الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العالم، فضلا عن الصحافة العربية، ونحن نغتنم فرصة إصدار هذا العدد الخاص من النذير لنورد فيما يلي بعض أمثلة مما كانت تقوم به الجبهة في سبيلها، آملين أن لا تذهب تلك الدماء العربية العزيزة سدى، بل تكون سقيا لشجرة الحرية المقدسة إن شاء الله، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
السعدي عمار
مدرس بالأزهر وعضو مجلس إدارة الجبهة
مذكرة من جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية
إلى مؤتمر الجامعة العربية
حضرة صاحب السعادة عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الدول العربية.
تحية واحترام، وبعد:
ترجو جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية من سعادتكم عرض هذه المذكرة الوجيزة على مؤثر الجامعة الموقر، ولنا كبير الأمل في أن نحظى من أنظاره البعيدة المرمى بعناية ضافية وهي:
أن شعوب إفريقيا الشمالية العربية: تونس والجزائر ومراكش، طالما قاست من الاحتلال الفرنسي ألوانا من الاعتداء على الأنفس والأعراض والدين والأموال وطالما حاول الناهضون من رجالها تخفيف شيء من ذلك الاضطهاد الممقوت فيوجهون الشكوى بعد الأخرى إلى فرنسا نفسها على أمل أن يجدوا من الفرنسيين من يحمل في صدره شفقة على الإنسانية المعذبة، فتخيب آمالهم، بل لا يجدون إلا من يعد شكواهم طعنا في سياسة الاحتلال، والطعن في السياسة جناية تقابل بالعبودية في غير رحمة.
وكثيرا ما يأخذ أولئك العرب غضب من العسف الذي تغمرهم به فرنسا فينهضون لمكافحته بما في أيديهم من قوة، ويبذلون في سبيله دماءهم الغالية، ولا يبالون في كفاحهم ما تفعله به الحكومة الباغية من تنكيل وتقتيل.
وأقرب دفعهم إليه دافع الغيرة على حريتهم المسلوبة وحقوقهم المهضومة، هذه الثورات التي قاموا بها منذ أشهر بعد أن أشعروا فرنسا بأن صبرهم على عدوانها قد نفذ، وأنهم لا يرضون إلا أن يعيشوا كما تعيش الأمم ذات التاريخ المجيد في عزة وكرامة.
كانت تلك الشعوب العربية تحسب أن انهزام الفرنسيين أمام الجيش الألماني وابتلاءهم بسيطرة الأجنبي على بلادهم وتجرعهم غصص الإهانات في ديارهم قد يذكرهم حال الشعوب التي يدوسون كرامتها بنعالهم، فيخففون عن غلوائهم ويعودون إلى رشدهم، ويقفون في مفاوضة أولئك العرب موقف الحريص على أن يتساوى الناس في الحرية تساويهم في التمتع بالهواء الطلق، وضياء الشمس، ولا سيما شعوبا ساقت منهم جيوشا كثيرة إلى مواقع القتال وبذلوا دماءهم في الدفاع عن بلادها ولكن فرنسا نهضت بفضل الحلفاء من نكبتها وبدل أن يكون لها في تلك النكبة موعظة، تتحول بها من عقليتها العتيقة إلى عقلية تحترم المنطق السليم ولا تجاري الأهواء الجامحة بها إلى غير سبيل، عادت تتحول إلى ما عرفت به من معاملة تلك الشعوب معاملة من لم يعترف بأن لهم حقا في الحياة.
ففرنسا الحديثة كفرنسا القديمة تستأثر بخيرات شمال إفريقيا وتصدرها إلى أوطانها وتدع رجال تلك الأقطار وولدانهم ونساءهم يتساقطون موتى في الطرقات حيث لا يجدون من القوت ما يسد رمقهم.
وفرنسا الحديثة استأنفت العمل لقلب جنسية أولئك العرب إلى جنسية فرنسية ونقلهم إلى دين غير دينهم وإلجائهم إلى أن تكون اللغة الفرنسية لسانهم حتى تقضي
على اللغة العربية التي هي أجلى مظهر لعربيتهم، إلى غير هذا من وضع الضرائب الفاضحة وتضييق الخناق على الصحف العربية، والانتقام من الزعماء بالزج بهم في السجون والمعتقلات وإقصائهم بالنفي إلى أماكن بعيدة لا يدري أقوامهم كيف يعذبون فيها أو كيف يموتون، ولولا خوف الإطالة لضربنا الأمثال وسقنا الشواهد على ما نقول.
والواقع أن جامعة الدول العربية في غنى عن الإسهاب في الحديث عن مساوئ الاحتلال الفرنسي فحضرات أعضائها على الإطلاع واف وخبرة واسعة من فظاعة ذلك الاحتلال وتفاقم شره إلى حد لا يطاق والذي نريد تذكير أعضاء الجامعة به ووضعه تحت أنظارهم السديدة هو أن تلك الشعوب العربية قد امتلأت غيطا من استعباد فرنسا لها وأصبحت تشعر بقلب رجل واحد أن لا خير في الحياة إلا بأن تتخلص من ذلك الاحتلال الغاشم وتقف في صفوف الأمم المستقلة جنبا لجنب.
وهذا الشعور النبيل الشامل قد جعلهم مصممين على مواصلة الجهاد في سبيل هذه الغاية، فإما أن يعيشوا سعداء، وإما أن يموتوا شهداء.
سيرت هذه الشعوب بقوة حقها، فدفعتها الشهامة وإباية الضيم إلى الكفاح في سبيله معتمدة على توفيق الله جل شأنه وطامحة ببصرها إلى أن ترى من جامعة الدول العربية عملا يقوى أملها، ويؤكد صلتها بالجامعة، ولا سيما حين استشيرت بما جاء في ملحق ميثاق الجامعة من أنها ستتجه بمعونتها إلى جميع الشعوب العربية وبما يصدر عن أصحاب المعالي أمين الجامعة العام ورؤساء الدول العربية ومندوبيها في مؤتمر الجامعة من تصريحات تنبئ بأن قضية شمال إفريقيا قد حازت جانبا كبيرا من عنايتهم وأنهم يعدون تلك الشعوب بمنزلة أحد الجناحين حيث تمثل الأمة العربية بطائر يتحفز لأن ينهض ويحلق في عنان السماء.
وإننا لنقدر ظروف الجامعة حق قدرها، ولا يفوتنا العلم بما يجب أن نتدرع به من حكمة وتؤدة، وإذا رجونا منها أن تتجه إلى قضية شمال إفريقيا بخطوات