الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أيديهم، وكانت هذه الجزائر على اتساع رقعتها، وكثرة سكانها ليس فيها مدرسة واحدة، تملكها هذه الجمعية، وليس في نية مؤسسيها، ولا في قدرة الشعب يومئذ، ما يمكن من تأسيس هذا العدد الكبير، الموجود اليوم من المدارس العربية التي ترسل النور، وتنشر العربية وتبشر بالدين، وكانت الحكومة الاستعمارية يومئذ لا تأذن للمعلم أن يعلم القرآن الكريم، ولا مبادئ الإسلام البسيطة، إلا برخصة خاصة، إننا إذا رجعنا بالذلكرة أو الخيال إلى ذلك التاريخ وعشنا يوما أو ساعة في ذلك الزمان؛ وراجعنا ما كان بأيدينا يومئذ من مال، رأينا المحصول المالي السنوي، لآخر الدورة الإنتخابية في السنة الثالثة وهي لا تتجاوز عشرات الآلاف، وكذلك إذا راجعنا أوجه صرف تلك الأموال، وهي لا تعدو أن تكون محصورة، في سفرات الوفود، وجلسات الهيئة، ثم رأينا ما تملكه الجمعية اليوم من مدارس، ونوادي، وما أسسته من مساجد، ومشاريع ومعاهد، نجد أن البون شاسعا، والفرق بعيد، وهو بون يدهش حتى الذي يغرق في الخيال ويبالغ في التصور، ولكن هذه الدهشة لا تلبث أن تزول إذا عرفنا سبب هذا النجاح، وعلة هذا الفوز وهو الإخلاص في العمل.
جهاد الجمعية العلمي والتربوي
إخواني، لقد أثمرت الجمعية في هذه الحقيقة الماضية ثمارا طيبة وكثيرة، في جميع نواحي نشاطها وميادين أعمالها، فقد نظمت التعليم بإنشائها البرامج التي تساير التطور، وتتكيف حسب ما يتطلبه تقدم الوقت، من إلحاق لمادة، أو حذف لموجود، وبإختراعها الشهادة الإبتدائية، التي أعطت للتعليم العربي الحر، نوعا من الميزة والمواطنة لم يكن موجودا من قبل، واتصالها الدائم بالمعلمين، والهيئات المحلية، وبربط المعلمين بعضهم ببعض، حتى يتوحد الإتجاه والسيرة، وبتوجه المنشورات إليهم، كلما دعت الظروف إلى توجيههم وجهة جديدة وبتصفيف المعلمين صفوفا في إطارات حسب أهلياتهم ومعارفهم؛ ونظمت مركزها بالجرائر
تنظيما نافعا حكيما صالحا، فنمت المالية وضبطت، ووجد لها من الترتيب والحفظ والجمع، ما جعلها تبلغ في هذه السنة وحدها، مبلغا تضرب به الأمثال عند الهيئات الجزائرية؛ وجريدتنا البصائر، تكاد تكون أرقى صحيفة عربية في الشمال الإفريقي، في جميع نواحيها الصحفية، والمالية والأدبية. ومعهدنا بات في نظر العالم الإسلامي والعربي، أحد معاهد الإسلام والعلم والتربية، بما يلقنه لأبنائه من علوم، وما يحاول أن يصبغه به من فاضل الأخلاق، وما يريد أن يزودهم به، من صحيح العقيدة، وما رغب أن يحليهم به من عالي المبادئ، فانتشرت سمعته ونقلت الأحاديث الطيبة الذكر عنه في أطراف عالمنا، وتلاميذه مبثوثون في مدارس وجامعات وكليات الشرق. وتلك اتصالاتها بالهيئات الدينية والعلمية والإجتماعية، وبالشخصيات ذات الصيت الذائع في عالم الثقافة والإصلاح والعلم والأدب، وتلك رحلاتها وجولاتها في سبيل الجزائر ورفع مكانتها وتبليغ صوتها إلى أسماع الدنيا، وتلك وفودها التي تطوف داخل الوطن وخارج الوطن مؤسسة للفروع، داعية إلى التعليم، مرغبة في الخيرات، مذكرة بالصالحات، واصلة لما أمر الله به أن يوصل، رابطة للصلات بين الجزائر وبين الشعوب العربية بتلك الرحلة التي جال بها رئيس الجمعية جولته الشهيرة التي شملت باكستان، الكويت، العراق، الشام، الحجاز، مصر. تلك الشعوب التي تقبلت حكوماتها وشعوبها وهيئاتها بعثاتنا العلمية، وتولت تعليمهم والعناية بإعدادهم لمستقبلهم، وآخر هذه الوفود هو الوفد الذي مثل الجزائر في المغرب الأقصى، يوم أن نال المغرب استقلاله وعاد إليه سلطانه المعظم محمد بن يوسف.
وكان هذا يوم الذكرى لإعتلائه العرش المغربي، وقد خدم هذا الوفد الجزائر خدمة عظيمة، لها أنفع الآثار في مستقبل العلاقات بين الشعبين.