الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذكرة من جبهة الدفاع
عن إفريقيا الشمالية
إلى دول الأمم العربية وإلى الأمم المتحدة
في شمال إفريقيا أمة عربية، عرف التاريخ الصادق فضلها في توسيع دائرة العلوم وإصلاح نظم الاجتماع، والنهوض بجلائل الأعمال (أعني سكان تونس والجزائر ومراكش) وقد ابتليت هذه الأمة بالاحتلال الفرنسي منذ عشرات السنين، وبلغ هذا الاحتلال الغاشم في استعبادها والعبث، بحقوقها أقصى غاية وإن أبلغ الكتاب ليعجز عن وصفه لمن لم يشاهده وصفا يأخذه من أطرافه ويجعله أمامه بمنزلة المشاهد، ونحن على يقين من أن كل إنسان فيه بارقة من العطف على الإنسانية، متى أحس ما يفعله ذلك الاحتلال الجائر بعينه أو يسمعه، هاجت عاطفته واندفع يفكر في إسعافهم، وبذل المستطاع في مؤازرتهم.
وإذا عجزت الأقلام عن تصوير فظائع الاحتلال الفرنسي في شمال إفريقيا كما هو، فإن ذوي البطولة، والغيرة على حرية أقوامهم. مثل حضرات أعضاء الجامعة العربية يكفيهم في الاتجاه إلى إسعاد تلك الشعوب ومديد الإخاء إلى مؤازرتها علمهم بطبائع الاحتلال الفرنسي الذي يعد الشعوب المغلولة له كالأنعام لا يستحقون أن يكون لهم في أمرهم رأي ولا أن يكون لهم من خيرات أوطانهم إلا ما يستغنى عنه الفرنسيون والمتفرنسون.
ذاقت الحكومة الفرنسية مرار احتلال أعدائها لبلادها وأحست بنفسها مباشرة احتلال الأجنبي في نفوس الوطنيين من حسرات وما يجره عليهم من مهانات، واعتقد الناس أن
الحكومة الفرنسية ستتخذ من تلك الكارثة عبرة، وتعود إلى شيء من رشدها، وتخفف جانبا مجن طغيانها فتجد فيها الشعوب المصابة باحتلالها شيئا من الرفق، بل يجدون منها دولة تنادي بحرية الشعوب على الإطلاق، وتكون في مقدمة من يعملون لمحو كلمات (الاحتلال - الحماية - الانتداب - الوصاية) من معاجم السياسة الدولية، ولكنها نهضت من مصرعها ولم تفكر في شيء غير أن تعود إلى سيطرتها على تلك الشعوب فجاءت تنظر إليهم نظرة من كانوا السبب في سقوطها وأخذت تذيقهم من ألوان الاضطهاد والتنكيل ما لا يحتمله بشر، ولا سيما بشر لا يزالون يذكرون ما كان لسلفهم من عزة وسيادة ومدنيه راقية، وليست الثورات العنيفة التي تقوم بها تلك الشعوب اليوم وقبل اليوم إلا وليدة اضطهادها لهم واعتدائها على حريتهم.
وفرنسا تعلم أن الثورات التي قامت في شمال إفريقيا إنما يدعو إليها أباء الضيم والطموح إلى الاستقلال ولكنها تريد أن تشوه تلك الثورات البريئة بعلل لا أصل لها ولا فرع، كزعمها أن هذه الثورات وليدة الدعاية النازية، أو أن الدافع إليها البؤس والمجاعة، ونحن نعلم أن القائمين بهذه الثورات يقدرون النظم الاجتماعية الإسلامية قدرها فلا تحدثهم أنفسهم بأن يستبدلوا بها مذهبا من هذه المذاهب الحديثة، ونعلم أن كثيرا من زعماء هذه الثورات يعيشون في بسطة من الرزق.
إذن فالثورات على فرنسا وشمال إفريقيا كالثورة في سوريا ولبنان، إنما هي بنت أباء الضيم والذود عن الكرامة.
