الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى مجاهد العروبة والإسلام
في استانبول
قال حضرته بعد كلام يخاطب فيه صاحب الجريدة:
والأمر الثاني الذي يهمني يا سيدي، فيما نشرته جريدتكم، هو ما يتعلق بالمجاهد الإسلامي الكبير الأستاذ الفضيل الورتلاني فلقد كان ما نشرته صحيفتكم من أخباره السارة، ونصائحه الغالية، التي كان يسديها لملككم الراحل، رحمه الله وما كانت تحمله عباراتكم من معاني وفاء أهل اليمن لفضله وإخلاصه، كل ذلك كان بردا وسلاما على قلوب ثلاثين مليونا من أبناء المغرب العربي. لأن الرجل، كان دائما ولا يزال، مفخرة هذه البلاد في علمه الواسع، وحنكته وتجاربه العميقة، كل ذلك يوجه عمل مستمر لا ملل فيه، وإخلاص لا تشوبه شائبة، وتضحية هي مضرب الأمثال.
فلقد كان يملأ اعظم الفراغ في هذه البلاد، في جميع الميادين العلمية والتربوية والسياسية، حتى ضاق الاستعمار به زرعا، ونصب له عشرات المكائد للإيقاع بحريته أو حياته، وظل يكافح ويبطل، بفضل إخلاصه وحكمته، كل مكائد الاستعمار، حتى أوشكت الحرب الماضية أن تندلع، وصار قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في شباك هلاكهم، فسلمه الله وسلك به طريقا إلى ذلكم الشرق العزيز، فكان من جهاده هناك، للعروبة والإسلام، ما تعرفونه أنتم أكثر منا، حتى إذا وقعت حوادث اليمن، وجدها المستعمرون المتربصون فرصة لأذيته، فسخروا وكالات الأنباء، والإذاعات الرسمية، والصحف المأجورة، في سبيل النيل من سمعته، ولكن كان مثله كمثل الشمس في كبد السماء، يرجمها جمع من الأطفال بطائفة من الحجارة، وما هم بواصلين إليها.
ولقد كان للزعيم الورتالاني، أعظم جهاد في هذه البلاد الأوروبية وفي هذه
العاصمة الفرنسية بالذات، حتى أنك لتشعر في أيامه وأنت في باريس، كأنك في إحدى كبار عواصم الشرق، من حيث الجو الإسلامي والعربي، وكان لي شرف مصاحبته في تلك الفترة الكريمة، وكان لي عمل متواضع معه، ففي باريس وحدها فتح الورتلاني خمسة عشر، ناديا، يتردد على كل واحد منها، آلاف من أبناء المسلمين، يتلقون الدروس، ويسمعون المحاضرات، ويؤدون فروض العبادة، ويحيون تعاليم الإسلام وفضائل العروبة، ويكافحون الاستعمار وكانت هذه الأندية مثابة لكل شرقي ينزل في هذه البلاد الأوروبية، وإني أذكر تلك الاجتماعات العمومية التي كان يخطب فيها على الآلاف المؤلفة من المسلمين، جمع كبير من رجال الإسلام، على اختلاف أوطانهم، وأذكر بالضبط ليلة تكلم فيها ثمانية عشر خطيبا، كل واحد منهم على قطر خاص، فمن مصري إلى عراقي إلى جزائري إلى هندي إلى ألباني وهلم جرا، وإني في هذه الكلمة العاجلة، غير قاصد ولا قادر البتة، أن أسرد ولو مجرد رؤوس أقلام، لجهاد الورتلاني، وإنما عاطفة السرور، دفعتني إلى مناجاة روحه الطاهرة بهذه الكلمة المتواضعة، وأن أتوجه إليه في مقره باستانبول، بتحياتي وتحيات ثلاثين مليونا من أبناء المغرب العربي، راجيا باسمهم جميعا وملحا في الرجاء، أن يعيد النظر في أمر إقامته باستانبول فإن بلاد المغرب العربي أحوج ما تكون إلى شخصيته الكريمة في مثل هذه الظروف الدقيقة، التي يتقرر فيها مصير الأجيال من أبنائها الأبرار، وإلى أن يتقرر لديه هذا، وتتشرف البلاد بعودته نرجو له أطيب الإقامة في استانبول، عاصمة السلاطين العظام.
باريس - الوائل محمد الصغير
سكرتير جمعية التهذيب في فرنسا