الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأُسَيْدَ بن حُضَيْر، حِينَ أَرَادَا الإِسْلامَ، سَأَلَا مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ، وأَسْعَدَ بن زُرَارَة: كيف تَصْنَعُونَ إذا دَخَلْتُم في هذا الأَمْرِ؟ قَالَا: نَغْتَسِلُ، ونَشْهَدُ شَهَادَةَ الحَقِّ (5). وهذا يَدُلُّ على أنَّه كانَ مُسْتَفِيضًا، ولأَنَّ الكَافِرَ لا يَسْلَمُ غالِبًا مِن جَنَابَةٍ تَلْحَقُه، ونَجَاسَةٍ تُصِيبُه، وهو لا يَغْتَسِلُ، ولا يَرْتَفِعُ حَدَثُه إذا اغْتَسَلَ، فأُقِيمَت مَظِنَّةُ ذلك مُقَامَ حَقِيقَتِه، كما أُقِيمَ النَّوْمُ مُقَامَ الحَدَثِ، والْتِقَاءُ الخِتَانَيْنِ مُقَامَ الإِنْزَالِ.
فصل:
فإن أَجْنَبَ الكافِرُ ثم أَسْلَمَ، لم يَلْزَمْهُ غُسْلُ الجَنَابَةِ، سَوَاءٌ اغْتَسَلَ في كُفْرِه أو لم يَغْتَسِلْ. وهذا قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ غُسْلَ الإِسْلَامِ، وقَوْلُ أبى حنيفة. وقال الشَّافِعِىُّ: عليه الغُسْلُ في الحاليْنِ. وهذا اخْتِيارُ أبى بَكْرٍ؛ لأنَّ عَدَمَ التَّكْلِيفِ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الغُسْلِ، كالصِّبَا والجُنُونِ، واغْتِسَالُه في كُفْرِه لا يَرْفَعُ حَدَثَه؛ لأنَّه أحَدُ الحَدَثَيْنِ، فلم يَرْتَفِعْ في حالِ كُفْرِه كالحَدَثِ الأَصْغَرِ. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ. وأحَدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحَابِ الشَّافِعِىِّ أنَّه يَرْفَعُ حَدَثَه؛ لأنَّه أصَحُّ نِيَّةً مِن الصَّبِىِّ. وليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ الطَّهارَةَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فلم تَصِحَّ مِنْ كافِرٍ، كالصَّلَاةِ. ولنا - على أنَّه لا يَجِبُ - أنَّه لم يُنْقَلْ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه أَمَرَ أحَدًا بغُسْلِ الجَنَابَةِ مع كَثْرَةِ مَنْ أَسْلَمَ مِن الرِّجَالِ والنِّسَاءِ البَالِغِينَ المُتَزَوِّجِين، ولأنَّ المَظِنَّةَ أُقِيمَتْ مُقَامَ حَقِيقَةِ الحَدَثِ، فسَقَطَ حُكْمُ الحَدَثِ كالسَّفَرِ مع المَشَقَّةِ.
فصل: ويُسْتَحَبُّ أنْ يَغْتَسِلَ المُسْلِمُ بماءٍ وسِدْرٍ، كما في حَدِيثِ قَيْسٍ. ويُسْتَحَبُّ إزَالَةُ شَعْرِه؛ لأنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ رَجُلًا أسْلَمَ، فقالَ:"احْلِقْ". وقال لآخَرَ معه: "ألْقِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ واخْتَتِنْ" رَوَاهُ أبو داود (6). وأقَلُّ أحْوَالِ الأَمْرِ الاسْتِحْبابُ.
55 - مسألة؛ قال: (والطُّهْرُ مِنَ الحَيْضِ والنِّفَاسِ)
قال ابنُ عَقِيلٍ: هذا تَجَوُّزٌ؛ فإنَّ المُوجِبَ للغُسْلِ في التَّحْقِيقِ هو الحَيْضُ
(5) انظر: السيرة النبوية، لابن هشام 2/ 436.
