الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإيطالية، وفي هذا خطر على العمال الجزائريين، كان يطوي عليه مشروع شومان، لتوحيد صناعة الفحم والفولاذ، ثم وجد دواعي أخرى جديدة للظهور.
3 -
إبقاء الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على ما هي عليه، حرصا على "النظام والاستقرار" ومعنى هذا عمليا، مضاعفة القمع السائد بالجرائر منذ عدة سنين.
فهل أخذت الحكومة الفرنسية - عند اتخاذ هذه التدابير - برأي الجزائريين واعتبرت إرادتهم، وهم أول من يهمهم الأمر؟ كلا:
ملاحظتان
إن موقف الحكومة الفرنسية هذا، يستدعي ملاحظتين اثنتين:
أولاهما - أن هذا الموقف ينتظم في سلسلة القوانين المفروضة، التي دامت أكثر من قرن، وابتدأت بإلحاق التراب الجزائري بالقوة، ودعمت بنصوص قانونية لم تكن لها، وليس لها الآن أية قيمة إذا قيست بالمبادئ الحالية في حرية الشعوب، إنما أصبحت الجزائر "ملكا فرنسيا" بالأمر الملكي المؤرخ 22 يوليو 1834 (البند 1) وهو ما كانت عاقبته إخضاع التراب الملحق، وقد وضعت صفة هذا الإلحاق، وعدلت بعدة قوانين تنظيمية أهمها:
أ - قرار 4 مارس 1848 الذي ينص على أن الجزائر "جزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي".
ب - قرار مجلس الشيوخ المؤرخ 13 يوليو 1865، الذي ينص بنده الأول على أن "الأهلي المسلم فرنسي".
ج - قرار 28 أغسطس 1884 المدعو "قرار ضم الجزائر إلى التراب الفرنسي".
د - قانون 7 مارس 1944 الذي يصرح بأن الجزائريين "مواطنون فرنسيون" ويقسم المجتمع الجزائري إلى قسمين من المواطنين.
هـ - قانون 20 سبتمبر 1947 المشتمل على الأسس التنظيمية للجزائر، والذي ينص في بنده الأول، على أن الجزائر "مجموع عمالات فرنسية".
إن هذه الوثائق صادرة عن إرادة طرفي واحد، وذلك أن الشعب الجزائري، إما أنه لم يدع لإعطاء رأيه في القضية، أو أنه وجد الفرصة للتنديد بهذه الوثائق (قانون 8 مارس 1944). أو عبر بإجماع ممثليه في المجالس النيابية عن معارضته، (قانون الأسس التنظيمية للجزائر).
ثانيهما - أن الحكومة الفرنسية، تعمل ضد إرادة الشعب الجزائري، بإقحامه عنوة في الجهاز الاستراتيجي لميثاق الأطلنطي، وهذه الإرادة، لم تكن خامدة قبل اليوم، فقد عبر عنها "مصالي الحاج" في ندائه الموجه إلى الأمم المتحدة، سنة 1948 حين كتب: "إننا نعلن فيما يخص الشعب الجزائري - نظرا للحالة السيئة التي يحياها - أنه غير مستعد ليكون بضاعة تتداولها الأيدي، ولا جيشا مرتزقا في خدمة أية كتلة عسكرية، وهو على هذا يعتبر نفسه غير مرتبط بأحد، وحرا في جميع حركاته، وسيعرف - في جميع المناسبات - كيف يواصل الكفاح من أجل تحريره، بضم جهوده إلى جهود جميع الأفراد والشعوب، التي تبرهن باستقامة وإخلاص، عن تعلقها بالمبادئ الديمقراطية، وحرية الشعوب التي ما زالت تابعة بعد لغيرها.
وفي شهر مارس 1949، وقع التنديد من طرف الحركة الوطنية التحريرية، بالاتفاق الذي أدخل الجزائر عنوة في الميثاق الأطلنطي، بصفتها "ثلاث عمالات فرنسية" وقد عبرت عن ذلك أصدق تعبير، استنتاجات القرارات التي أذاعتها حركة انتصار الحريات الديمقراطية، التي تؤكد:
"أن الشعب الجزائري الذي يتميز غيظا، لمجرد الفكرة التي تشعره، بأنه قد يصبح مرة أخرى ضحية مساومات مخزية، يفصح من الآن، بلسان حركة انتصار الحريات الديمقراطية، ترجمانه الصادق عن أن:
كل عمل من شأنه مسخ شخصيته، ويشهر بكل مداولة تدور تحت تأثير عقلية رجعية، ويحتج بشدة ضد كل أمر واقع يراد فرضه عليه، وينكر مرة أخرى على أي من كان التكلم باسمه، والتشريع مكانه، ويؤكد أمام الملأ أن له وحده الحق في تقرير مصيره، وأنه لا يريد أن يكون تحت تصرف أية أمة، ولا أية كتلة من الأمم.
ويصمم على عدم الرضوخ لاستعماله كبضاعة تتداولها الأيدي، أو طعمة للمدافع، كما وقع في الحربين العالميتين الماضيتين، ليرى في نهاية الأمر، السيطرة الاستعمارية سائدة في بلاده.
ويعلن أنه لا يشارك في أي نزاع مسلح، تكون فيه حقوقه مهضومة ومصالحه ملغاة.
وهذه الحقائق يعلنها كل الناس، وإن كان بعضهم يتوخى سياسة ميكافيلية تقوم على استعمال دماء الشعب المغلوب وثرواته، لتحصين السجن الذي يضمه، وتقوية السلاسل التي تقيده، والبعض الآخر يتوخى سياسة مراعاة الظروف، لغايات استراتيجيه، وكلا الأمرين يؤدي حتما إلى نتائج واحدة، وأن من واجبنا أن ننير السبيل أمام من تحمل مسؤوليات مباشرة، أو غير مباشرة ترمي إلى عرقلة أو تأخير سير شعبنا إلى التحرير.
إن تخوفات الشعب الجزائري، ليست ناتجة عن أي تحيز، وإنما هي مبنية على التجارب المؤلمة، التي عاشها في مختلف الحروب، التي دفع إلى المشاركة فيها منذ قرن.