الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يبق في الجزائر معتدل ومتطرف
بعد هذا كله، وبعد أن استقل أهل آسيا من الوثنيين، واستقل زنوج إفريقيا، حتى من أكلة لحوم البشر والعريانين، ولم تفكر فرنسا ذات التاريخ الطويل العريض في الثورات، على الاستبداد، لم تفكر في السماح ولو بقسط صغير من الحرية، لمن كانوا من قبل أسيادا لها، ومعلمين ومناصرين وممدنين، أعني أبناء الجزائر الأبطال.
هنا شمل اليأس الجميع، ولم يبق معتدل ومتطرف، ولم يبق في الأمة جميعا، من يحمل للاستعمار الفرنسي ذرة من ثقة أو من احترام، لا سيما بعد تلك المحاولة الأخيرة الفاشلة، التي قام بها رئيس حكومتهم الاشتراكي مسيو جي موليه، حيث استقبله خليط من المتفرنسين في الجزائر، بالطماطم الفاسدة، والشتائم القذرة، وطردوه منها أشنع طرد، ولم يستطع الجيش والبواليس الفرنسي أن يحموا رئيس حكومتهم ويدفعوا عنه الأذى، الأمر الذي دعا آخر رجل في الجزائر، كان يمكن أن يقبل التعاون مع الفرنسيين، في حدود الكرامة والمصلحة المشتركة، وذلك هو الدكتور ابن جلول رئيس اتحاد النواب السابق، إذ أعلن في مؤتمر صحفي عام، بأن أي تعاون مع فرنسا لم يعد في الإمكان، وأن استقلال الجزائر التام هو المتعين، وأن طريقة الثوار هي التي يجب أن تحتذى.
وقال الدكتور ابن جلول: إن الدولة التي تعجز عن حماية رئيسها، لهي عن حماية الجزائريين أعجز، وأن الذي يجب أن يحمي الجزائر والجزائريين، هو الجيش الجزائري والبوليس الجزائري فقط. وأعتقد أن تصريح هذا الرجل الكبير ذا الميول التعاونية القوية، يكمل نصاب الإجماع في الجزائر، على المطالبة بالاستقلال التام، ولا شيء سوى الاستقلال.
هذا ونحن ننكر، أن الشعب الفرنسي في مجموعه، فيه نبل، وفيه وعي، ولعله يريد أن ينقذ نفسه، من استعباد أولئك الطغاة، لأنه هو الضحية دائما، فهو الذي يقدم
ثمرة عرقه في الضرائب الحربية، وهو الذي يقدم دماءه في الحروب الاستعمارية، وهو الذي يتيتم أطفاله، وترمل نساؤه، ويتشوه رجاله، ولكنه حتى الآن مع الأسف، قد عجز عن القيام بعمل جدي حاسم، يريح نفسه ويريح به الناس، ونحن نرى أنه في كل الأحوال، هو المسؤول عن كل ما يجري باسمه ولو كان كارها، ولن ترفع عنه المسؤولية، حتى يجبر جلاديه وجلادي الأحرار، بواسطته وباسمه على العدل، ولو كان ذلك بثورة شعبية مسلحة، لأن الثورة قد تكلفه شقاوة الأمة الأبدي.
لقد زعمنا في صدر هذا المقال، أن الوضع في ديار الجزائر والمغرب، قد يسبب قيام حرب عالمية ثالثة لا تبقى ولا تذر، والذي يرجح هذا الاحتمال، هو هذا الذي شرحناه عن موقف الاستعمار الفرنسي من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الشعب الجزائري خاصة، والمغرب العربي عامة، لم يعد يطيق هذا النوع من الاستعباد وهذا الضرب من الإهانات التي لا نهاية لها، ومن الاحتقار الذي لا حد له، وقد عزم عزم الأباة البائسين، على التخلص من كل ذلك، وهو اليوم مستميت، بجميع طبقاته، حتى لم يعد فيه، بحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، طبقات، لأن الكل مستعبد ومهمل ومحتقر، وقد اتخذ قراره نهائيا، وهو يتلخص في كلمتين موجزتين، إما حرية واستقلال، وإما استشهاد وفناء، ولن يثنيه عن عزمه إلا تحقيق إحداها.
على أننا نتمنى من أعماق قلوبنا أن تكون الأولى، كما نتمنى في الوقت نفسه أن يسود السلام بيننا وبين الشعب الفرنسي العريق، ولكن لم يعد الاختيار لنا، وإنما الاختيار اليوم للشعب الفرنسي نفسه، نرجو أن يستعمل جرأته، وأن يحسن الاختيار، على أننا لو فرضنا البعيد، وقدرنا أن فرنسا الاستعمارية قد اتسطاعت اليوم، أن تسكت الثورة، فإننا على يقين بأن ثورة أخرى غدا ستقوم أشد منها، ولو أسكتت الثانية ستقوم ثالثة أعنف، إلى أن تفنى هذه الأمة عن بكرة أبيها، أو يعترف لها بإنسانيتها وحريتها، وهذه طبعا حالق يأس، والمعلوم أن اليائس كالمجنون، لا يهمه خراب العالم: من باب: "علي وعلى