الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي بداية هذا الأسبوع، كان يبدو أن موليه قد تراجع، أمام القائلين بأن القوة والقوة وحدها، هي السبيل العملي للاحتفاظ بالسيطرة على الموقف في الجزائر، وهذا بطبيعة الحال، قد يكون صحيحا لفترة قصيرة. ولكن التجربة المرة التي عرفتها فرنسا، قد دلتها على أن القوة لم تستطع أن تحقق شيئا مذكورا في سبيل وقف تيار الوطنية الصاعد في شمالي إفريقيا.
توضيحات، وتعليقات
…
لا بد منها
لا يمكن للقارئ العادي أن يخرج من مثل هذا الاستعراض، بفكرة نظيفة، ما لم نوضح له أكثر من حقيقة واحدة، وما لم نعلق على أكثر من رأي واحد، وقبل ذلك كله، نريد أن نذكر بأن الأمريكان، هم الذين يقولون بأن الكذب، هو من أعظم المؤهلات الصحفية، وللتدليل على ذلك، وللترويح على القارئ معا، نروي هذه القصة الطريفة، قالت الصحف:
زار مصر أخيرا "روبرت كروميك" صاحب جريدة "شيكاغو تريبون" ومن ألطف فكاهات الصحفية التي رواها قال: جاءني صحفي شاب، يرجو أن أعينه في "شيكاغو تريبون" فسألته: أوتجيد الكذب؟ قال أعتقد أنه بوسعي أن أتدرب على إجادته، قلت إذن إذهب وتدرب أولا، ثم عد إلي بعد حدقه.
ويعقب الصحفي الأمريكي الكبير، على ذلك قائلا: لست أعدو الواقع، إذا قلت أن الكذب أصبح من مؤهلات الصحافة الأمريكية، وهذا الذي يذهب إليه الصحفي الأمريكي، حقيقة لا يختلف فيها اثنان، وحقيقة أخرى، هي أن الكذب لها سوق تجارية، ترتفع فيها الأسعار وتنزل، تبعا لقاعدة العرض والطلب، وشأن الكذب في ذلك، كشأن جميع البضائع التي تتداولها أيدي التجار، والذي يعرف خليط المستعمرين في الجزائر، يعلم ولا شك، أنهم أسخى خلق الله، في البذل على الكذب،
فما تركوا رئيسا، ولا وزيرا، ولا نائبا، ولا زعيما، ولا صحفيا، في فرنسا وفي غير فرنسا، ومن كل أرض لهم فيها مصلحة، إلا وساوموه، وأغلوا الثمن في شراء ذمته، وقد وقع في فخهم عدد كبير من كبار الرجال، فصنعوا منهم أكبر الكذابين.
ولقد علمنا، نحن الجزائريين، الذين أجبرتنا رذالتهم، إلى ملاحقة مؤامراتهم في السر والعلن، بأنهم اعتمدوا عشرات الملايين من الفرنكات، لشراء الذمم في هيئة الأمم المتحدة، حتى لا يؤيدوا حق الجزائريين البائسين ضدهم، ومعنى ذلك أنهم يشترون أو يحاولون شراء دولا في شخص وفودها وممثليها.
وتدل الظواهر والقرائن على أنهم حتى في هذا الميدان العالي، قد نجحوا في كثير من الأحيان، ولا يستغربن القارئ من هذه المحاولات الجبارة، ومن هذا البذل الواسع، فإن هؤلاء المستعمرين، ذوي النفوس الحقيرة، إنما هم تجار ماكرون ماهرون، فقدوا معاني الإنسانية، والشرف في سبيل الربح غير الحلال، فإذا أنفقوا عشرات الآلاف في سبيل الإبقاء على سلطانهم، في الجزائر، فإن هذا السلطان هو نفسه، يضمن لهم مئات الملايين على حساب أولئك المستضعفين من الجزائريين، ونحن نقصد من وراء هذه الفذلكة، أن يعرف القارئ أن كل ما تنشره الصحف الأوروبية والأمريكية وفي بعض الصحف الشرقية، إنما هو بضاعة واقعة دائما، أو في كثير من الأحيان، تحت تأثير هذا العامل الجبار، أعني البيع والشراء ومع ذلك فما تخلو أعمدة هذه الصحف من حقائق، ولو كانت مصحوبة بشيء من الغموض المقصود أو غير المقصود.
