الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجليل السيد إدريس السنوسي؟ الجواب بسيط الذي دعا الجنرال ودعاني سبب واحد، من جانبه هو الانتصار لمبدأ الاستعمار ومن جانبي هو مقاومة ذلك المبدأ وبعبارة أدل أن الجنرال يريد أن يبقى الاستعمار في الدنيا إلى الأبد لتبقى له إفريقيا الشمالية إلى الأبد، وأنا أريد أن يرتفع الاستعمار في الدنيا إلى غير عودة ليزول الاستعمار عن الناس جميعا من ضمنهم عرب إفريقيا الشمالية، وأكبر الظن أن الزبد سيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
مصر الفتاة 12 صفر سنة 1365
إفريقيا الشمالية والجنرال سبيرس (7)
العرب أمة واحدة يريدون الوحدة والاستقلال
عن الجرائد المصرية الكتلة والإخوان والنذير
يعلم القراء جميعا أن الجنرال سبيرس ممثل بريطانيا في سوريا ولبنان سابقا يزور البلاد العربية في هذه الأيام، ونزل أول ما نزل في مصر ضيفا على الجامعة العربية، وأقامت له الجامعة حفله شاي فخمة في فندق هليو بوليس بالاس، حضرها مئات من زعماء العرب وعظمائهم وكنت من المدعوين لهذه الحفلة وعند وصول الجنرال قدموني إليه كسكرتير لجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية فصافحني مصافحة حارة ضغط فيها على يدي ضغطة شديدة وطويلة، يستطيع المرء أن يفهم منها كل ما يريد، وفهمت منها أنا أنها تحية خاصة لثلاثين مليونا من عرب المغرب العربي المتحفزين لتصفية الحساب. ثم قال لي الجنرال: إن في إفريقيا الشمالية مشاكل كثيرة. فقلت له: حقا أن مشاكل إفريقيا الشمالية كثيرة وأن أصدقاؤها - مع الأسف - من الأوروبيين قليلون. فأطرق الجنرال قليلا ثم رفع رأسه فقال:
يجب عليكم يا أحبابنا أن تتحاملوا الآلام، ويجب أن تخلقوا الأصدقاء. فقلت له لقد تحملنا طول حياتنا الآلام، ونتحملها دائما، وسنخلق الأصدقاء إن شاء الله.
لقد كانت هذه الوقفة خاطفة لم تشف الغليل مع رسول بريطانيا وصديق العرب. وكانت الجبهة عقدت العزم على لقائه في وفد كبير للتحدث إليه طويلا عن قضية هذه البلاد ومحنتها الخطيرة. ولكنه بادر بالسفر إلى سوريا قبل أن يتم هذا اللقاء. من أجل ذلك نريد أن نلاحقه بهذه الكلمة تسجيلا لتلك المقابلة الخاطفة وشكرا له على تعرضه بخير لقضيتنا مرتين اثنتين إحداهما في مجلس العموم، والثانية في حديث له بجريدة التيمس. وإن كنا قد أرسلنا إليه في كلتا المناسبتين برقية شكر رقيقة، وتذكيرا للجنرال بأن العروبة التي يريد أن يصادقها اليوم إنما هي أمة واحدة متماسكة أشد التماسك تبتدئ حدودها من الأطلنطي حيث وضع ميثاق الحرية، وتنتهي في خليج البصرة، ويوجد عند هذه البداية بلد عربي اسمه مراكش وبعد مراكش مباشرة الجزائر وتونس وليبيا، كل أولئك من خواص العرب يريدون حرية ويريدون استقلالا، كشقيقتهن سوريا ولبنان، ونريد من الجنرال أن يدفع عن نفسه ما قد أشيع من انتصاره للشقيقتين سوريا ولبنان كان مجرد تنفيذ لخطة رسمت له من لندن، قضت بها مصلحة الإمبراطورية فقط، ولم يكن بدافع ذاتي أملاه حب العدل والحرية، وإذا أراد أن يدفع هذه التهمة فليس في الأدلة أقوى وأقطع في دفعها من انتصاره لقضية إفريقيا الشمالية انتصارا قويا سافرا، ونحن لا ننكر بعد ذلك على الجنرال أن يتفانى في خدمة وطنه وعظمة أمته ما دام الشعور الإنساني العام متغلبا عليه، بل نعتقد أنه قادر إذ أراد وأرادت لندن أن تجمع بين الأمرين - لأنه من الإنسانية أن ينتصر هو ودولته لقضية العرب أينما كانت، وفي المقدمة عرب إفريقيا الشمالية المجاهدون، ولأنه من مصلحة بريطانيا نفسها أن تفعل ذلك.
فالعرب اليوم قد استيقظوا فعلا، وتنادوا فيما بينهم: أن حي على التحرر السريع الكامل وتجاوب النداء بينهم جميعا، ولن يعودوا إلى النوم والسكون أبدا فمن مصلحة بريطانيا إذن بالتأكيد أن تصادقهم بإخلاص.
ذلك لأن دنيا اليوم تأبى أن يكون في عالم السياسة وسط بين الصداقة والعداوة وإذا كتب لكم التوفيق وفعلتم ذلك فستجدون في العرب - كما هو العهد بهم دائما - أكثر الناس تقديرا لمصالحكم، وأوفى الناس لصداقتكم، وإذا أراد الجنرال أن يتم ذلك على يده فالفرصة سانحة له هو بالذات ليكرس إذن جهده على إقناع ذوي الشأن في لندن بأن العرب أصبحوا في شعورهم وإيمانهم فعلا أمة واحدة، وأنهم مستعدون لصداقه إنكلترا على شرط حريتهم ووحدتهم وأنهم مستعدون فعلا في الوقت نفسه لبذل كل مجهود في سبيل هذه الحرية وهذه الوحدة.
فإذا تم للجنرال هذا الإقناع، وهو ما يجب أن يكون، أسر ذلك في إذن بعض المسؤولين "أولا" بتسوية قضية فلسطين من غير أي تسويف أو مغالطة "ثانيا" بتسوية قضية إفريقيا الشمالية كما فعلتم في سوريا ولبنان بالضبط، إذ ليس بين البلدين أي فرق ما عدا الفلسفة الاستعمارية التي نريد أن نطرحها في هذه المرة جانبا. ثم أنصح للجنرال، وأنصح له في إلحاح، أن يقدروا شعور العرب نحن سماحة المفتي الأكبر، فإنه اليوم في نظر العرب رمز الجهاد والإخلاص. وأؤكد للجنرال أن هذا الشعور نحو هذا الرجل هو في المغرب أقوى منه في المشرق وأرجو في الختام أن يضع الجنرال هذه الكلمة المتواضعة ضمن أوراقه الكثيرة التي سيعود بها إلى لندن، لنذكره عند الحاجة أن في المغرب عربا كما أن في المشرق عربا وهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وأنهم يريدون جميعا أن يتحدوا وأن يتكتلوا ولن تكون صداقتهم لأحد مستقيمة ومضمونة إلا على هذا الأساس.
مصر الفتاة 17 صفر 1365