والثانية، يَجُوزُ اسْتِقْبَالُها واسْتِدْبارُها في البُنْيانِ، رُوى ذلك عن العَبَّاسِ، وابنِ عُمَر، رضى اللَّه عنهما، وبه قال مالِك، والشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِر، وهو الصَّحِيحُ؛ لحدِيثِ جابرٍ، وقد حَمَلْناه على أنه كان في البُنْيانِ، ورَوَتْ عائشةُ أنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ أنَّ قَوْمًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبالَ القِبْلَةِ بِفُرُوجِهِم، فقال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:" [أو قَدْ فَعَلُوهَا] (15) اسْتَقْبِلُوا بمَقْعَدَتِى القِبْلَة (16) ". رَوَاهُ أصحابُ السُّنَنِ (17). [وأكثرُ أَصْحابِ](18) المَسانِيد؛ منهم أبو داود الطَّيَالِسِىّ، رَوَاه عن خالد بنِ الصَّلْتِ، عن عِرَاك بن مالك، عن عائشة. قال أبُو عَبْد اللَّه: أحْسَن ما رُوِى في الرُّخْصَة حَدِيثُ عائِشة، وإن كان مُرْسَلًا؛ فإنَّ مخْرَجَه حَسَنٌ. قال أحمد: عِرَاك لم يَسْمَعْ من عائشة فَلذلك سَمَّاهُ مُرْسَلًا. وهذا كلُّه (19) في البُنْيانِ، وهو خاصٌّ يُقَدَّمُ عَلَى العامِّ. وعن مَرْوان الأصْفَر، قال: رأيتُ ابنَ عُمَر أناخَ راحِلَتَه مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، ثم جَلَسَ يَبُولُ إليها. فقلتُ: يا أبا عبدِ الرحمن، أَلَيْسَ قد نُهِىَ عن هذا؟ قال. بَلَى إنَّما نُهِى عن هذا في الفَضَاءِ، فإذا كان بَيْنَك وبينَ القِبْلةِ شيءٌ يَسْتُرُك فلا بَأْسَ. رواه أبو داود (20). وهذا تَفْسِيرٌ لنَهْىِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم العامِّ،
(15) في سنن ابن ماجه: "أراهم فعلوها". وفى الأصل: "أقد فعلوها".
(16)
أي حولوا موضع قضاء الحاجة إلى جهة القبلة، حتى يزول عن قلوبهم إنكار الاستقبال في البيوت، فيرسخ في قلوبهم جوازه فيها، ويفهموا أن النهى مخصوص بالصحراء.
(17)
أخرجه ابن ماجه، في: باب الرخصة في استقبال القبلة في الكنيف، وإباحته دون الصحارى، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 117. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 137.
(18)
في الأصل: "وأصحاب".
(19)
في الأصل: "كان".
(20)
في باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 3.