الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيتحد أبناء إفريقيا الشمالية رغم أنوف المستعمرين (8)
جريدة الموند الباريسية تضلل العالم - من هم القبائل؟ ..
نقلا عن الجرائد المصرية الكتلة والمصري والنذير
هي كلمات تبدو لأول وهلة قليلة متواضعة، بعث بها مراسل الأهرام الغراء في باريس يوم 17 - 9 - 1946 ولكنها في الحقيقة تنطوي على أخبث ما يذهب إليه المستعمرون الماكرون في الدس والتضليل، وأعني بالكلمات مقالا طويلا صيغ في قال تهميش نشرته جريدة (الموند) الباريسية وهي جريدة رأسمالية متعصبة تمثل كتلة اليمين العريقة في الاستعمار، الحقودة على العرب والمسلمين، وتكاد تكون الوارثة الشرعية (للمرحومة) جريدة (الطان) الشهيرة، ولخطورة الغرض الذي ترمي إليه (الموند) نورد ما به الحاجة من عباراتها ثم نغلق عليه بما يكشف المكيدة قال مراسل (الأهرام) الغراء.
نشرت جريدة (الموند) الباريسية المعروفة مقالا للمسيو موريس فير وعنوانه (في أروقة الجامعة العربية) قال فيه: (إن جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تضاعف مناوراتها ومساعيها وهي جبهة ثلاثية ألفت من الحزب الدستوري التونسي وحزب الشعب الجزائري وحزب الاستقلال المراكشي ثم قال: (إن الفضيل الورتلاني، السكرتير العام ليس عربيا بل هو من أبناء القبائل التي تعارض سيطرة العنصر العربي بكل قواها، وقد عهد إليه بهذا المنصب لإظهار تضامن إفريقيا الشمالية بمظهر أتم اتجاها لمقاومة الاستعمار).
ويعنينا من هذه الكلمات أمور:
أولا: بلغنا - والعهدة على الراوي - أن مراسل الجريدة مسيو موريس فير صهيوني من الطبقة الأولى، والصهيونيون يعرفون جيدا كيف يتغلغلون في
الأوساط الاستعمارية ليؤدوا رسالتهم الصهيونية الخاصة، وليشفوا غليلهم بالكيد للعرب والمسلمين من جهة أخرى.
ثانيا: قول الجريدة "أن جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية تضاعف مناوراتها ومساعيها" بعد أن جعلت العنوان (في أروقة الجامعة العربية) وتقصد الجريدة بذلك إثارة النواحي الفرنسية صاحبة المصلحة لمضاعفة مناوراتها ومساعيها هي الأخرى مع أرباب المصالح في هذا الشرق االمسكين، وهم - مع الأسف - موجودون، وكثيرا ما تؤثر فيهم دعاية الاستعمار فتبطل حماستهم نحن قضية إخوانهم في هذه البلاد المغربية.
ثالثا: قول الجريدة (وإنها جبهة ثلاثية ألفت من الحزب الدستوري التونسي وحزب الشعب الجزائري وحزب الاستقلال المراكشي، كلمات خطيرة مزعجة لا يقوى المستعمر على مجرد سماعها. بل كأني بالجريدة هنا واقفة على جمرة من النار تنبعث حرارتها إلى أطراف جسمها وأعماق نفسها وتنادي بالويل والثبور: أن أجمعوا أمركم أيها الفرنسيون على العدو المشترك فلقد أوشك أن يهتدي إلى الباب - الباب الذي اتفقنا على إيصاده في وجوههم بعرقنا وأموالنا ودمائنا، باب الوحدة والاتحاد.
واذكروا العهد المقدس الذي بينكم وبين أسلافكم الغازين الفاتحين أن تحتفظوا بهذا القطيع كالبقر الحلوب إلى يوم الدين، ولقد تواصى أسلافكم أبا عن جد إلا سيادة لكم على أمة عريقة من غير التفريق والتشتيت، لقد رضعتموها من ألبان أمهاتكم وتلقيتموها حتى من أطفال جارة من جاراتكم كلمة موحدة خالدة أن "فرق تسد" ما هذا الكلام الذي تسمعونه أيها الفرنسيون. وهل تنامون ملء الأجفان على ترديده؟ جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، الدستوريون، الشعبيون، الاستقلاليون وغيرهم من الأفراد والهيئات، كل أولئك يريدون أن يصيروا كتلة واحدة؟ أعوذ بالله! 30 مليون مغربي من دين واحد، ولغة واحدة، وأرض واحدة كل أولئك سيجتمعون عليكم؟ وأيما الحق أنها لإحدى الكبر، وإنه لمن العبث أن تنشغلوا بمؤتمر الصلح وبمجلس الأمن،
وبوضع الدستور، وتتركوا هذا السيل الجارف بتقوى بمرور الساعات فينهال عليكم بياتا وأنتم نائمون، أو ضحى وأنتم تلعبون.
