الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الليلة الليلاء
…
ليلة 1 نوفمبر سنة 1954
بداية ثورة الجزائر المباركة
فوجئت البلاد الجزائرية، بعدد عظيم من الحوادث المزعجة، وقعت كلها ما بين الساعة الواحدة والساعة الخامسة من صبيحة الاثنين غرة نوفمبر 1954، وهو عيد ذكرى الأموات. ولقد بلغ عدد تلك الحوادث ما يزيد عن الثلاثين ما بين الحدود التونسية وشرقي عمالة وهران، إلا أن عمالة قسنطينة وخاصة جهاتها الجنوبية كانت صاحبة المقام الأول فيها، وكانت تتركز الحوادث في جهات جبال أوراس، وفي خط يسير من باتنة إلى خنشلة، ثم يشمل الجنوب.
وتلي عمالة قسنطينة بعض جهات العمالة الجزائرية، كبلاد القبائل والعاصمة الجزائرية وبوفاريك.
إننا إلى حد هذه الساعة، لا نملك التفاصيل المقنعة عن هذه الحوادث، وأسبابها، وليس بين أيدينا إلا ما تناقلته الصحف وشركات الأخبار، فلا نستطيع أن نعلق عليها أدنى تعليق، إلى أن تتبين لنا طريق الصواب، فليس من شأن "البصائر" أن تتسرع في مثل هذه المواطن.
لكننا من جهة أخرى رأينا أنه لا يمكن أن يخلو هذا العدد من جريدتنا من ذكر هذه الحوادث، التي تناقلت صحف العالم بأسره تفاصيله، فقررنا الاكتفاء بذكر أهمها، تاركين للزمن كشف الحقائق عن أسرارها، ولسوف نتتع ذلك بالدقة والاهتمام.
مدينة الجزائر: انفجرت قنبلة من المصنع المحلي أمام بوابة راديو "الجزائر" فأحدثت به ضررا، وقد وجدت قنبلتان لم تنفجرا.
ووقعت محاولة إحراق في مستودع زيت الوقود، الذي يملكه مسيو موري، والذي يخزن ثمانية أطنان من البترول في شارع دينان، ولقد تنبه الحرس وأطفأت النيران ولم تقع الكارثة.
في مدينة بوفاريك: انفجرت قنبلة في مستودع خزن الفواكه، فاحترق المستودع الذي تبلغ قيمته خمسة ملايين، واحترقت الصناديق الخشبية المعدة للتصدير، وقيمتها 25 مليونا.
في بابا علي: وقع إحراق معمل الورق وتمكنت فرق المطافئ، بعد جهد جهيد، من إخماد النيران.
في مدينة العزازفة: وقعت مهاجمة دار الجندرمة، ورميت بسبعة وأربعين رصاصة، تبين أنها من رصاص البنادق الطليانية صنع سنة 1946.
وفي الوقت نفسه، وقع إشعال النار في مستودع البهش "قشر الفرنسان" الذي تملكه إدارة الغابات والمياه، فكانت الخسائر به عظيمة جدا، والتهمته النيران وبلغت قيمة الخسائر نحو الخمسين مليونا.
ولقد حطمت في ذلك الوقت أعمدة الأسلاك، التابعة لإدارة البريد، فأصبحت المدينة في عزلة تامة.
في بقية بلاد القبائل الكبرى، وحول مدن وقرى: بوغنى - دلس - بويرة - برج أم نايل - آبو - وغيرها، وقع تحطيم وإتلاف أعمدة أسلاك التليفون.
في ذراع الميزان: وقع إلتحام قتل فيه أحد حراس الغابة.
في تيزي نتليته: قتل أحد حراس الغابة أيضا، إلى غير ذلك من مثل هذه الحوادث، في عدة قرى القبائل.
في عمالة وهران: وقعت محاولة تحطيم المولد الكهربائي في وليس، لكن العملية لم تسفر عن خسائر.