وهذا المقال الذي بين أيدينا "للنيوزويك" الأمريكية هو من هذا القبيل، لما فيه من حقائق، ولما فيه من غموض.
ولنشرح إذن هذه الحقائق، ولنوضح ذلك الغموض، أن الحقيقة الأولى والكبرى، هي أن الوطنيين الجزائريين لا يريدون حقا إجراء انتخابات في وطنهم على النحو الذي يريده الاستعمار، والذي لا يقبله إلا من هان على نفسه أو عير الحي والوتد، والغريب في حكام فرنسا الجريئين على الكذب، والدجل، وفي
مقدمتهم الاشتراكي الشاب الرئيس "جين مولييه" أنهم يعلنون في كل مناسبة، وفي غير مناسبة، وفي معرض المن والوعود الكريمة الديمقراطية، السخية، بأنهم مستعدون لإجراء انتخابات حرة في الجزائر إذا وضع الثوار أسلحتهم، واستسلموا للسلطات الاستعمارية، من غير قيد ولا شرط.
سبحانك ربي، ما أوقح هؤلاء الحكام وما أصغر هذه النفوس التي ترضى موضع سخرية الأطفال، في الجزائر، وفي غير الجزائر، وما أجرأهم على التضليل، وعلى الهذيان.
الواقع أن القارئ العادي، الخالي الذهن، حينما يقرأ أو يستمع إلى تصريحات الحكام الفرنسيين، وإلى نداءاتهم المتكررة، التي يوجهونها إلى الثوار، يظن، بل يعتقد حتما، أن أمنية الجزائريين الكبرى التي قامت من أجلها الثورة، هي إجراء انتخابات حرة فيها، مع أن الحقيقة الخالدة التي يعرفها حكام فرنسا المفترون، قبل أي أحد من الناس، هي أن أبغض شيء إلى الجزائريين عامة، وإلى الثوار بصفة خاصة، هو هذه الانتخابات السافلة التي يعرضها عليهم حكام فرنسا، كهدية ثمينة، وترضية لهم كريمة، والعلة في ثورة الجزائريين على هذه الانتخابات، معروفة فيهم عند الخاص والعام، فهي إلى جانب كونها لم تسلم ولا يمكن أن تسلم مرة واحدة من التزوير الفاضح، فهي قائمة على قواعد استعمارية وقحة، سلبتها كل هيئة الانتخابات، من المعاني الكريمة ويكفي أن يعلم القارئ، أن أكبر هيئة انتخابية في الجزائر هي ما يسمونه المجلس الجزائري وعدد أعضاء هذا المجلس (120) عضوا لكن نصفهم يمثل ثمانمائة ألفا من المستعمرين الأوروبيتين، والنصف الآخر يمثل أحد عشر مليونا من أبناء الوطن العربي المسلمين.
أما المجالس المحلية، من بلدية ومديرية وغيرها، فهي أسوء من ذلك بكثير، لأن الجزائريين فيها، لا يمثلون أكثر من الثلث. وإذا علمت إلى جانب ذلك، بأن جهاز الإدارة التي تجري الانتخابات في الجزائر، هو كله من المتفرنسين، ابتداء من البواب، والبوليس العادي، إلى أن تصل إلى الحاكم العام، ثم إذا علمت مع ذلك أن أولئك المستعمرين، يملكون أكثر من نصف ثروة الجزائر، يستطيعون أن يشتروا بأموالهم أرفع الذمم.
إذا علمت كل ذلك، استطعت أن تفهم، وتقتنع بأن ثورة الجزائر، إنما قامت لأجل أن تقضي على هذا النوع من الانتخابات الملعونة، بل على هذا الضرب من الإهانات، التي تنزل بكرامة الأمة العريقة، إلى مستوى العبيد. ومع ذلك كله تسمع حكام فرنسا، في كل موقف كريم، وفي كل دعوة إلى السلام، يجعلون أسخى عروضهم، على الجزائريين، هي هذه الانتخابات السخيفة.