هذا ما تريد (الموند) أن تنبه إليه الفرنسيين، وأن تسرع إلى إلقائه في روعهم حاثة على تدارك الأمر الخطير قبل الفوات، ولكنني على شبه يقين من أن (الموند) فاتها القطار، فسيخيب المغاربة ظنها، ويضعون نصب أعينهم مغزى هذه النصيحة الغالية التي يستمد المستعمرون منها بقاءهم أسيادا، نصيحة "فرق تسد" التي لم يبق لهم سواها من مجد السلف، وتراث يعضون عليه بالنواجذ، إذا لم يكن للمغاربة من دافع للتكتل والاتحاد سوى هذا الحرص الشديد، وذلك الاهتمام البالغ من حضرات السادة المستعمرين على تفريق شملهم، وتوهين قواهم، وتفريقهم على الأقاليم، ثم تفريقهم على الهيئات، ثم تفريقهم على المعسكرات في داخل الهيئات - يفعلون ذلك لأنه هو السلاح الوحيد الذي يمكنهم من حفظ سيادتهم مع تمكينهم من رقاب عبيدهم، إذا لم يكن للمغاربة سوى ذلك، لكفي إيغارا لصدورهم، أو استفزازا لنخوتهم أو باعثا لهم على التضحية بالأنانية مرتخص بل بكل مرتحض وغال في سبيل إتحادهم، وسيفعل المغاربة ذلك في أوسع صورة إن شاء الله، لأنه هو الطبيعي، ولأنه هو السلاح الوحيد للإبقاء على وجودهم فضلا عن حريتهم وعزهم. فخير إذن لجريدة (الموند) أن ينصح لأهلها بغير هذا من الحفول الطبيعية التي لا تخرج عن السماح للمغاربة بممارسة حريتهم واستقلالهم، وأتخرص بعد ذلك على مصالح فرنسا في صداقة أهلها عن إخلاص ما تشاء.
الأمر الرابع الذي يعنينا من عبارات الموند قولها: (إن الفضيل الورتلاني السكرتير العام ليس عربيا، بل هو من أبناء القبائل التي تعارض سيطرة العنصر العربي بكل قواها، وقد عهد إليه بهذا المنصب لإظهار تضامن إفريقيا الشمالية بمظهر أتم لمقاومة الاستعمار).
الحقيقة أن الفرنسي الكيس وخاصة المستعمر منهم، إذا أردت أن تخرجه عن كياسته، بل من عقله وصوابه أحيانا، استدرجه إلى الحديث عن مصالحه، وفي مقدمتها على مذهبه. وينسى عقول الناس وما لها من حق في وزن الأمور، ثم قبولها أو رفضها. ففي هذه العبارة الأخيرة (الموند) شواهد ناطقة على هذه العقلية التي نعرفها نحن من قديم.
أولا يقولون أن الفضيل الورتلاني ليس عربيا، وهذا الفضيل يعلمون علم اليقين أنه سليل محمد بن عبد الله سيد العرب أجمعين لأن عائلة الورتلاني مشهورة في أقطار المغرب جميعا بأنها مرجع في تصحيح أنساب الأشراف فضلا عن تمتعها بهذا النسب الكريم ولها من الفرنسيين أنفسهم امتيازات، بسبب هذا الاعتبار ويعلم الفرنسيون والناس جميعا أن تقاليد هذه الأسرة تغالي في المحافظة على نسبها حتى (الموند) أن تزعم أن الفضل الورتلاني ليس حتى عربيا فضلا عن كونه شريفا إنما تتساءل: هل تفعل الموند ذلك لوجه الله ولتصحيح الأنساب فقط! معاذ الله أن يكون غرضها بسيطا إلى هذا الحد إنما تريد أن توهم العالم أن في هذه البلاد عنصرين متنافرين: أحدهما عربي قاهر والآخر اسمه القبائل مقهور، وتريد أن تفهم الناس أن المقصود (بالقبائل) هم البربر. وأن العداوة والبغضاء قائمان على قدم وساق بينهما من قديم الزمان لشعوب البربر، بأن العرب قوم طارئون مغتصبون مسيطرون ويجب مقاومتهم ثم طردهم من البلاد، ويفهم ذلك صراحة من قولها "أن الفضيل الورتلاني السكرتير العام ليس عربيا بل هو من أبناء القبائل التي تعارض سيطرة العنصر العربي بكل قواها" لا يشك من يقرأ هذه العبارات ويصدقها أن المغرب عنصرا مسيطرا عليه وهم العرب، وعنصرا مسيطر وهم القبائل أو البربر. وأن هذا الأخير في حرب سجال مع الأول لا يخبو لها أوار، ويعلم الله ويعلم الفرنسيون وتعلم جريدة (الموند) المفترية لسان حال المستعمرين المضللين أن كل ذلك بهتان مبين لا وجود له حتى في مخيلة المستعمرين. أما الحقيقة التي ظلت وستظل قائمة إن شاء الله إلى يوم الدين فهي أن 30 مليونا من سكان المغرب اليوم كلهم مسلمون على
قلب رجل واحد في شعورهم الديني وعواطفهم التقليدية، وليس من بينهم نفران اثنان يشعر أحدهما بالسيادة والغلبة نحو الآخر والجميع يشعر أنهم عرب سواء أكان ذلك بالأصالة أم بفعل الاستعراب الذي تم بمرور الزمن والاختلاط ومن أمثال تضليل الفرنسيين للعالم أن جريدة (المارسيز) لسان حالهم في الشرق الأوسط زعمت عندما أذعنا نبأ قيام الثورة في الجزائر سنة 1943 وذكرنا بعض تفاصيلها وأن القتلى وحدهم يعدون بعشرات الألوف، زعمت يومئذ أن الذي يذيع هذه الأخبار الكاذبة رجل طريد هارب كان متصلا بالألمان وبالأمير شكيب أرسلان (وتعنيني أنا طبعا) ثم زعمت أن القائمين بالثورة هم القبائليون الذين يعطفون على النازية غضبا منهم على سقوطها وأما العرب فهم أصدقاؤنا ومتعاونون معنا ضد الثائرين.