في جهة كسان: وقعت مهاجمة إحدى قرى المستعمرين، وجرح أحد الحراس، والتجأ أحد أصحاب الضيعة إلى دار الجندرمة، ولكنه لم يكد يصلها حتى أصابته رصاصة أردته قتيلا ووقعت مهاجمة دار الجندرمة، فجرح فيها أحد حراسها الليليين.
في عمالة قسنطينة: كانت الحوادث كثيرة، وخاصة في شرقها وجنوبها.
وفي خنشلة: وقعت مهاجمة إدارة الحوز الممتزج، وكوميسارية البوليس، كما وقعت مهاجمة رجال عسكريين، ووقع تحطيم الخزان الكهربائي. وقتل ثلاثة من رجال الجيش.
وسحبت السلطة من المنطقة، حراس الغابة والسواجين، ثم احتلت فرقتان عسكريتان إريس، ورفعت عنها الحصار.
وأعلنت حالة الحصار، في كامل تلك الجهة، وباتنة وبسكرة وخنشلة، ومنع التجول من الساعة الثامنة وقطعت الأسلاك البرقية على طريق أريس.
في بسكرة: وقع تفجير قنبلة أمام المعمل الكهربائي، كما انفجرت قنابل أخرى، أمام الثكنة العسكرية وأمام الكمسارية، وفي محطة السكة الحديدية ولقد جرح أحد البوليس كما جرح أحد الحراس.
أما الطريق بين بسكرة وأريس، فقد منع التجول بها، وأخذت طائرة عسكرية تحوم حول كامل تلك الجهات.
ولقد أرغم رجال مسلحون، عربة كبيرة على الوقوف، وأنزلوا ركابها، واختاروا ثلاثة، ثم أمروا الباقين بالرجوع إلى مقاعدهم. أما الثالثة: فهم قائد مشاونش، ومعلم فرنسي وزوجه، ولم يمض على زواجهما أكثر من شهرين فقد أطلقوا عليهم الرصاص، فمات القائد والمعلم، وجرحت زوجته جراحا خطيرة، ونقلت إلى مستشفي أريس.
في الأوراس: وهي المنطقة الجبلية الوعرة الشاسعة، وقعت عدة حوادث في شتى الجهات، وكان الرجال المسلحون، يباشرون العمليات، ثم ينسحبون إلى الجبال. ويدمرون وراءهم الجسور، ولقد قتل واحد منهم وجرح آخرون، وحاولوا الاستيلاء على منجم إيشمون، لكنهم انسحبوا، بعد معركة عنيفة، أطلقت، خلالها ستمائة طلقة نارية.
وحوصرت مدينة "أريس" المركزية في الأوراس، من طرف الثوار المسلحين.
في باتنة: وقع إطلاق الرصاص بقي مدة ساعة من الزمن، كان يسمع على مسافة كيلومترين من المدينة، وهوجمت ثكنة فرقة الشاسور، فقتل بها جنديان، واكتشفت قنبلة في مستودع الثكنات لكنها لم تنفجر.
في الخروب: وقع إطلاق القذائف النارية على حارس مستودع الوقود العسكري، لكنه لم يصب بسوء.
في السمندو: وقعت مهاجمة دار الجندرمة وكسر بابها الخارجي، وأطلق الرصاص على من كان داخلها وأسفرت كامل هذه الحوادث عن سبعة من القتلى، وعدد من الجرحى لم يعرف بعد.
هذه خلاصة وجيزة، عن الأعمال التي وقعت يوم الاثنين، لخصناها بغاية الدقة عن الصحف الفرنسية، ولربما عدنا إليها في مستقبل الأيام بشيء من الإطناب إن اقتضى الحال ذلك.
ولقد قابلت الحكومة هذه الحوادث، بتجهيز كامل قواها العسكرية، واستنجدت فرنسا فأمدتها سريعا بثلاثة آلاف من فرق المظلات، وسلحت البوليس وشددت الحراسة في المدن والقرى، حول الإدارات والجسور وغيرها، ثم ألقت القبض يوم الاثنين والثلاثاء، على جماعات مختلفة في عدة مدن.