الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول حقد الفرنسيين على العرب (5)
والحرص عل امتهانهم وإذلالهم واغتصاب أراضيهم
وتقتيل شبابهم .. وسجن أحرارهم
حضرة السفير المحترم:
أرجو أن تكون خطاباتي السابقة قد نالت ما تستحق من عنايتكم وأنها رفعت إلى الحكومة بباريس مرفقة بما يجب عليكم من النصائح وأرجو أن تكون روح الجمهورية الرابعة قد ودعت جزءا كبيرا من الروح الاستعبادية العتيقة وأنها فطنت إلى خطورة مواصلة السير على تلك الأساليب الشيطانية المنكرة. وأن لفظ الإنسان الذي ورد في عقد حقوق الإنسان سليل الثورة الفرنسية المجيدة يشمل الإفريقي والآسيوي كما يشمل الأوروبي بالضبط حتى لو أتى عليه زمن حشرته القوة الغاشمة فيه في صفوف الحيوان فإنه اليوم يعيش في عصر القنبلة الذرية لا بد أن يأخذ مكانه في صفوف البشر وإلا فيوشك أن تنفجر على الجميع وتهلك الحرث والنسل والمصيبة إذا عمت هانت وبعد فإني أوثر في هذا الخطاب أن أقدم لكم نموذجا صغيرا مما يقول الناس عنكم وخاصة ما يقوله عنكم الجيل الحديد فقد أذاع حزب البعث السوري منشورا جاء تحت عنوان "العرب وفرنسا" ما يأتي:
إن نظرة العرب إلى فرنسا لتختلف عن نظرتهم إلى أية دولة إستعمارية أخرى. فلدول مصالح دفعتها إلى الاعتداء على حقوق العرب وإلحاق الأضرار بهم بأشكال وأساليب بلغت في كثير من الأحيان أقصى حدود القسوة والأنانية والاستهتار البشع. ولكن فرنسا تحمل للعرب حقدا موروثا فكانت اعتداءاتها المجرمة المتعددة عليهم لا تصدر عن طمع وابتغاء المصلحة فحسب، بل تمتزج
أعمق الامتزاج بروح الانتقام والتشفي، وتظهر بأفظع أشكال الإذلال والامتهان، وبسياسة ترمي إلى إفناء العرب وتحويل أرضهم بتراثها المجيد وخيراتها العميقة أرضا فرنسية صرفة، وهذا يفسر كيف أن سياسة فرنسا مع العرب، سواء أكان ذلك قبل قرن وبعض القرن في الجزائر ثم في تونس ومراكش، أم في سوريا ولبنان منذ احتلالها لهما، لم تتبدل الظروف والمصالح، لأن المحرك الحقيقي لتلك السياسة كان دائما ذلك الكره العاطفي والتصميم النهائي على اعتبار العرب عدو يجب أن يزول إما بالفرنسية وإما بالموت.
وها هي فرنسا قد مضى على احتلالها الجزائر أكثر من قرن امتصت خلاله ثروة الأرض العربية فيها حتى آخر قطرة، وسخرت لخدمتها السكان في حروبها والدفاع عن مصالحها، ومع ذلك فما كادت تخرج من تحت وطأة الاحتلال الأجنبي في نهاية هذه الحرب حتى كان أول ما خطر لها أن تعمله في حياة السلم الجديدة أنها صبت النيران على عشرات الألوف من عرب الجزائر العزل فأمنت قرى وقبائل دون أي مبرر أو سبب يستوجب مثل هذه الفظائع. وها هي فرنسا التي بلاها العرب في سوريا ولبنان طوال ربع قرن وابتلوا بها تنتظر فرصة إعلان السلم العالمي لتؤيد عهدها الذي قطعته لسوريا بالاستقلال بارتكاب فظائع وأهوال ضج باستنكارها العالم قاطبة. وهي لا تزال حتى هذه الساعة وبالرغم من التجارب الأليمة ومن فشل سياستها المفضوحة المرة تلو الأخرة تصر على طلب امتيازات ونفوذ وسيطرة في سوريا ولبنان، وتسخر كل ما بيدها من حيلة وكل ما لمركزها السياسي في أوروبا من إغراق لإستمالة إنكلترا إلى مساعدتها في نيل مآربها من هذين البلدين العربيين، علاوة على أن موقفها العدائي من الجامعة العربية وعزلها عرب المغرب عن الانضمام إلى تلك الجامعة، وسعيها الحثيث، لإحباط كل ما يسير بالمغرب نحو وحدتهم ونهضتهم هو أمر لا يحتاج أن يقوم عليه دليل.
ثم قال المنشور
إن شمال إفريقيا قد بقي بمعزل عن مؤتمرات دول العالم وقراراتها ولم يشمله أي نوع من أنواع الحلول الدولية، فقد بقيت فرنسا فيه تمارس سياستها في محق المعنويات والإفقار والإذلال والتقتيل والتشريد والفصل بين السكان وبين مقومات وجودهم اللغوية والبيئية والتاريخية ورغم هذا فالعالم المتمدن والدول التي تدعي أنها دخلت هذه الحرب دفاعا عن حرية الشعوب تلتفت إلى ما يجري هناك من مظالم وجرائم ومخالفات لأبسط الحقوق الطبيعية التي يجب أن يتمتع بها البشر فالعرب لا يعدون أن تغيرا قد طرأ على العالم من حيث تحقيق المبادئ السامية ونشر الحرية في عالم يعطي لهذه البلاد العربية حقوقها من استقلال وحرية وسيادة، وما لم تجل القوات الفرنسية عنها لتتمكن هذه البلاد من تنظيم شؤونها ولم شتاتها وإعادة الحياة إليها بالتعاون مع الأقطار العربية وبالانتماء الرسمي إلى الجامعة العربية، والدول الكبرى والعالم المتمدن مدعوون، إذا كانوا حقا يريدون السلام الدائم إلى معالجة هذه المشكلة وصون حقوق العرب.
وهذا الذي يشعر به حزب البعث في سوريا هو بالذات ما يشعر به شباب العرب والإسلام في جميع أقطار الدنيا وهل تظنون أن عداوة 450 مليون عن التفاهة بحيث لا يؤيه لهم ولا يقام لهم وزن؟ إن ظننتم ذلك فقد أسرفتم في الضلال وضيعتم الأجيال من أبنائكم فاللهم اشهد أنني نصحت وأختتم كلمتي اليوم بنصيحة أخرى لو وفقكم الله إلى وزنها والمبادرة إلى العمل بها تحدثون انقلابا كبيرا في عواطف الناس جميعا ذلك هو أن تطلقوا فورا سراح أولئك العشرات الألوف المعذبين من المعتقلين والمسجونين وأن تصدروا عفوا عاما على المحكوم عليهم بالإعدام ظلما وعدوانا ثم تطلقوا الحريات من عقالها للعرب كما فعلتم مع الفرنسيين والفرنسيات والله ولي التوفيق.
مصر الفتاة 5 صفر 1365 - 9 يناير 1946