الحقيقة أن الذي يعرف الأوضاع في الجزائر كما هي، ثم يسمع عروض أولئك الحكام، ولم يكن يملك ثلاجة يضع فيها أعصابه، فإنه لا يسعه إلا أن يخرج عن وقاره، ولربما يخرج عن آداب دينه، فيسب ويلعن
…
ولقد أعلنا مئات المرات، أن الانتخابات التي يؤيدها الجزائريون في وطنهم، وأمتهم، ويقاتلون من أجلها، حتى النصر أو الفناء. إنما هي مثل انتخابات الفرنسيين في وطنهم وأمتهم، سواء بسواء.
تلك الانتخابات التي سبقنا إلى المطالبة بها، ويسبقونا إلى الثورات، والقتال، وإعدام ملوكهم، من أجل الحصول عليها، وهم ما يزالون يباهون، ويفتخرون، حتى اليوم بتلك الفعال كلها.
فهل يليق بكرامتهم، وأمجادهم، وتاريخهم، أو هل يليق بمنطق الذي يحتكم إليه الناس، أن يلوحوا علينا إذ قلنا لهم:
نحن على آثاركم مقتدون، وعلى طريقتكم المفضلة سائرون، وعلى كل حال، فليعلم الفرنسيون أننا، والله العالي القهار، لنقاتلن كل من يقف في طريقنا هذه التي سبقتمونا إلى سلوكها، ولو كان الواقف فيها، من أعز الناس لدينا، ولو كان من ملوكنا وعظمائنا.
فكيف لو كان من جلادينا، وممن لا يريدوا أن يعترفوا لنا بحق اشتريناه بدمائنا.
نعم اشتريناه بدمائنا - رغم كونه حقا طبيعيا لنا - يوم قدمنا مئات الآلاف من زهرة شبابنا، ليحققوا لكم النصر، في حربين عالميتين، لم تكونوا فيهما شيئا معتبرا راجحا لولا
قوى الجزائريين وبلاؤهم، أن تظنون، أنه ما يزال في الإمكان، أن تظل هذه القوى إلى جانبكم، وحريتهم مسلوبة، وغدركم بهم، واحتقاركم لهم، سنن دائمة خالدة .. ؟ كلا يا سادة، إذا لم تريدوا أن تعقلوا جيدا، وتفكروا في مصلحتكم الحقيقية البعيدة، فإنكم ستجدوننا أمام الدفاع عن كياننا أجن من المجانين بإذن الله، ولن يبقى يومئذ في الدنيا حرام نمتنع عن استعماله ضد وحشيتكم واستعبادكم والله المستعان.
الحقيقة الثانية: إن محاولة إدماج الجزائر في فرنسا، لن يؤدي حقا إلا إلى استمرار الحرب لمدة أطول، لأن هذه المحاولة، مخالفة لكل القواعد التي تسير عليها الطبيعة، وتسير عليها البشرية في حياتها، فجمع الليل مع النهار، ودمج بعضها في بعض آخر تأباه قوانين الطبيعة، ومحاولته عبث يتنزه عنه حتى الأطفال، وكذلك دمج أمتين في بعضهما ولم يكن يجمع بينهما في الأصول، ولا فيما تعاشرا فيه من أعوام، سوى ما يجمع بين الذئب والحمل، وبين الأضداد من الأشياء، والحياة البشرية الكريمة تأبى كذلك، أن تتألف شركة بين أفراد من الناس، يكون فريقا منها عبيدا، وفريق آخر سادة، ومما يحسن توضيحه هنا، وهو يبعث على الضحك والبكاء في آن واحد، هو أن الفرنسيين، وخاصة حكامهم وزعماؤهم، ملأوا أجواء الفضاء ادعاء وصراخا بأن الجزائر فرنسية، وأن أهلها فرنسيون، وأنه لا تعتريهم حالة من الهستيريا، حينما يأبى عاقل أن يصدقهم في ذلك، حتى لو كان هذا العاقل، هو مجلس هيئة الأمم المتحدة بجلالة قدره، فلقد انسحب وفدهم من المجلس فعلا، احتجاجا على قبوله النظر في قضية الجزائر، على اعتبار أنها شيء آخر غير فرنسا. ومع ذلك كله، لا يخجل هؤلاء الحكام البرابرة، أن يواجهوا الدنيا في الوقت نفسه، بقوانين يسنونها، وأنظمة يضعونها خاصة بالجزائريين دون الفرنسيين ولم تكن مألوفة حتى العصور الحجرية. وإذا كان الفرنسيون لا يملون في تكرار الكذب والافتراء، فإنه من حقنا، ومن حق القارئ علينا، أن نكرر قول الحق والواقع.