كانت أخبار الثورة السورية تنشر في العالم يمينا ويسارا، ويطلع الناس على أسبابها وما كان يقع فيها من الحوادث ساعة فساعة، حتى استطاعت الشعوب العربية قريبة أو بعيدة أن تغضب لها وتتحفز لاقتحام أرض سوريا مناصرون لها على الاحتفاظ باستغلالها. واستطاعت الشعوب الأخرى كالهنود أن تعلن استنكارها للاعتداء الفرنسي وتحتج عليه بشدة، ولكن شمال إفريقيا تقوم فيه
الثورات ذودا عن الكرامة، وطموحا للحرية، وأول ما تعمله فرنسا أن تقيم بينه وبين العالم الذي من شأنه أن يغضب له سدودا منيعة ثم تملأ أيدي جنودها بالأسلحة الفتاكة والمقذوفات النارية الساحقة وتغريهم بأولئك المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فيصبوا عليهم البلاء من فوقهم وعن أيمانهم وشمائلهم في غير هوادة تقوم تلك المجازر البشرية ولا يتسرب من أخبارها إلى الشرق سوى كلمات تتلقاها بعض شركات الأنباء عن طرق تأثيرها بروح ذلك الاحتلال كما نقلوا أن في بلاد الجزائر ثورة تلفت فيها آلاف من النفوس ثم أخمدتها القوة الفرنسية ويزيدون على هذا أن سببها المجاعة الفادحة وأن القائمين بها أتوا إلى الحكومة الفرنسية خاضعين تائبين، إلى نحو هذا من الأساليب التي يتهمون بها إخوانهم في الشرق أنهم فقدوا نخوتهم العربية والإسلامية وأنهم غير مصممين على دفاع الاحتلال الفرنسي بل توهم إخوانهم في الشرق أنهم راضون بأن يكونوا رعايا لفرنسا وأن تكون أوطانهم قطعة من الأرض الفرنسية.
والواقع أن تلك الشعوب وقد تقلبنا في مدنها وقراها لا زالت في مدنها وقراها لا زالت تفاخر بعربيتها وترى أن سعادتها في الاحتفاظ بإسلاميتها وقد عرف مؤتمر الجامعة العربية أن لأولئك العرب من الحقوق ما لسائر الشعوب العربية فأعلن في ميثاق إتحاد الجامعة أنها ستعني بشأنهم وتقدم المستطاع في مساعدتهم على بلوغ أمنيتهم، وذلك ما زاد قيمة الميثاق ورفعه جعل أولئك العرب المغلوبين في شمال إفريقيا على أمرهم يتقبلونه بالابتهاج وترديد عبارات الثناء والشكر، وما لنا أن نضع قضية شمال إفريقيا تحت أنظار جامعة الدول العربية وندعها تتصرف فيها على مقتضى الحكمة والشهامة ونود لو أن الجامعة الموقرة تفتتح جهادها بشيء من الأعمال الدالة على أنها معنية بأمر تلك البلاد العربية، وتعرض الآن عملا سيكون له في نفوس أولئك العرب وقع عظيم، وهو إرسال وفد من نبهاء الشرق، ليتجول في تلك البلاد (تونس - والجزائر - ومراكش) وينظر في حالتهم السياسية والثقافية
والاقتصادية، حتى تكون الجامعة على بينة من أمرها، وتسهل عليها المساعدة على إصلاحها، المساعدة العملية، علاوة على ما يكون لإرسال هذا الوفد من تأكيد الصلة بين عرب المشرق والمغرب.
وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، ترجو من جامعة الدول العربية، بعد هذا أن تعمل لهدم الحواجز التي أقامتها فرنسا لعزل المقيمين في الشرق، حتى يتيسر الإتحاد الذي ينهض بالأمة العربية، نهوضا تستعيد به سيادتها، وتأمن به من كيد خصومها، وذلك أسمى غاية تتجه إليها همم العظماء من الناس.
السكرتير الفضيل الورتلاني
رئيس الجبهة محمد الخضر حسين
6 -
5 - 1945 عن الجرائد المصرية