الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هؤلاء بالأمر الرخيص الذي يستهان به، على أنكم إذا زهدتم في هذه الصداقة، فإن في العالم كثيرين يرغبون فيها أشد الرغبة. وأغلب الظن أن اشتراكيا شابا مثلكم، يعيش في عصر التكتل والصداقات والمنافسات الدولية، لا يمكن أن تفوته أهمية هذه الحقائق.
ولكن الذي أخشاه، ولا أخشى سواه، أن تلعب بكم دسائس المستعمرين الذين لا يطيقون الحياة من غير عبيد أحرار ومن غير المستعمرات. فهنا يمتحن شبابكم واشتراكيتكم، وتمتحن أمانة الأكثرين التي وكلها الشعب الفرنسي الحر للتخلص من وباء أولئك المجرمين السفاكين. وعلى كل حال فإن الفرص كلها في جانبكم، نرجو من أعماق قلوبنا أن توفقوا إلى حسن استعمالها، حتى تصفو القلوب وتتعاون الأيدي على البناء.
وإني يعد هذا الاستعراض أفرض أنكم قد سلمتم فعلا بمبادئ هذه المقدمة لأنها سليمة كل السلامة، ومن مصلحة الجميع، ولأني حتى الآن لا أزال حسن الظن بكم وبظروفكم، ولذلك أرجو أن تسمحوا لي بأن أضع بين أيدي حكومتكم هذه الحلول العلمية، التي أراها هي وحدها الكفيلة بحل مشكلة الجزائر والمغرب العربي، ليحل السلم محل الحرب، والصداقة محل العداء، ثم جعل حد حقيقي لتلك الدماء الغزيرة التي تراق على مذبح الشهوات الاستعمارية، ولتلك الأموال الطائلة التي تؤخذ من عرق جبين الشعب البرئ، ثم تنفق عبثا، ولذلك الحقد الذي ما فتئ ينمو بسرعة وخطورة في نفوس المظلومين.
مطالب الجزائريين من فرنسا
إن مطلب الجزائر وإن كان مختصرا جدا، لأنها لا ترضى اليوم بغير الاستقلال التام، ولكن بما أن كلمة الاستقلال مطاطة جدا، وإن الوضع في الجزائر يختلف عنه في جميع بلاد العالم، لأن فرنسا قد سلبت الجزائريين كل حرياتهم ابتداء من الأسفل إلى أعلى الأعلى، فإني أريد من الحكومة الحاضرة، إذا كانت صادقة النية، جادة في العمل، أن تعمد حالا إلى تحرير الجزائريين ابتداء من الأسفل فصاعدا حتى القمة،
ويمكن أن يتم ذلك بالمرسيم وبجرة قلم. ثم يتلو ذلك مباشرة حرية السيادة والاستقلال، تلك الحرية التي تحتاج فعلا إلى مفاوضات وإلى وقت وقد يكون طويلا، وقد يكون قصيرا، والراجح المعقول أن يكون طويلا، وإني أعلن نصيحتي لكم يا دولة الرئيس، وأنذركم في آن واحد، بأن الأمة الجزائرية عن بكرة أبيها لا يمكن أن تثق بأي حكومة فرنسية، لا تبادر أولا وقبل كل شيء إلى إزالة مظاهر الرق والاستعباد عليها. ولو أن هذه الحكومة قد قبلت فعلا بالاستقلال وأعلنته على الملأ. إذا كان مجرد ألفاظ خداعة لا يصحبها أبسط الدلائل. في عالم الأعمال.
لذلك أرى أن أضع بين أيديكم هذه الحلول العملية وأدعوكم إلى تنفيذها بصدق وجرأة، وإلا كان اليأس منكم ومن حكومتكم لا قدر الله، وإني أقسم هذه الحلول إلى سلبية وإيجابية، أبدأ بالحلول السلبية لأنها هي مظهر الرق عندنا ولأنها لا تكلفكم لا وقتا ولا مالا، فيجب أن تتخذوا فورا الإجراءات الآتية:
1 -
إلغاء ذلك الذي يسمى بالدستور الجزائري، وهو كما تعلمون دستور استعماري محض، لا ناقة للجزائريين فيه ولا جمل.
2 -
إلغاء المجلس الجزائري لأنه من بنات هذا الدستور، ولأنه سبة في تاريخ الديمقراطية الفرنسية.
3 -
إلغاء نظام جميع المجالس المحلية القديمة، من بلدية، وعملية، وغيرها، لأنه استعماري، مخجل لتاريخكم.
4 -
إلغاء الأحواز الممتزجة وجميع بقايا القانون الأهلي، لأنه لا يليق إلا بهمجية العصور المظلمة واستبدال حكام الأحواز والمحافظات الفرنسيين بحكام مسلمين.
5 -
إعلان حرية الدين الإسلامي، الذي شمله استعماركم منذ قرن وربع، خلافا للمبادئ الإنسانية منذ عرفت الحضارة حتى اليوم، وتسليم جميع شؤونه لأهله يتصرفون فيها كما يشاؤون من غير دخل فيه للغير من قريب أو بعيد.
6 -
إعلان مبدأ وجوب التعويض الكامل على جميع الأوقاف التي اغتصبها الاستعمار ظلما وعدوانا، واعتماد عدة مليارات من ميزانية فرنسا والجزائر حالا لتبتدئ بها عملها وزارة الأوقاف، أو مديرية الأوقاف التي يجب أن تنشأ حالا.
7 -
إعلان عفو عام على جميع المسجونين والمعتقلين والمبعدين السياسيين، من غير قيد ولا شرط.
8 -
إعلان حرية القول والاجتماع والنشر وتأسيس الهيئات.
9 -
إيقاف جميع العمليات الحربية والبوليسية حالا، وسحب كل القوات الزائدة على المعتاد إلى فرنسا وتسريحها.
هذه هي بعض الحلول السلبية السريعة التي أرى وجوب تنفيذها حالا من غير أدنى تردد، لتكون دليلا على حسن نيتكم وصدق جديتكم، وإلا فإن معنى ذلك أن الذي يمتنع عن دفع دينار من حقوق الغير، لا يمكن بحال أن يسمح بدفع المليون.
وأما الحلول الإيجابية فإني أجملها فيما يلي:
1 -
إعلان حق الجزائر في السيادة والاستقلال، وإقامة علاقات ودية تعاونية بين البلدين، تتفق عليها حكومات مفوضة ذات صلاحية رسمية.
2 -
تأسيس حكومة جزائرية حالا، على غرار الحكومة المراكشية بجميع الصلاحيات، ولا بأس أن يظل رئيس الدولة في فترة الانتقال هو الحاكم العام الفرنسي، حتى يتم انتخاب رئيس جمهورية جزائري، كما جرى في السودان.
3 -
اعتبار قيادة الثورة الآن هي وحدها، أو من تفوضه اللسان الرسمي للشعب الجزائري، وهي وحدها التي تستطيع أن تدخل في المفاوضات الأولية، حتى تتألف الحكومة الجزائرية فعلا، فتحل محلها، وأن يكون الاعتراف بالثورة كطرف شريف أمرا رسميا.