الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما المفاوضات، فالواقع كانت تتصل وتنقطع طيلة السنين السبع.
وأكثر الإيطاليون من إرسال المندوبين والمفاوضين إلى السيد عمر، ولم تكن هذه المفاوضات تسفر عن شيء بل كانت تقطعها دائما غضبة من السيد عمر، لكلمة أو إشارة تصدر عن المفاوض الإيطالي، يفهم منها معنى التعالي والازدراء.
وسعى إليه المارشال بادوليو، مرة بنفسه، والتقى الطرفان في سيدي رحومة، بين جمع من المشايخ العرب وقواد الإيطاليين، واتفقوا على شروط حملها معه بادوليو ليحصل على موافقة حكومته عليها.
وذهب باديليو ولم يعد، فأرسل السيد عمر مندوبا من قبله، هو الحسن بن رضا السنوسي، فعاد إليه الحسن يحمل شروطا ظنها ترضي المختار، إذ تعهدت له فيها الحكومة الإيطالية، بمعاش قدره خمسين ألف فرنك في الشهر، وبناء بيت ومسجد ومأذنة، فلما اطلع السيد عمر على هذه الشروط، قال للحسن: غروك يا بني بمتاع الدنيا الفانية ورضيت بهذه الشروط المزرية.
وبعد زمن أغارت الطائرات الإيطالية، على الجبل الأخضر، تقذفه يالقنابل .. مكان قض الهدنة، وأذاع المختار منشورا يعلن فيه استئناف الثورة.
المستميت لا يموت
حين خرج المارشال باديليو من عند المختار قال عنه: إنه رجل مرتاح الضمير، قرير العين بما هو فيه.
عاش المختار هذه السنين الحالكة في هدوء نفس وراحة ضمير، وهو بهذا الهدوء وهذه الراحة، كان يقود ثلاثة آلاف من قومه بأسلحة بدائية، ضد ثلاثين ألفا من الأعداء، وكان أبناؤه يقتلون، فيرسل إلى المعمعة أحفاده، وكان أعداؤه
يحيطون به ويمنعون عنه كل طعام أو سلاح، فلا يزيده الجوع أو العري إلا قوة وإصرارا، وكان هو الشيخ الذي قارب الثمانين، لا يترك سلاحه ما دام هناك قتال، ويقذف بنفسه في مقدمة الصفوف، ويتبعه الأحرار، فلا يلبث شمل الأعداء أن يذهب بددا، وكان يصيبه المرض أحيانا، وتشتد به الحمى والقتال ناشب، فيربط نفسه إلى جواده بالحبال حتى لا يقع، وينطلق إلى الساحة مستميتا فلا يموت.
وآية صفاته، أنه كان يخرج بين رجاله في دوريات مسلحة، كأي جندي بسيط، تطوف بالأرض الحرام، وتشتبك مع من تصادف من الأعداء، وكان آخر خروج له في 17 سبتمبر 1921، فبينما كان يسير مع رجاله، إذ فوجئ بفرق إيطالية تحيط به من كل جانب، وكانت خطة مدبرة، ودارت رحى القتال الأخير، وقاتل عمر المختار قتال الأبطال، وأصابت إحدى الطلقات جواده فخر صريعا، وسقط المختار من فوقه على وجهه، وهو يريد أن ينهض فرأته ثلة من الجند الإيطاليين فتكاثروا عليه وأسروه.
وفي اليوم التالي، أجريت له محاكمة سريعة، وقال البلاغ الإيطالي: أنه اعترف بجميع التهم التي وجهت إليه، ترى ما هي هذه التهم؟ ..
أنه كان يدافع عن وطنه ضد العدوان، وأنه ضحى بأبنائه وأحفاده في سبيل حرية الوطن، وأنه فضل الموت على الضيم.
نعم لقد كانت هذه تهمه، وقد اعترف بها جميعا، فصدر الحكم بالإعدام.
وجمع الطليان في الصحراء جمعا كبيرا من العرب الأسرى
…
علقوا في الفضاء مشنقة لفوا حبلها حول عنق الشيخ الشهيد.
وسقط الجسد الفاني على الرمل بلا حياة، وصعدت الروح النبيلة، في طريقها إلى الجنة