(6)
في: باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 86. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 415.
والنِّفَاسُ؛ لأنَّه هو الحَدَثُ، وانْقِطَاعُهُ شَرْطُ وُجُوبٍ للغُسْلِ وصِحَّتِه، فَسَمَّاهُ مُوجِبًا لذلك، وهذا كَقَوْلِهِم: انْقِطَاعُ دَمِ الاسْتِحَاضَةِ مُبْطِلٌ للصَّلَاةِ. والمُبْطِلُ إنَّما هو الحَدَثُ الخارِجُ، لكنْ عُفِىَ عنه للضَّرُورَةِ، فإذا انْقَطَعَ الدَّمُ زالَت الضَّرورَةُ، فظَهَرَ حُكْمُ الحَدَثِ حِينَئِذٍ، وأُضِيفَ الحُكْمُ إلى الانْقِطَاعِ؛ لِظُهُورِهِ عِنْدَه. ولا خِلَافَ في وُجُوبِ الغُسْلِ بالحَيْضِ والنِّفَاسِ، وقد أمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بالغُسْلِ مِن الحَيْضِ في أحادِيثَ كَثيرةٍ، فقال لفاطمة بِنتِ أبي حُبَيْشٍ:"دَعِى الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ التي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثم اغْتَسِلِى وصَلِّى". مُتَّفَقٌ عليه (1). وأمَرَ بهِ في حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَة، وحَدِيثِ عَدِيّ بنِ ثابِتٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّهِ رَوَاهُما أبو دَاوُد، وغيرُه (2)، وأمَرَ بهِ في حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبةَ، وسَهْلَة بنت سُهَيْل، وحَمْنَة بنت جَحْش، وغَيْرِهنَّ (2)، وقد قِيلَ في قَوْلِ اللهِ تَعالَى:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} (3) يَعْنِى: إذا اغْتَسَلْنَ. مَنَعَ الزَّوْجَ وَطْأَهَا قَبْلَ الغُسْلِ، فدَلَّ عَلَى وُجُوبِه عليها. والنِّفَاسُ كالحَيْضِ سواء؛ فإنَّ دَمَ النِّفَاسِ هو دَمُ الحَيْضِ، وإنّما كانَ في مُدَّةِ الحَمْلِ يَنْصَرِفُ إلى غِذَاءِ الوَلَدِ، فحِينَ خَرَجَ الوَلَدُ خَرَجَ الدَّمُ (4) لِعَدَمِ مَصْرِفِه،
(1) يأتي الحديث بتمامه في باب الحيض. وأخرجه البخاري، في: باب غسل الدم، من كتاب الوضوء، وفى: باب الاستحاضة، وباب إقبال المحيض وإدباره، وباب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، من كتاب الحيض. صحيح البخاري 1/ 66، 84، 87، 89، 90. ومسلم، في: باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 662. وأبو داود، في: باب في المرأة تستحاض ومن قال لا تدع الصلاة. . .، وباب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 63 - 65. والترمذي، في: باب في المستحاضة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 197. والنسائي، في: باب ذكر الاغتسال من الحيض، وباب ذكر الأقراء، وباب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، من كتاب الطهارة، وفى: باب ذكر الاستحاضة وإقبال الدم وإدباره، وباب ذكر الأقراء، وباب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، من كتاب الحيض. المجتبى 1/ 96، 97، 101، 102، 103، 148، 150، 152. وابن ماجه، في: باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها قبل أن يستمر بها الدم، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 203، 204. والإمام مالك، في: باب المستحاضة، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 61. والإِمام أحمد، في: المسند 6/ 464. وأخرجه أيضًا الدارمي، في: باب في غسل المستحاضة من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 198.
(2)
تأتي هذه الأحاديث في باب الحيض، المسائل 92، 93، 94.
(3)
سورة البقرة 222.
(4)
من: م.