الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقترح أن يكون الإضراب في ذلك اليوم عاما في جميع الأقطار العربية وأن تصدر الجرائد بافتتاحيات على شؤون هذه البلاد وأن تجمع الهيئات في دورها وأنديها لتنظيم الاحتجاجات ضد عدوان الفرنسيين فيها وأن تنظر في طريقة جديدة لمقاطعتهم عند اللزوم وأن تؤلف لجنة لجمع اكتتابات تواسي بها منكويي الثورات في تلك البلاد ثم نهيب بالحكومات العربية من جديد على تحديد موقفها من هذه البلاد الشقيقة من الدولة الفرنسية الظالمة بالصراحة والوضوح. نذكر هذا على سبيل المثال والتفاصيل تدرسها الهيئات عند اجتماعها. أما واجبنا الأساسي في هذا النداء هو أن نلج على المسؤولين لإقامة هذا اليوم الخالد "يوم إفريقيا الشمالية المجاهدة" وأن نؤكد لهم بأن أثره عند إخوانهم في المغرب سيكون عظيما وفوق ما يظنون إن شاء الله وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
12 ذو الحجة سنة 1365
6 نوفمبر سنة 1946
وحشية الفرنسيين في إفريقيا الشمالية (11)
وبطولة العرب المجاهدين في سبيل حريتهم
لقد تواترت الأخبار بما لا يدع مجالا للشك بأن الفرنسيين في إفريقيا الشمالية عامة وفي الجزائر خاصة يعملون بكل وجيه لأحد غرضين إما إذابة ثلاثين مليونا في الجنسية الفرنسية وسلخهم من القومية العربية وإما إبادتهم بأقسى الوسائل وأسرعها فلقد استعملوا كل أنواع الأسلحة للوصول إلى أحد هذين الغرضين بعدما زجوا بكل الزعماء في السجون والمعتقلات وبعد ما منعوا صدور أي نوع من أنواع المطبوعات، وبعدما حلوا جميع الهيئات، وبعدما أشاعوا الإرهاب في جميع الأفراد والجماعات، ثم بعد ذلك كله مدوا أيديهم
إلى ما بيد الأهالي من الأقوات فانتزعوها منهم ليقتلوهم جوعا أو يذلوهم فينزلوا عن إرادتهم ويرضوا مكرهين بالمسخ والفرنسية التي أرادوا لهم.
لقد احتمل أولئك العرب الأمجاد كل هذه المحن وقبلوا كل تحد بالحديد والنار في الثورات الدموية الخطرة استمساكا بمطالبتهم بالحرية والاستقلال محتفظين بقوميتهم العربية الإسلامية كاملة غير منقوصة.
لقد قتل في الثورة الجزائرية الأخيرة وحدها على أصح الروايات 36 ألفا من العرب وقبض على ما يزيد على 60 ألفا تحت المحاكمة وحكم على المئات فعلا بالإعدام ونفذ الإعدام في بعضهم وأرجئ في البعض الآخر كل ذلك على سبيل الإرهاب لعل هذا الشعب العنيد تلين قناته فيشتري حياته بالتنازل عن قوميته وكرامته فيتقبل الجنسية الفرنسية وينال الحرية البيضاء ولكنه لم يزده هذا الإرهاب المبيت وهذه الوحشية المهلكة إلا مبالغة في الإباء وزيادة في العناد الشريف وعدم الرضا إلا بالحرية الحمراء التي تحفظ له قوميته وكرامته، ولو على أشلاء الرجال والنساء والشبان والأطفال، ولو على أنقاض المدن وخرائب القرى.
لله دره من شعب جبار! ما أجدره بنخوة العرب وعزة الإسلام، وما أحقه بالمجد والخلود.
والغريب المدهش أن تحيط بهذا الشعب كل هذه المحن ويغرق في كل هذا البلاء، وهو أعزل لا يملك إلا الإيمان بالله والثقة بالنفس ثم تجده واقفا على رجليه لا يرتعش ثابتا في مكانه وعلى مبدئه لا يطيش. بينما تقف فرنسا الجبارة أمامه يساندها أسطولها في البحر، وطائراتها وقنابلها في الجو، وجيوشها ودباباتها ومدافعها في البر ومليون من المدنيين مسلحين معهم السلطان والمال ثم تقف بكل ذلك أمامه حائرة ترتعد.
