الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تشكيك الجزائريين في عروبتهم
تم حاولوا من الناحية القومية أن يشككوا الجزائريين في عروبتهم، فزعموا لهم أحيانا، أنهم من بقايا الرومان العظام، وأحيانا أخرى يزعمون لهم أنهم من أصل البربر، الذين ضرب المثل بشجاعتهم وأصالتهم، والذين من أسلافهم هانيبال وأضرابه، وأنهم أرباب البلاد الأصليين، أما العرب الهمج أبناء الصحراء، رعاة البقر والغنم، وأحلاس الإبل، فإنهم أغراب طارؤون، إلى غير ذلك من ألوان السحر الذي يفرق بين المرء وزوجه، وظلوا يمارسون هذا السحر غير الحلال، مع الأمة الجزائرية العربية، طيلة قرن وبعض القرن، وتعاونت معهم كل فئاتهم من إدارة وبوليس، وجيش ومبشرين ومال، ثقافة، على إحراز نصر في هذا الميدان، ولو كان قليلا، فما فلحوا، فظل الجزائري عربيا يعتز بعروبته، - علم الله - أكثر من سكان الحجاز أنفهم، وصار يغار عليها أكثر من سواه، لأنه قد حورب فيها، فاجتمع عنده عامل الغيرة عليها، مع عامل العناد في الدفاع عنها، كجزء من كرامته.
موقفهم من الإسلام
هذه إشارة عابرة إلى موقف الاستعمار الفرنسي، من العروبة في الجزائر، لأن التفاصيل لا تتسع لها المجلدات، وأما موقفهم من الإسلام، فكان أبشع من ذلك بكثير .. كانوا يرون أن الإسلام، هو العقبة الكؤود، في طريق برنامجهم الوحشي الخبيث، وهو العمل على مسخ الأمة الجزائرية وإفنائها، أو إدماجها في الأمة الفرنسية، وكانوا يرون أن اللغة العربية والقومية العربية، لا يمكن التأثير عليهما، ما دام سلطان الإسلام على النفوس، ونفوذ تعاليمه على المجتمع قائما مسيطرا، لأن الجزائري، يرى اللغة العربية في لغة الإسلام، التي لا يفهم الدين فهما سليما إلا
بها، ولا تحفظ معانيه من الانحراف والتشويه إلا بها، فهي إذن مفتاح الدين .. وحارسه الأمين .. إنما يحيا الحياة الحقيقية بحياتها، وقد يموت بموتها، فالدفاع إذن عن وجودها وحياتها، إنما هو دفاع عن الدين نفسه، وتكاد تكون نظرة الجزائري إلى القومية العربية، بنفس هذا المنظار، وأن التخلي عنها هو تخلي عن الدين نفسه، هذه عاطفته، وهذا حسه .. لأنه يؤمن من أعماق قلبه بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن العروبة إنما هي باللسان وليست بالعرق، فمن تكلم بالعروبة فهو عربي، وهؤلاء القوم قد اندمجوا في العروبة، اندماج السكر بالماء بعد الذوبان، وتكلموا بلغتها منذ أربعة عشر قرنا، دون انقطاع، فلو اجتمع أهل الدنيا إذن بحيلهم، وعبقريتهم، وتعاونوا على تشكيك الجزائريين في عروبتهم، لن يفلحوا ما دام الإسلام دينهم.
هذه حقيقة فهمها الفرنسيون جيدا، لذلك خصصوا لها أعظم جهدهم لتفويض أركان هذا الدين، لأنهم وثقوا بعد الدرس والتحقيق بأنه هو الأساس في مناعة هذه الأمة، والباقي كله مبني عليه، فبانهياره ينهار معه كل شيء، وبأقل المجهودات.
هنا اعتمدوا لهدم الإسلام وسيلتين أساسيتين، ليست الواحدة منهما أقل خبثا وقبحا من الأخرى:
أما الأولى - فهي نشر الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتشجيعها في الأوساط الإسلامية، واستعملوا في هذه الوسيلة كل أصناف الدجالين والمشعوذين، وفي مقدمتهم كثيرون من مشايخ الطرق الصوفية، الذين تحولت الرسالة عندهم إلى مهنة تجارية.
أما الثانية - فهي نشر الإلحاد في أوساط الشباب الإسلامي، بواسطة المدارس وغيرها، الأمر الذي كان سيؤدي إلى انتشار الشيوعية بشكل مريع، وقد أنفق