الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفضيل الورتلاني
الفضيل الورتلاني، نشأ نشأة الصبا والحداثة، في أحضان الفطرة الطاهرة وفي أحضان الجبال الشماء، فاكتسب من الأولى قوة الروح، وصفاء العقيدة، والصلابة في الدين؛ ومن الثانية قوة الجسم ووثاقة التركيب، وسلامة الحواس، ثم نشأ نشأة الشباب، في أحضان جمعية العلماء، ففتح عينه على الميادين العامرة بأبطالها، وفتح أذنيه على الأصوات المجلجلة بالعلم والإصلاح، من دروس عامرة بحقائق التنزيل والحكم النبوية، ومحاضرات بليغة في التاريخ الإسلامي والأدب العربي، تفيض بالبيان الساحر، وتندفق بالبلاغة الرائعة، فنشأ مؤمنا متين العقيدة، حرا عميق الفكر، صريحا لاذع الصراحة، جريء اللسان على كلمة الحق، شجاع الرأي إذا جمعت الآراء وتخافتت، غيورا على وطنه غيرته على دينه، إذن فهو معدود من بواكير هذه النهضة المباركة في الجزائر، رافقها في جميع مراحلها، وشارك - على فتوته - الشيوخ المحنكين في بنائها.
لازم إمام النهضة عبد الحميد بن باديس سنوات، فتأثر بمنازعه الخطابية، ومواقفه في حرب الضلال، وسقيت ملكته بغبث ذلك البيان الهامي، فأصبح فارس منابر، وحضر اجتماعات جمعية العلماء العامة والخاصة، فاكتسب منها الصراحة في الرأي، والجرأة في النقد، والاحترام للمبادئ لا للأشخاص، ثم لابس السياسيين وغشي مجتمعاتهم، فرأى من زيغ العقيدة وزيف الوطنية؛ وانحلال الأخلاق - نقيض ما رأى من رجال جمعية العلماء، فثار عليهم ودهوا منه بباقعة، وكان الأستاذ الرئيس يقدر له - وهو في الحداثة - عواقب الرجال، ويتخيل فيه مخايل الأبطال، ويقول له كلما رأى منه مخيلة صدق:(لمثل هذا كنت أحسيك الحسا).
ثم جاوز البحر سنة 36 ميلادية، بموافقة من الأستاذ الرئيس ومني، ليرد على الضالين من أبناء قومه هداية الإسلام، وليرد على الناشئين هناك من أبنائهم ما أضاعه الوسط من دين ولغة، وليزرع في قلوب الأبناء والآباء معا، حب الدين والجنس واللغة والوطن، وليعيد إلى الجزائر - بذلك كله، قلوبا تنكرت لها، وأفئدة هوت إلى غيرها، وغراسا أظمأه الاستعمار في مغارسه فالتمس الري والنماء في غيرها، فتتبعهم الفضيل في مطارح اغترابهم، وجمع شملهم على الدين، وقلوبهم على التعارف والأخوة، وجمع أبناءهم على تعلم العربية، وأسس في باريس وضواحيها بضعة عشر ناديا، عمرها هو ورفاقه الذي أمدته بهم جمعية العلماء، بدروس التذكير للآباء والتعليم للأبناء، والمحاضرات الجامعة في الأخلاق والحياة، ونجح الفضيل في أعماله كلها، نجاحا عاد على المسلمين في فرنسا بالخير والبركة، وعاد على جمعية العلماء، بالسمعة العطرة والدعاية الطيبة، وكان في تلك المدة كلها، متصل الأسباب بجمعية العلماء، مراسلة واستمدادا، وإشارة واستشارة، وقد رجع في أثنائها إلى الجزائر، كلما انعقد اجتماع أو حزب أمر، وما زلت أذكر حضوره في اجتماع الجمعية صيفة سنة 1937، وحضوره على إثر ذلك، إفتتاح مدرسة "دار الحديث" بمدينة تلمسان، وخطبته في ذلك الحشد، الذي ضم عشرين ألفا يعد سماعه لقصيدة الشاعر محمد العيد، وحملته الجارفة على التجنيس والمتجنسين.
وفي أواخر سنة 1938 فيما أذكر، هاجر إلى مصر مستزيدا من العلم والتجارب، مستجمعا قوته للعمل في ميدان أوسع وجو أصفى، وكانت له المواقف المشهودة، والرحلات الموفقة إلى الأقطار العربية، وكان في تلك المدة كلها، متصلا بنا على قدر ما تسمح به ظروف الحرب، الخ ..
وهذه كلمة سكرتير جمعية التهذيب بباريس تحت عنوان: