الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للدعوة الإسلامية والربط بين جميع الجاليات العربية الإسلامية، وبعث روح العزة الإسلامية في نفوسها، وإسماع صوت الجزائر المسلمة العربية، للعالمين الشرقي الإسلامي العربي والغربي الأوروبي، ولا أظن منصفا عاقلا في البلاد الإسلامية قاطبة، يستنكف من الاعتراف بهذه الحقيقة التاريخية الماثلة.
هل فتر الورتلاني؟!
…
كلا
وإن ننس، فلا ننس بعد أن رحل الفضيل إلى الشرق، تلك النداءات الصارخة التي كان يرسلها إلى الضمير الإنساني، لو قوى حينئذ هذا الضمير، لإنقاذ 30 مليون من عرب المغرب عن عسف الاستبداد، وقمع الاستعمار عقب الحرب العالمية الأخيرة مباشرة، ومن ينس فضحه الأساليب الاستعمارية المتبعة في هذا المغرب الإسلامي
…
تلك التي تهدف إلى الضرب بالطمس، على أقدس ما لهذا الشعب الزكي من موروثات كريمة: دين - تاريخ - أمجاد - تقاليد؟ وأي شخص يتدفق في شرايينه دم الإسلام الزكي، والعروبة الأصيلة لم يكبر جهاد الورتلاني ونضاله، ولم يشد بهذه الرجولة الغلابة، التي استطاعت حقا وصدقا، أن تزعج النظام الاستعماري، وتكشف عن فضائح مجزرة 8 ماي 1945، بما ترتعد له فرائض الإنسانية الرحيمة، ثم ماذا حدث؟؟ ثم قدر الله تبارك وتعالى، أن يمتحن الورتلاني المناضل، كما يمتحن عباده المؤمنين الذين أخذ عليهم العهد والميثاق بقوله:{ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} محمد: 31 امتحنه بما يعرفه الناس جميعا، فخرج من الامتحان بخير ما يخرج به رجل الإيمان الصابر الشاكر، المجد المفلح فهل فتر الفضيل أو وقف نشاطه؟ كلا إنه تابع النضال العزيز، وبصفة أكثر اتساعا، حيث تمكن من التجوال في أقطار شتى، وكسب أكبر عدد ممكن من الأنصار للقضية الإفريقية العادلة.
ثم قدر الله تبارك وتعالى، أن تتعرض الأمة الجزائرية مع شقيقتها الأمتين المغربية والتونسية، لأقسى امتحان وأعسره، عرفته في أطوار حياتها كلها منذ الاحتلال المشؤوم: امتحان في أبنائها وبناتها، في وجودها وكيانها، في دينها ودنياها، بما يعلمه كل إنسان، وما هو حديث محطات العالم، وأنديته وصحفه اليوم. فماذا كان موقف الورتلاني تجاه الوضع القائم؟ إنه لم يفته مطلقا أن يجدد من عزيمته، ويشحذ من همته تلك القسعاء التي لا يعرف الكلل والملل والفشل طريقا إليها فشنها حربا شعواء على الطغيان، وجند لسانه المبين، وقلمه المتين، لإذاعة ما يجري من أحداث ضخام بأرض وطنه، فأجرى به أنهار من الحبر لشرح حقائق هذا النضال المغربي، والتعبير عن آلام وآمال هذا الجزء الكريم من دنيا الإسلام والعربية ..
ونحن مع انقطاعنا الأليم عن الجناح الشرفي لعروبتنا، قد نفحتنا عناية الله، ببعض صحف الشرق، فقرأنا فيها للورتلاني عجبا: أنه يتحدث عن حقائق ما يجري هنا، كأنه يشهدها بأم عينيه، ويقف على مجرياتها بنفسه، ثم هو يعرض من الحلول الصالحة للمشاكل القائمة، ما لا يزول الصداع إلا بمثلها، ولا يقف الصراع إلا بتطبيقها .. وهذه الصحف التي أسعدنا الحظ بالإطلاع عليها هي:
"المنار" الدمشقية والحياة، والجريدة، وبيروت، والأنباء وبيروت المساء، وهي صحف لبنانية، لم يترك شاردة ولا واردة مما يتصل بالنضال المغربي القائم، إلا نشرها بتفصيل لا مزيد عليه كما أبرق إلى عدة دوائر فيما يخص المشكل الجزائري خاصة، والمغربي بصفة عامة، اطلعنا على نصوص بعض البرقيات في جريدة "المنار" الفيحاء التي نشرتها في عددها الصادر بتاريخ 23/ 11 / 1955 وقدمتها بما يلي:
نشاط الورتلاني في خدمة العروبة - كيف يستقبل العالم العربي اعتداء الإنكليز.