هذا الحق وهذا الواقع يا حضرة القارئ، هو أن هذا الجزائري، الذي يزعم الفرنسيون في غير حياء، أنه فرنسي، لا تسمح له القوانين الفرنسية، أن يكون موظفا إداريا، فوق
رتبة مختار، أو عمدة، ولا موظفا قضائيا فوق رتبة باش كاتب، ولا موظفا عسكريا فوق رتبة رئيس، ولا يجوز أن يكون ضابطا بوليسيا، فضلا عن رئيس ومعاون رئيس، ولا تسمح له القوانين الديمقراطية الفرنسية، أن يكون رئيس بلدية ولا نائبا أولا.
والجزائري، هذا الذي يقولون عنه أنه فرنسي. فإنه محروم من كل ما يتمتع به الفرنسي الأوروبي الأصل، من مزايا اقتصادية مع الحكومة والبنوك وغيرها، وقد علمت موقف القانون الفرنسي، من الجزائريين في الانتخابات، فهو فيها دون قاعدة الإرث {للذكر مثل حظ الأنثيين} النساء:11.
هذا نموذج صغير، للفروق المكرسة بين الجزائريين والفرنسيين، في الحقوق والواجبات، والقاعدة مطردة في بقية الأمور جميعا، من الأعلى حتى الأسفل.
ذلك أن حق الجزائريين في التمثيل البرلماني في باريس، كان يجب أن يكون لهم (200) نائبا في المجلس الوطني، ولكن الذي سمح لهم به هذا القانون الاندماجي المزعوم، الذي يستند إليه الفرنسيون، ويتبجحون به، هو ثلاثة عشر نائبا فقط.
الحقيقة الثالثة: أنه كان بالجزائر جماعة من المعتدلين فعلا، ومن الذين يميلون إلى التعاون مع فرنسا، على تسامح كبير في حقوق أمتهم خضوعا للواقع المر من جهة وأملا في أن يعقل الفرنسيون يوما من جهة أخرى فيخطون خطوة عملية إلى الأمام حتى يلتقي الفريقان في الوسط، ثم يعيش الجميع في تعاون وسلام.
لكن جحود الفرنسيين وتألههم على الجزائريين، ونكرانهم لكل جميل، وجمودهم الاستعماري، الذي لا يقبل أدنى تطور مع الزمن، مع ما عرفوا به من مكر وخداع واحتقار للجميع، كل ذلك حمل آخر المعتدلين إلى الكفر بإنسانية فرنسا، وإلى اليأس من إنصافها، لذلك تسمع من كبار أولئك المعتدلين اليوم صيحات اليأس مدوية، ويعلنونها في وجه فرنسا، وفي ملأ من الدنيا.
هذا الدكتور ابن جلول، رئيس جمعية النواب السابق، وأكبر المعتدلين من كان ينعته المتحمسون بصنيعه فرنسا والاستعمار، يقول هذا المعتدل الكبير في تصريح لشركة "روتر":
لم يعد لنا أي ثقة في فرنسا، ولم يبق إلا السير وراء الثورة ورجالها ويقول: إن فرنسا التي عجزت عن حماية رئيسها، لا تستطيع أن تحمي الجزائريين، وأن الذي يجب أن يحمي الجزائر، هو الجيش الجزائري، والبوليس الجزائري.
