الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دأبوا يصفون به ثوار المغرب العربي عامة، وثوار الجزائر بصفة خاصة، من أنهم لصوص، وقطاع طرق، وخارجون على القانون، وما أشبه ذلك من نعوت الإزدراء، وأن هؤلاء اللصوص، إنما هم شرذمة قليلة تافهة لا قيمة لها، وأما بقية الأمة وسوادها الأعظم، فهي في ألف خير تسبح بحمد حكامها المستعمرين، وتصلي عليهم قبل الصلاة على الأنبياء والمرسلين.
تهديد فرنسا يعطي نتائج معكوسة
ولا يزال الإفرنسيون حتى هذه الساعة، رغم الإجماع المنعقد على تسفيه زعمهم يؤكدون هذا الزعم، وبعد أن أنفقوا مئات الملايين من الفرنكات، وبعد أن اعتقلوا عشرات الألوف من خواص أبناء الأمة إرهابا للآخرين، من أجل أن يعثروا على جماعة مهما كانت تافهة الكم والكيف؟ تقول بأنها ضد الثورة، أو الثوار، فلم يعثروا على فرد واحد فضلا عن جماعة، بل الذي حصل هو العكس تماما، إذ كلما حاولوا حمل فرد أو جماعة، على أن ينكر عمل الثائرين، وضعوا عليه أو هددوه، حمل في اليوم الثاني بندقيته وما تيسر من الزاد، ثم التحق بأولئك الثائرين في الجبال، وجعل حياته تحت تصرفهم، لطرد المستعمرين. ولم يشذ عن ذلك رجال السياسة من متطرفين ومعتدلين.
وحتى أولئك الذين كانوا بالأمس القريب، يؤمنون بوجوب التعاون مع فرنسا، والارتباط إلى يوم الدين معها، لم يبق من هؤلاء من لا يهتف في ملاء من فرنسا نفسها، بحياة الثورة والثوار، والذي يجب أن يعرفه الناس، بمزيد من العناية عن ثورة الجزائر، أمران اثنان: الأمر الأول: أن الثائرين في الجزائر إنما هم جميع الجزائريين، لا فرق بين الكبار والصغار. والذكور والإناث، والأغنياء والفقراء. والعلماء والعوام، كما لم يفرق ظلم الفرنسيين بين هؤلاء جميعا.
وإنما تخصص فريق من أبطال شبابهم. بحمل السلاح فعلا، وبمواجهة المستعمرين بالقتال، وأولئك الأبطال المقاتلون، هم اليوم جيش الأمة الذي تفديه بكل ما تملك من نفس ونفيس، لا مزاح فيه، وهو استرداد سيادة البلاد واستقلالها، وأن هذه الثورة لن تنتهي إلا بتحقيق ما قامت من أجله أو بعد الاستشهاد في سبيله.
وبعد فعلى ضوء هذا الاستعراض. يستطيع القارئ أن يعرف أولا:
ناحية خطيرة من طباع الافرنسيين ويستطيع ثانيا: أن يحكم بمنطقه الخاص فيما إذا كان المقاتلون في الجزائر ثوارا أم لصوصا.
إلى ميسيو ادغار فور رئيس وزراء فرنسا.
الجزائر لا تريد إلا الاستقلال، والمغرب العربي لا يريد إلا الوحدة. وكل محاولة خارج هذه الحقيقة، هي تضييع للوقت، ومضاعفه لتعقيد الأمور، وتكبيد الخسائر في الدماء والأموال، وإنما للضغائن والأحقاد، أما إذا سارت الأمور في ذلك الطريق السوي، بصدق نية وسرعة، فإن مصالح فرنسا ومصالح جاليتها، يمكن أن تكون محفوظة بسخاء، ويمكن أن تقوم بعد ذلك صداقة بين البلدين
متينة، وتعاون واسع ممتاز، على قدم المساواة، أرجو تلاوة برقيتي على أعضاء الجمعية الوطنية مشكورين.
تلغراف باريس في 12/ 10/ 1955