ويصور هذه الحقيقة تصريح رسمي لرجل مسؤول يمثل الحكومة الفرنسية وهو عضو في مجلس نوابها ومكلف من قبلها للتعرف على أحوال سكان هذه البلاد
النفسية. ثم رفع تقرير لها بما وصل إليه بحثه من حقائق. واسمعوا تصريحه بنصه كما جاء في جريدة المصري يوم 22 - 9 - 45 لمراسلها الخاص من لندن.
قال لا فض فوه "تقول البرقيات الصادرة من باريس أن مسيو كالدر العضو عن شمال إفريقيا في حركة الرخاء العام الفرنسية قد تحدث عن حالة التوتر في الجزائر وقال أن اضطرابات خطيرة قد تحدث في أي لحظة ما لم تطلق الحكومة الفرنسية حالا سراح ثلاثين ألف عربي معتقلين أو في انتظار المحاكمة لميولهم الوطنية أو محاولتهم تأليف إنحيازات وطنية.
وقال كالدر أنه عندما غادر الجزائر أخيرا أصدر البوليس الفرنسي منشورا إلى الأوروبيين في مناطق عديدة أبلغهم فيه وجوب إعطاء إشارة للطائرات حال الشعور بالخطر معنى ذلك أن كل محرض بإمكانه أن يحدث اضطرابات.
هذا تصريح الرجل الفرنسي المسؤول الذي أنشأنا من أجله هذا المقال فما الذي يؤخذ منه؟
أولا - إن هذه البلاد أصبحت بركانا من الوطنية الصادقة. فهي تغلي كلها كالمرجل رغم الاضطهاد الوحشي الذي لم يعرف التاريخ مثله حتى في العصور المظلمة.
ثانيا - أنه يعترف بأن ثلاثين ألفا من خيرة رجال البلد معتقلول.
ثالثا - يعترف بأن سبب اعتقالهم هو ميولهم الوطنية.
رابعا - أن فرنسا بعد كل الذي قامت به من أعمال الإرهاب والتشريد والتشتيت والإبادة والإفناء
…
بعد ذلك كله لا تزال ترتعد فرائصها خوفا من أولئك الأسود المكبلين وذلك يؤخذ من اقتراح مسيو كالدر على الحكومة لإطلاق سراج ثلاثين ألف معتقل لا لوجه الله بل لأن اضطرابات خطيرة قد تحدث في أية لحظة، وأن كل محرض يمكن
أن يحدث هذه الاضطرابات وبلغ بهم الرعب إلى أن أصدروا منشورا للمدنيين الأوروبيين وهم قرابة مليون ليتعاونوا مع الطيران في حالة الخطر الداهم.
ونحن نقترح على الفرنسيين بنصيحة واحدة إذا أرادوا أن ينقلب خوفهم أمنا وأن يزول الخطر المحدق. فعليهم أن يكفوا عن هذه الأساليب الوحشية وأن يتخلصوا من شرذمة المستعمرين المتفرنسين، وأن يقفوا أمام العرب وجها لوجه يسلمون لهم حريتهم، ويطلبون ودهم وصداقتهم، والتعاون معهم إلى أقصى حدود التعاون وفي ذلك خير للجميع.
هذا عن الجزائر وأما عن مراكش فإننا نكتفي بإيراد ما أبرق به مراسل المصري الخاص من طنجة، ففيه أبلغ تصوير للحقيقة المرة هناك.
قال المراسل "تقاسي مراكش اليوم من أهوال الاستعمار ما لم تقاسيه أية أمة أخرى، فمناطقها الثلاثة المشمولة بالحمايتين الفرنسية والإسبانية، تخضع لنظام جائر، ولم تجب السلطات أي طلب من طلبات الحركات الوطنية منذ نهضت هذه البلاد تطالب بحقوقها من نحو عشرين سنة مضت، وهي لا تعير هذه المطالب أدنى إلتفات. فمعظم الطبقة المثقفة معتقلة منذ أوائل سنة 1944، والزعماء المعتقلون من أوائل سنة 1944، والصحف العربية معطلة كلها، والأحزاب والجمعيات قد حلت جميعا، وأساليب الإرهاب منتشرة في كل مكان.
وتكتسح مراكش اليوم موجة من خيبة الأمل بعد أن آمن شعبها بميثاق الأطلنطي، وجعل قضية الديمقراطية قضيته، وبعد أن حارب أبناؤه في ميادين القتال الإفريقية والأوروبية.