الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حملة رسالة الإسلام الأول من العرب كانوا بدورهم يؤمنون بأن دينهم لا يفرق بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، من هناك شاع التزاوج بين العرب والبربر، وابتدأ منذ الفتح، وظل يتسع نطاقه حتى يوم الناس هذا، وقد مضى أربعة عشر قرنا على هذا التلقيح، لا يقف في طريقه واقف.
لا بربر في المغرب العربي
ولا يزال أهل المغرب العربي حتى اليوم، يسمون الأشراف، ذوي النسب المحمدي مرابطين، وكانوا قبل الحركة الإصلاحية للدين - وسنتحدث عنها في المستقبل - يجعلون لأولئك المرابطين منزلة ممتازة، قد يغلون فيها حتى يعطوهم ما لا يليق إلا لله أو لرسوله، ثم أحب البربر اللغة العربية، حب تقديس، لأنها في نظرهم لغة السماء ولسان الخالق، الذي خاطب به عباده والذي يناجونه به في كل صباح ومساء يرجون رحمته، ويخشمون عذابه، لذلك ما تعب العرب الأولون في نشر العربية بينهم، بل كان البربر هم الساعين إلى حفظها والمسارعين إلى تعميمها، حتى أصبحت بعد قليل أو كثير هي وحدها اللغة الرسمية، وأنها لغة الدولة والشعب معا، ولم يكن لها أي شريك يزاحمها، ثم كانت هجرة بني هلال وبني سالم، الجماعية أيام الفاطميين في مصر، هي الموجة الكبرى، التي عم فيها التعريب في الجزائر خاصة، وفي بلاد المغرب عامة، حتى أن بعض المؤرخين يقولون بهذا الصدد ردا على من كان يسمى ببني هلال مخربين، إنما كانوا معربين ولم يكونوا مخربين. وهذا حق لا مرية فيه. والخلاصة في أمر سكان المغرب العربي أنهم قد أصبحوا اليوم بحكم الدين واللغة والإختلاط العنصري. مسلمين عربا. ولا شيء سوى ذلك. وليس هنالك أي جماعة تسمى نفسها بربرا وتطالب بوضع خاص. أو حقوق معينة. كأقلية. أو أكثرية. أو ما أشبه ذلك. أما هذه الضجه التي يسمعها الناس من بعيد، عن البربر وعن الظهير البربري مثلا. فإنما هي من صنع المستعمرين وخبثهم
ليس إلا. والدليل القاطع على صدق ما نقول: أننا نتحدى المستعمرين أنفسهم أن يعثروا لنا على شخص واحد فضلا عن جماعة. أو قبيلة في الغرب العربي، تقول عن نفسها مختارة إنها بربرية. وتطالب بوضع خاص لها. بل الذي أعرفه أنا وأراهن عليه أنك لو قلت لمغربي: يا بربري. لقاتلك بحماس. لأن هذه النسبة يعدها إهانة له. إنما الذي يجب أن يعرفه الناس بهذا الصدد. حتى لا يلتبس عليهم الأمر عند اختلاف التعبير. أو عند قصد التضليل. هو وجود سكان قرى الجبال وأعاليها. وسكان المدن والسهول. فالأولون يتميزون بالشجاعة والخشونة مثلا. وأنهم يرطنون بلغة محلية. هي خليط من اللغات القديمة ومن اللغات العربية نفسها. أما لغتهم الرسمية فهي العربية طبعا. وسكان المدن والسهول. يتميزون بالثقافة من جهة. وبما تستلزمه الحضارة من رقة ولين عيش وما أشبه ذلك من جهة أخرى. ولا يسمى سكان الجبال بربرا. وإنما يسمون في الجزائر بالقبائل، جمع قبيلة. وتسمى لغتهم المحلية بالقبائلية. ويسمى هؤلاء في مراكش بالشلوح. وتسمى لغتهم المحلية بالشلحة. وسكان هذه الجبال فيهم كثرة من الأشراف المنتسبين إلى الدوحة النبوية. ولم تمنعهم هذه النسبة من أن يكونوا من القبائل أو من الشلوح. الأمر الذي يدل دلالة قطعية على أن القبائلية والشلحية. إنما هي نسبة إقليمية. وليست عنصرية، كما لم تمنعهم هذه النسبة من أن يكون فيهم مجاهدون صادقون. وخونة مارقون. فمن الصنف الأول الذي ينسب إلى الرسول العربي، من جهة العروبة، وإلى الشلوح من جهة إقليمية، بطل الريف المجاهد الأمير عبد الكريم الخطابي. ومن الصنف الثاني الذي ينتسب أيضا إلى العروبة من جهة، وإلى الشلوح من جهة أخرى التهامي الجلاوي، الرجل الذي أصبح بالدعاية الفرنسية زعيم البربر، وقائدهم الأكبر، أما مقدار صحة نسبة هذين الاثنين إلى الرسول العربي، فليس من شأني ولا من شأن القارئ. إنما هو من شأن من يدعيها. والناس مصدقون في أنسابهم.
جريدة بيروت عدد 5333