والحقيقة أن هذه جرأة على الافتراء والتضليل لا يركن إليها إلا شديد الأعصاب الفاقد لعقله ولماء وجهه وكفى هذا لكثرة ترداد كلمة (القبائل) على ألسنة المستعمرين يجب أن أبين للقراء من هم القبائل في بلاد المغرب.
القبائل جمع القبيلة طبعا، وأهل المغرب قوم يسكنون الجبال، ولهم بعض التقاليد المشتقة من شدة بأسهم وأخشيشانهم وتماسك أفراد القبيلة فيهم، فمثلهم تقريبا كمثل أهل الصعيد بالضبط، عرفوا بالغيرة المتناهية والرجولة الكاملة والتدين الذي ينتهي في كثير من الأحيان إلى التعصب الشديد.
هذه القبائل أصلهم مزيج ممن كان أصلهم بربرا ثم امتزجوا بالعرب، ومنهم من أصلهم من العرب الأقحاح، ومنهم كثيرون من الأشراف الهاشميين وغاية ما بينهم وبين الناس هو نحو ما بين أهل الوجه البحري والصعايدة مع فارق بسيط وهو: أن القبائل في المغرب لهم إلى جانب اللغة العربية لغة خاصة اسمها (القبائل) هي مزيج من العربية واللغات القديمة لهذه الأوطان فالمسألة كما ترى مسألة بلاد وأقاليم، وليست مسألة أديان ومذاهب أو عناصر وأجناس ونحن إذ نقول هذا نتحدى الفرنسيين أن
يجروا استفتاء في هذه البلاد عما إذا كان واحد في المائة من سكانها يرغب في بقائهم أو كان واحد في المائة يرغب في أن تكون دولة غير مسلمة أو غير عربية.
فإذا عثروا على هذا الواحد نكون نحن معشر المطرودين الهاربين كما يسموننا - نكون نحن المغترين ويكون لهم حق البقاء والخلود في هذه البلاد وإلا فلنناد فيهم جريدة (الموند) أن استحوا واشفقوا على تاريخكم الثوري ومجدكم في وضع أسس الحرية والعدالة، ثم لا مانع بعد ذلك من أن تطلبوا السعادة لبلادكم من طريقها النبيل. وستجدوننا يومئذ أول الأصدقاء - وخير الأوفياء.
وآخر ما يعنينا من كلام (الموند) هذه العبارة "وقد عهدوا إليه - أي الفضيل بهذا المنصب - السكرتير - لإظهار تضامن إفريقيا الشمالية بمظهر أتم اتجاها لمقاومة الاستعمار" مرحى أيها الموند وأيم الحق أنه ليس أحب إلى نفسي منذ أدركني الرشد وذفت مر الاستعمار من أن أكون مظهرا للتضامن في سبيل مقاومة الاستعمار سواء أكنت بعد ذلك عربيا من سلالة محمد سيد العرب كما هو الواقع، أو كنت غير ذلك بما تريد الموفد أن أكون وأخيرا، أرجو أن تبلغي أسيادك الطغاة أيتها الموفد أن هذا المغرب العربي يجمع أنظاره قد خلقه الله وحدة كاملة، وأتم الله عليه نعمة هذه الوحدة بجمعه على دين واحد ولغة واحدة وظلم واحد فسنتحد ونتحد رغم أنف المبطلين، ونصيحتي الخالصة أن تعملوا على جعل هذا الإتحاد لكم لا عليكم. وسيأتي أمر الله لا محالة {فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} غافر:78.
جريدة الإخوان 12 - 10 - 1946
سكرتير جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية
الفضيل الورتلاني