الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل ذلك أو أكثر من ذلك، انهر زملاء لأبو علي، في الهند وفي الباكستان وفي أمريكا الجنوبية، وفي كثير من بقاع الأرض الأخرى، والحق أن في ما فعله نهر أبو علي وزملاؤه كل الخير، وكل الفضل، لقوم يعقلون ويعتبرون، لأنه بما فعل إنما يذكر الغافلين العاتين بجبروت ربهم، ويعلمهم الحاجة إلى رضاه وإلى رحمته، ولكن الناس كعادتهم أساؤوا إلى نهر أبو علي أشد الإساءة، فوجهوا إليه أقصى العتاب، وصبوا عليه أشنع اللعنات ظلما وعدوانا، ولو كانت أحكام الأرض قائمة على العدل والمنطق، لكان الناس هم أحق بالعتب واللعن، إذ ما ذنب أبو علي أيها الناس؟ لو أردتم أن تجعلوا من نقمته رحمة، ومن شره خيرا ومن غضبه رضاء، لكان ذلك كله في متناول أيديكم، فما نهر أبو علي إلا كغيره من مخلوقات الله المسخرة للإنسان إن شاء وجهها إلى الخير، وإن شاء أهملها، أو وجهها إلى الشر، وحتى المخلوقات التي تعيش في داخل منزلك، وفي داخل جيبك، هي مثل نهر أبو علي تماما، في خضوعها لتسخير الإنسان، ولو أنك أطلقت الغاز، الذي يكمن في بطارية منزلكم لاختنقتم جميعا، ولو وجهت رأس السكين الذي في جيبك إلى صدرك وقلبك، لكان في ذلك حتفك، وهلم جرا، ولكن المفروض، أن هذه المخلوقات جميعا، إنما هي نعم حينما نستعمل عقولنا في استغلالها، ومن حقها أن تتحول إلى نقم ضدنا، إذا كفرنا بنعمة العقل، وعطلنا طاقتها، وعلى كل حال، جزى الله نهر أبو علي خيرا فلقد أيقظ الضمير الإنساني، الذي كان نائما ونبه العقل الجبار، الذي كان غافلا، فما أحوج الناس إلى يقظة الضمير وإلى صحو العقل، ولعله من المكافأة المتواضعة لنهر أبو علي أن نجعله ثاني الليطاني وليس ذلك عليه بكثير.
ضحايا طرابلس بالمئات وأما الجزائر فهم بالآلاف
هذه هي قصة الفيحاء وهذه أدوار أبو علي معها، وتلك كانت عظاته مع الناس وماذا كان شأن الجزائر المسكينة التي نكبت بمخلوق، ما عرف مثله تاريخ النكبات، هذا المخلوق الشاذ الذي يسميه الناس فرنسا، عاشت في الجزائر قرنا وربع قرن سجلت
أثناءها كل ما حواه قاموس الشر من أسماء، وما تخلل صفحاتها سطر من الخير فيما نعلم، ولو على سبيل التجربة، لقد كان نهر فرنسا واسعا عميقا، دائم التدفق، ولكنه كله شر لا خير فيه، وكله نقمة لا نعمة فيه وكله عذاب لا رحمة فيه، فكأن منبعه من الجحيم، بينما كان نهر أبو علي، يطل على الفيحاء كالعملاق، ينشر حولها الخيرات والبركات، على اختلاف أنواعها منذ آلاف السنين، فما تخلف عن آداء وظيفته الإنسانية يوما ولا أمسك عليهم من رحمته، ورغم أن الناس تجاهلوه، وجحدوا فضله، فما قال له أحد أحسنت، ولا جزاك الله خيرا، كما فعلوا مع الليطاني مثلا، ورغم ذلك كله فإنه لم يفقد حلمه، كما فقده حاكم الجزائر من قبل فرنسا، حين رأى أن ثلاثمائة ألف جندي ممن يقاتلون تحت إمرته، ويفتكون بالجزائريين العزل، فتك الوحوش، إنما هم عدد غير كاف، فطلب مددا من باريس على جناح السرعة من ستين ألفا أخرى، ليبطش باسم الحضارة الغربية وباسم حقوق الإنسان بطشته الكبرى، هذا وإذا بلغت الضحايا في طرابلس مئات فقد بلغت في الجزائر عشرات الآلاف، وإذا كانت الكارثة في طرابلس بشعة، لأن السيول قد فاجأت الناس ليلا، فإن سيول الجنود الفرنسية الحاقدة في الجزائر، إنما تفاجئ الناس بالويل والثبور، في كل من الليل والنهار، وإذا كانت سيول أبو علي، مجنونة لأنها لم تفرق بين الكبير والصغير، والصحيح والمريض، فإن جنود الاستعمار الفرنسي في الجزائر لا تقع إلا على المستضعفين فيهم من النساء والولدان، والشيوخ والمرضى، ثم لا يرضيهم أن يريحوا ضحاياهم، بإزهاق أرواحها على طريقة أبو علي السريعة، ولكنهم وقد فقدوا إحساس الإنسان لا يلذ لهم إلا تعذيب الإنسان، وبعد فإن الفرق بين كارثة طرابلس، وكارثة الجزائر شاسع جدا كالفرق بين رحمة نهر أبو علي وبين حقد المستعمرين الفرنسيين أما أبرز الفروق بين الكارثتين فإن طرابلس قد بكاها وواسها جميع الناس، حتى الفرنسيون، وأما الجزائر فلم يبكيها ولم يواسيها إلا الأقل من القليل.