الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرنسا تحارب الإسلام علنا في الجزائر
جريدة بيروت المساء والمنار الدمشقية
أما أن الفرنسيين ظلمة فجرة، فهذا ما لا يختلف فيه عارفان منصفان، ولكن هؤلاء المستعمرين هم إلى جانب فجورهم، مجانين أيضا، لا حكمة في تصرفاتهم البتة فكثيرا ما يقررون القيام بعمل وهو من رابع المستحيلات، ومن قبيل من يريد أن ينقل جبلا من مكانه وأن يحفره بأظافره، فمثال ذلك أن حضراتهم قد قرروا لأول ما تغلبوا على الجزائر، محو الإسلام في جميع ربوعها، وانتزاعه من أمة عاشت تقدسه مدة تزيد على ثلاثة عشر قرنا، ثم لم يكلفوا أنفسهم معرفة هذه الأمة، حتى يتبينوا ما يمكن أخذه منها، وما لا يمكن، وحتى يتبينوا في الوقت نفسه، الكيفية التي تضمن لهم أخذ الممكن حينما يريدون، من أجل ذلك، ومن حسن حظ الجزائر، أنهم جهلوا من بين ما جهلوا، أعرق صفة في تلك الأمة وأعمقها، وهي المقاومة والعناد، ولعل الفرنسيين كان يمكنهم، أن يضعوا شأن الإسلام في نفوس الجزائريين لو أنهم كانوا نفسانيين حكماء، يتقنون فن الوصول إلى الأراضي البعيدة الخطيرة من طريق البنج والحيل، ولكنهم أعلنوها حربا صارخة على دين الإسلام. فأول ما نزلوا إلى أرض الجزائر، عمدوا حالا إلى مصادرة جميع أوقاف المسلمين، التي كانت تقدر بمئات الملايين، ومبالغة في النكاية، جعلوا تك الأوقاف بين يدي المبشرين، ثم عمدوا إلى المساجد، فحولوا أكثرها إلى كنائس، وبعضها حول إلى مكاتب وإدارات وثكنات عسكرية، ولم يفتهم أن يحولوا البعض الآخر إلى اسطبلات، يدوس حرمتها، الخيل والبغال والحمير، ثم التفتوا إلى المدارس الإعلامية فمنعوها من
التدريس والتفهيم، ولكن أذنوا لها بالأول، في تحفيظ القرآن غيبا على شرط أن يكون عن غير فهم، ثم تدرجوا بعد قليل إلى منع التحفيظ الببغائي نفسه، إلا بإذن لا يحصل عليه الراغبون إلا بشروط، هي أقسى وأمنع من شروط الزواج بجارية بنت سلطان، ثم توجه إلى لغة الإسلام العربية، فجردوها من كل حرمة وكرامة، وجعلوها لغة أجنبية غير مرغوب فيها لا حول لها ولا قوة.
فعلوا كل ذلك وأكثر من ذلك، لأجل أن يقضوا على دين الإسلام في الجزائر، ولكن فاتهم أن الذي فعلوه، أمام طبيعة عناد الجزائريين وصلابة المقاومة في أصول أخلاقهم، إنما هو عامل تثبيت، لذلك الإسلام في نفوسهم، وذلك ما قد حصل بالفعل، فلقد تعصب الجزائريون لدينهم أشد التعصب، وتحدوا كل القوانين المسنونة ضدهم، فمارسوه في بيوتهم سرا وفي شوارعهم علنا، وفي جبالهم وسهولهم وفي مساجد أقاموها من جديد لهم، ودخلوا السجون، وسيقوا إلى المعتقلات، ودفعوا أفدح الغرامات، لأجل مخالفتهم القوانين المحاربة الدين، وأخيرا وليس آخرا، راح الجزائريون يطمعون في نشر الإسلام بداخل فرنسا نفسها، فنقلوا الدعوة إلى عقر ديارها، وفتحوا في قلب باريس نفسها وفي غيرها من أمهات مدن فرنسا، ذهاء ثلاثين مركزا لتدريس الإسلام، وممارسة تعاليمه، فكان يغشاها عشرات الألوف من أبناء الجزائر ومن أبناء الافرنسيين، وإني بهذه المناسبة أشهد الله، أننا وجدنا في الشعب الفرنسي، داخل بلاده، أحرارا كثيرين، لا أثر للتعصب فيهم، ونرجو مخلصين أن يتغلبوا على المتعصبين الحاقدين يوما، فيخدمون بذلك فرنسا والإنسانية.