الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الطيران، فدمرت 40 قرية وأهلكت جميع من فيها، وهذا الحادث وقع في منطقة واحدة ما بين قسنطينة وعنابة فقط، وهو واحد من العشرات أو المئات.
ولما قرأت هذا التقرير قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة، ثم قلت: تسقط الديمقراطية الفرنسية، وتحيا الثورة الجزائرية والمغربية، وبعد، أفتستحق هذه الدولة المسخرة لمئتي أسرة استغلالية، أفتستحق صداقة الأحرار، إذا لم تتب سريعا.
أما إذا تابت توبة نصوحا، وعادت إلى المبادئ التي نقشتها على نقودها، الأخوة، الحرية، العدالة، حينئذ سنكون نحن أول من يهتف بحياتها وصداقتها.
جريدة بيروت المساء عدد 1831 وجريدة المنار
محنة اللغة العربية في الجزائر
جريدة بيروت المساء بالمنار الدمشقية،
اللغة هي مظهر كرامة الأمة، وعنوان بقائها! ..
إن اللغة مظهر مقدس من مظاهر كرامة الأمة، التي تحترم نفسها، وعنوان من عناوين مجدها ووجودها. ولا يجوز أن يقل اعتبار اللغة في مجال الكرامة، عن اعتبار العلم "والببرق" أو تعبير النشيد الوطني، الذي يعاقب القانون والعرف، من لا يقوم له إجلالا عند سماعه.
واللغة العربية ليست لغة الجزائريين وحدهم، وإنما هي لغة الأمة العربية كافة، وعنوان كرامتها ووجودها، فمن أهانها إنما يهين العرب أجمعين، هذا هو المنطق يوم كان للمنطق سلطان، وعلى هذا الأساس، أتحدث اليوم إلى العرب عما أصاب لغتهم من ازدراء وإهانة في عقر دارها بالجرائر، وما ألحقه الفرنسيون بها في أرضها، وللغة في نظري عرض كما للأشخاص أو أشد وإليك القصة باختصار:
احتل الفرنسيون الجزائر عام 1830 فوجدوا أهلها يدينون بالإسلام، ويتكلمون بالعربية، ويقدسونها منذ اثنتي عشر قرنا ونيف، فعز على المستعمرين أن يكون لهذه الأمة مقدسات، أو مقومات حياة، لأنهم بيتوا قتلها وإفناءها، أو مسخها على الأقل، فرأوا أن يصوبوا أول ضربة حازمة إلى اللغة، مظهر كرامة الأمة وعنوان بقائها، فأصدروا قانونا يجعل اللغة الفرنسية في الجزائر هي اللغة الرسمية وحدها، وصيروها لغة المدرسة ابتداء من روضة الأطفال، إلى الصفوف العالية في الجامعة، وجعلوها لغة المعاملة العامة، ابتداء من مختار الحارة حتى تنتهي إلى الحاكم العام، وهذا أمر قد يسهل تصديقه، إنما الذي يعز - ولا شك على القارئ، تصديقه هو أن الفرنسيين الديمقراطيين، قد أصدروا قانونا آخر يعتبرون اللغة العربية بين أهلها لغة أجنبية، وهذا ما حصل بالذات، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى اصطناع كل أنواع الإهانات لها، فكل مدرسة أهلية للعربية، إذا سمح بفتحها، إنما تخضع لقانون الصحف الأجنبية، وإذا كتبت أنت إلى صديق لك رسالة في الجزائر، وجعلت العنوان بالعربية إنما ترمى في سلة المهملات ثم إن السماح بفتح المدارس للعربية إنما هو محض افتراض، وإلا فإن فتح مدرسة لتعليم اللغة العربية في الجزائر، كان ولا يزال في نظر الفرنسيين، أخطر من فتح محششة يدار فيها الأفيون والكوكايين وبقية السموم، فلقد شهدت المحاكم في الجزائر مناظر مخجلة يساق فيها معلم العربية في موكب اللصوص والقتلة والمجرمين، لمحاكمتهم على صعيد واحد، وقد تنال رحمة القضاة الفرنسيين، بعض القتلة واللصوص، ولكن ما جربت يوما أن تنال معلم اللغة العربية أبدا، وعلى كل حال، فإنه لا يحسن بي أن أفارق القارئ العربي قبل تطمينه على لغته ومظهر كرامته، فأؤكد أنها اليوم بحمد الله في ألف خير. لأن أهل الجزائر قد داسوا تلك القوانين الحقيرة بأقدامهم، واستهانوا بكل تعذيب يصيبهم في سبيلها. فرحبوا بالسجون والغرامات وبكل مؤلم من أجل لغتهم، فما زالوا كذلك حتى عجزت بربرية الاستعمار، أمام إرادة الجزائريين الجبارة، فسكتت مرغمة، ولو كانت قوانينها لا تزال نظريا قائمة، لكنها غير منفذة.