الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى تتعانق المصالح، بين الجميع نتيجة للتعارف والاختلاط، فتكون هي الضمانة الطبيعية الكبرى، لتكريس التعاون واستمراره، ويومئذ نستطيع أن نقول:
لإسرائيل: أنت دولة مزعومة.
ولأنكلترا: أنت خبيثة غدارة. ولفرنسا: أنت مجرمة عاتية.
ثم نقول للجميع أخرجوا كلكم من أوطاننا وارفعوا أيديكم عن جميع حقوقنا ومصالحنا، وإن أبيتم فإن الجواب ما سترون بأم أعينكم، لا ما تقرأون في احتجاجات شديدة اللهجة.
ما هذا الجهل المخجل بينكم أيها العرب
؟
وإن تعجب فعجب أن تجد بين الصفوص العالية في المعاهد بمصر والعراق وغيرها من لا يعرف عن لبنان سوى أنه بلد اصطياف في موسم الحر، وأنه بلد التزلج على الثلوج في موسم الشتاء، ووالله إنك لتجد من بينهم من لا يفرق بين لبنان وليبيا، وألبانيا، وليبيريا، لجامع وجود الباء في كل منها، وقد يسألك أحد شطارهم عن ملك لبنان، أليس هو أحمد زوغو؟ وما أشبه ذلك.
وإنك لتجد من بين أهل العلم الكبار من لا يعرف موقر فلسطين بالضبط حتى الآن، وأنه لا يزال يحسب بعد قيام إسرائيل، بأن مصر لا تزال مرتبطة برا بلبنان وسوريا، وأنه يمكن السفر إليهما بالقطار أو السيارة، والشهود على هذه الأمثلة الواقعية لا يزالون على قيد الحياة، وأنك لتجد في بعض بلاد العرب من يعتقد بأن سكان الكويت يعدون بالملايين، وأن جامعاتها مثل جامعات أوروبا.
هذا ولا شك بأن الخواص ممن يشتغلون بالصحافه، والقضايا العامة أو غير ذلك من الخصوصيات، هم من الأفراد الذين تستثنيهم القاعدة المشهورة (لكل عموم خصوص).
ومع ذلك فإنك لا تستطيع أن تستثنيهم من التفاصيل والجزئيات، التي كان يجب أن يكونوا كمسؤولين عارفين بدقائقها. مثال ذلك أن تجد من بين أولئك المسؤولين، من يحسب أن السودانيين ليسوا عربا بل هم برابرة من الجنس الإفريقي القديم، لذلك يتساءل: ما شأنهم وشأن مصر حتى يتحدوا معها؟ كل ذلك لأنه رأى بعض البوابين النوبيين في بنايات مصر، سمر الألوان، أو سودها وقد يرطنون بلغة محلية نوبية، فظن أن أمة السودان كلها برابرة، لا يمكن أن يتحدوا مع مصر العربية المتحضرة .. وقد كان أكثر باشاوات مصر أنفسهم يجهلون حقيقة السودان والسودانيين، وهم الذين غرسوا النفور والحذر في نفوس هؤلاء الأمجاد باحتقارهم والترفع عليهم، الأمر الذي أدى في النهاية إلى كارثة الإنفصال رغم ما بذل من جهود جبارة لعلاج سياسة الماضي وإصلاحها، والتبعة الكبرى عندي تقع على أولئك الذين فرطوا في آداء رسالة التعارف بين الشعبين كاملة منذ عشرات السنين، إذ قديما قالوا: لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، وإلا فالسودانيون إخوان المصريين بلا ريب.
وأشهد ويشهد العارفون معي بأن أبناء السودان أقرب إلى العروبة، أخلاقا وعادات ولهجة وغيرة، من أكثر المجموعات العربية.
أما حين نصل إلى المغرب العربي وجهل أهل الشرق بأحواله، فهنالك الطامة الكبرى، حتى أن الكثير من إخواننا العرب كانوا حتى الأمس القريب يستكثرون على أبناء هذه البلاد أن تكون ألوانهم بيضاء أو حمراء، لأن الأرض هناك في نظرهم، صحراء محرقة، من وظائفها الطبيعية أن تصبغ البشرة بالسواد أو بالسمرة على الأقل، وكان فيهم من يحسب أن المغاربة كظنهم في السودان برابرة الجنس وما يزالون، وسود البشرة، أعاجم اللغة لا يعرفون من العربية إلا تلاوة بعض سور القرآن من غير فهم، وأن أرضهم لا تزرع ولا تحصد، وليس فيها من أسباب ذلك
لا نهر ولا عيون جارية، ولا سماء ممطرة، وإنما يعيشون على أنواع من التمر يجود به نخيل الصحراء والواحات، وعلى آبار غير ارتوازية تكفي لبل ريقهم وإرواء مواشيهم لا غير، وأن حياة المدن عندهم معدومة البتة.
لذلك كانوا يسألون في اهتمام كبير! .. عما إذا كان هناك كهرباء أو ترامواي، وطرق معبدة للسيارات وبيوت مبنية بالحجارة مسقوفة بالحديد والأخشاب.
وإنهم لتأخذهم أشد الدهشة حين تخبرهم بأن كل ذلك متوفر، وبصفة أكمل مما هي في مصر والعراق، ولربما كان أكمل مما هي في بعض البلاد الأوروبية نفسها، وأغلب الظن أن أكثرهم ما كانوا في الأول يصدقون، ولقد قضينا في ديار الشرق العزيزة بضع عشرة سنة، لم نكن نشعر أثناءها بالغربة، وقضى غيرنا مثل ذلك أو أقل منه أو أكثر، ويعلم الله لو أن ما أذعناه من كلام بالقلم وباللسان عن ديار المغرب العربي - كان من الكائنات المادية - ثم جمعناه على بعضه، ليشكل أطنانا أو تلالا، ولكن عمل الفرد أو الأفراد مهما كانت أهميته، فإنه قاصر لا يسمن ولا يغني من جوع، لأنه كمن يريد أن يملأ بحرا محيطا بطائفة من الحجارة بقذفها إليه بيده، على أننا لا ننكر فائدة ذلك العمل، فلقد نقل القوم في مجموعهم إلى الصفوف الثانوية في بعض الأوساط وإلى الصفوف العالية في بعض الأوساط الأخرى، ولم يعد على الأقل أهل الحل والعقد في أكثر البلاد العربية، يشكون في وجود أمة بالمغرب العربي مستكملة الشروط للحياة الحرة وجديرة بالإستقلال والسيادة، ولا يشكون في أمر العناية بهم، والاشتراك في بناء مستقبلهم، على أنه من الواجبات القومية والمصلحة التي لا يعفيهم التاريخ في المحاسبة عليها، ولو أن حماسهم نحو العمل في المجموع ظل مع الأسف راكدا فاترا، وبات متوقفا على التحريك الدائم، وتابعا للظروف المحلية وملابساتها، ولأهداف الحاكمين الذين تنصبهم الأقدار على كراسيها لأن