على واحة البريمي - نصوص تعطى برقيات الورتلاني إلى محمد بن يوسف وعمان، وجنيف ومصر، وأمريكا، وفرنسا ومراكش.
أذاع المجاهد العربي الكريم الأستاذ الفضيل الورتلاني، بيانا حول اعتداء الإنكليز على واحة البريمي، ننشره فيما يلي الخ الخ.
وأرسل الأستاذ الفضيل بعدد من البرقيات التي تتناول مجمل قضايا المغرب العربي، والعالم العربي، ننشرها فيما يلي: الخ الخ.
وأنا لا يسعني في هدا المجال أن أثبت النصوص المنشورة في هذا المقال، وحسبي أن أذكر الدوائر التي وجه إليها البرقيات: صاحب الجلالة مولاي محمد بن يوسف - مؤتمر الغرف التجارية بعمان - الوزراء الأربعة الكبار الذين اجتمعوا بجنيف - السيد محمد بن يوسف الوزاني، أمين حزب الشورى والاستقلال - ومحمد اليزيد عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في الرباط - مراكش وزراء خارجية العرب الذين اجتمعوا بالقاهرة في 1/ 10/ 55 - السيد الباشا الفاطمي بن سليمان، حينما كلفه مجلس العرش بتأليف الحكومة المغربية والزعيم السيد علال الفاسي بالقاهرة بتاريخ 0/ 10/ 55 - وإلى الكتلة الإفريقية الآسيوية بهيئة الأمم بنيويورك - وإلى المسيو إدغار فور كبير وزراء فرنسا آنئذ.
وفي عدد المنار، الصادر بتاريخ 18 ديسمبر 1955، رسالة للأستاذ الورتلاني، موجهة إلى سعادة الأستاذ مبارك البكاي، رئيس وزراء مراكش قددتها الصحفية هكذا "طالع قرار المنار" سلسلة مقالات قيمة، نشرناها تباعا بقلم الأستاذ المجاهد الفضيل الورتلاني، تصور وجه الشعب الجزائري الشقيق المشرق، وتلقى الضوء على واقعه الأحمر في هذه الأيام، ونضاله المستميت ضد الطغيان الاستعماري، وهذه المقالات إن دلت على شيء، فإنما تدل على الجهاد اليومي الذي يقوم به الفضيل الورتلاني وحده، باسطا وجهة نظر إخواننا الجزائريين إلى العالم معبرا عن إرادتهم. وفيما يلي حلقة جديدة من جهاده المتواصل في الرسالة التي بعث بها إلى رئيس الحكومة المراكشية السيد "البكاي" الخ.
وكل الصحف التي ذكرت أسماءها، تشيد بنضاله المستميت، بمثل ما أشادت المنار فأكثر. وليس في مقدوري الآن أن أورد نماذج من كل تلك الصحف، وحسبي هذا المقدار. ولعل الظروف ستتيح لي من الفرص، ما يسمح بعرض نماذج أخرى من عمله، منشورة بقلمه لخدمة الإسلام والعروبة، والمغرب العربي الإسلامي، في الظروف الحاضرة، كما خدم كل ذلك قبلها في وقت قريب إن شاء الله. وذلك كله إذا تمكنت أو تمكن غيري من فعله، لا يفي حتى بأقل حق للأستاذ الفضيل علينا، ذلك الرجل الذي أعطى للقضية المغربية والإسلامية كل ما يملك دون أن ينال هو لنفسه شيئا، سوى الذكر الطيب والسمعة العطرة: نعم!
أعطى كل شيء: قلمه - لسانه - مواهبه - حياته كلها، وضحى في هذا السبيل بأعز ما يضحي به الإنسان من مال، وأهل، وراحة ومنصب. فهل يجدر بنا أن نعتبر أن كلمة متواضعة مثل هذه إذا قيلت، تفي بحق هذا البطل العظيم العزيز علينا؟؟ اللهم اشهد أنها جهد المقل العاجز .. وليتقبلها مني الأستاذ الجليل، تحية إسلامية عربية مباركة على بعد، معبرة عما تحمله نفوسنا له من حب وإكبار وتقدير، وما نرجوه له من حياة مديدة، تمكنه من شهود الغرس الزكي، الذي ناضل حياته كلها من أجل صونه من العاديات وحياطته بسياج من الأعمال الخالدات قديما، وترعرع وأتى الثمار الشهية اليانعة، بعد أن تمكن من الانتصار الساحق، على الجوائح المبيدة .. فليبارك الله أعمال الورتلاني العظيم، وليعش الفضيل رمزا للنضال الإسلامي الصامد الخالد.
محمد شرفة الأكحل