الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاؤه لإخوانه وتلامذته
كانت واجبات هذه الرحلة العامة التي استغرقت ستة أو سبعة أشهر جديرة بأن تستغرق أطراف المعمورة، ولكن وفاء الرجل لكل ذي حق عليه وهمته وطاقته الفذة جعله على اتصال دائم بكل هؤلاء، فلقد كان في هذه الرحلة يكتب إلي الرسائل دائما، وكنت أعلم أنه كان يكتب لعشرات مثلي في الشرق والغرب بل كان يبعث بواسطتي مقالات ذات أهمية كبرى، لبعض الصحف ننشرها تحت أسماء مستعارة.
رحلته إلى الشرق:
لم يكد الورتلاني يأخذ بعض راحته بعد عودته من أوروبا إلى لبنان، حتى استأنف الرحلة إلى الشرق. هذه الرحلة من الكويت فإيران فالسعودية فالبحرين فالباكستان فالهند فالباكستان الشرقية فبورما فسيام فالملايو فسنغافورة فأندونيسيا. وكان له في تلك البلاد أعمال نافعة وآثار عظيمة، وصلات مع أهلها حكوميين وشعبيين كريمة، فحاضر وخطب ووجه ونصح، وعاد في طريقه مارا بأكثر هذه البلاد للمرة الثانية، وكانت له أعمال ومساعي مثلما كان له في الأولى، وكان في أكثر هذه البلاد ضيفا على حكوماتها، مكرما وحرا وناصحا صريحا عفيفا لا يقبل عطاء ولا هدية من عظيم مهما علت منزلته. وحضر في أثناء هذه الرحلة، ثلاث مؤتمرات إسلامية عالمية وانتخب عضوا أساسيا فيها جميعا، أحدها المؤتمر الإسلامي العالمي، والثاني مؤتمر علماء الإسلام، والثالث مؤتمر الشعوب الإسلامية، وانتدبه الأولان انتدابا رسميا في رحلة عالمية عامة، وقام بجزء كبير منها.
أعماله في لبنان:
إن لبنان بلد صغير ضيق، وكبير واسع في آن واحد، فهو في حجمه وعدد سكانه، صغير وضيق، ولكنه في موقعه ومركزه كبير وواسع ففي بيروت يلتقي أهل الأرض جميعا في كل يوم، فمنهم القادم للتجارة، ومنهم القادم للإصطياف والإشتاء ومنهم القادم لأعمال سياسية، ومنهم القادم للهو وما أشبه ذلك، حتى أنهم ليزعمون أن الجاسوسية العالمية، بحمد الله الذي لا يحمد على
مكروه سواه، متركزة في لبنان، وزاد في رغبة الناس لزيارة لبنان، هذه التسهيلات الواسعة في المواصلات الجوية والبحرية والمحلية، وحرية النقد والتجارة وحرية الدخول والخروج من غير إجراءات أو إجراءات خفيفة عادية، ووجود مثل الورتلاني في لبنان يجعله بحكم هذه الظروف الدولية كأنه موجود في قلب العالم، يستطيع أن يتصل بجميع أطرافه من غير الانتقال إليها، ولا سيما في موسم الاصطياف، ولقد كنت أنا الشاهد كيف يتابع أخبار الداخلين والخارجين، والمارين من المسؤولين ليلا حقهم ويتصل بهم، ويبلغهم رسالة وطنه، وينبههم إلى واجباتهم الخطيرة نحوه. وكثيرا ما كنت أصحبه أنا بنفسي، وأنقله في سيارتي الخاصة، وأشاهد كيف يكون الدفاع على الأوطان، وكيف يكون التأثير والإقناع، وكيف يكون الصبر والجرأة والاحتمال، يجتمعون في وقت واحد. ونجد الورتلاني بجانب هذه الأعمال العامة المرهقة يستقبل العدد العديد من ذوي الحاجات الشخصية، من لبنانيين وأغراب، هذا طالب علم أو يزعم أنه طالب علم، وصل من المغرب ليس معه إلا لا إله إلا الله. فيجب على الورتلاني أن ينظر في أمره، وهذا مجاهد هارب من وجه العدالة الفرنسية، محكوم عليه أو مطارد، يجب أن يبحث على راحته، وهذا لبناني له حاجة في ناحية حكومية أو غير حكومية، يريد أن يقوم الورتلاني بحلها، وهذا مسافر إلى مصر أو العراق أو إلى الواق الواق، يريد من الورتلاني أن يزوده بتوصية لأهلها. وهذه رسائل وصلت من أنحاء المعمورة يجب الرد عليها، وهذه صحف ومجلات ذات مشارب مختلفة، يجب الإطلاع عليها، وهذه أضاليل في تلك الصحف عن بلاده، يجب التعليق عليها، وهلم جرا، والحق أنها دوامة خطيرة، يجب على الراحمين أن يرحموه، والراحمون يرحمهم الرحمن. وأنا أكرر نصيحتي، واقتراحي بأن يأخذ إجازة راحة، رغم عنف الظروف في وطنه ولو لمدة قليلة.