وهذا الدكتور عيسى بن سالم، من طراز ابن جلول يقول لمراسل "نيزويك": نحن مسلمين، قد فقدنا كل ثقة بفرنسا، وحوادث كل يوم، تزيدنا اقتناعا، بأن العنف يؤدي إلى نتائج إيجابية، وهو يعني بذلك استفحال أمر الثورة.
وهذا الأستاذ صلاح مصباح، رئيس المجلس الجزائري السابق، ومن أعرق الأسر المعتدلة الموالية لفرنسا يقول:
إن الدم يجب الآن أن يبذل بشكل متزايد، ونحن المعتدلين، لا ندعي، أن في وسعنا السيطرة على شعبنا، لأن 95./. منهم خاضعون، لسيطرة المقاتلين الوطنيين، التابعين لجيش التحرير، هذا وإن الذي يعرف الأوضاع في الجزائر جيدا، ليتأكد ويغمره اليقين بأن فرنسا، بعد خسارة أولئك المعتدلين، لم يبق لها في الجزائر، من تستطيع أن تستميله إليها ولو بذلت أغلى ما يبذله الخادعون الماكرون من المستعمرين.
وإذا كان المعتدلون على لسان الأستاذ مصباح، يعترفون علنا بأن 95 بالمائة خاضعون للثوار، فإن الذي يقدره مثلي في الواقع، أن الخاضعين للثوار هم 99./. وكسور، ومع ذلك فلا يخجل حكام فرنسا، أن يصفوا الثوار للدنيا، بأنهم جماعة من اللصوص وقطاع الطرق، وهم يحسبون أنهم بهذا الأسلوب من الدعاية، إنما يخدمون قضيتهم، والواقع أنهم بهذا الأسلوب الصغير، إنما يزيدون في النار اشتعالا، لأن معنى الثوار لصوص، أن الأمة الجزائرية كلها لصوص، وهذا نوع من
الاحتقار، الذي يستفز حتى البارد القاعد من الجزائريين، ونحن أعرف الناس بطباع أهلنا وأمتنا، ولكن الفرنسيين فقدوا صوابهم، وضاعت منهم الحكمة، وسيطرت عليهم الشهوة ورشوة المستعمرين {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} الشعراء:227.
الحقيقة الرابعة: أن القائمين على رسالة تأييد استرقاق الجزائريين، إنما هم عصابة من أرباب المصالح فيها، وكل ميزاتهم أنهم يملكون الملايير من الفرنكات، ويملكون نفوذا دونه نفوذ الملوك والسلاطين في العصور الغابرة، وأفراد هذه العصابة المتمردة، لا تجمعهم إلا رابطة المصلحة المادية والشخصية. وأكثريتهم الساحقة لا يمتون بعرق إلى الجنس الفرنسي الباتة، وإنما صاروا فرنسيين قانونا بحكم التجنيس فقط.
والدليل القاطع على ذلك، أن الزعيمين المتطرفين منهم، هما هذان اللذان يذكرهما مراسل جريدة "النيوزويك" وأحدهما كورسيكي الأصل، وهو "جان باتيست بياجى" والثاني إسباني الأصل وهو "أندري إشياري" وكل زعماء العصابة الاستعمارية، هم أحد الشخصين. إما أن يكون صاحب مصلحة مباشرة، وإما أن يكون مستأجرا للعصابة بأثمان غالية.
أما الذي يدفع الحساب الغالي في النهاية، فهو الشعب الفرنسي المسكين، وطالما نصحنا لهذا الشعب، مخلصين، صادقين، بأن يستفيق من غفلته الطويلة، ويضع يده الحديدية، مباشرة، على ميكروب هذا السرطان الاستعماري المدمر، فيريح نفه ويريح الناس، ولكن القرائن تدل على أنه حتى الآن، قد عمل أعمالا دون المطلوب. ولكنه لم يضرب بعد، ضربته الحاسمة المطلوبة ولعله فاعل ذلك بعد حين قريب، نرجو أن يوفق إلى القيام بواجبه كاملا وسريعا، قبل أن تحل به وبغيره الكارثة الكبرى.
نشرت في الحياة والمنار وبيروت المساء في مارس 56.