الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول اعتقال عشرات الآلوف من المجاهدين (3)
والحكم بالإعدام على الزعماء .. وتقييد الحريات وتدمير القرى وإفناء القبائل وإباحة الأعراض والأموال للجنود الفرنسية والسنغالية.
حضرة السفير المحترم: لقد حدثتكم في الخطاب الماضي بإيجاز عن ثورة الجزائر الأخيرة، وأجملت فيه القول إجمالا واكتفيت بالإشارة إلى عشرات الألوف من خيرة شبابنا الطاهر البرئ الذين ذهبوا ضحية الحقد والشهوة، والذين اخترتموهم عزلا مستضعفين لإظهار قدرة أسلحتكم على الفتك والتفوق بعدما عجزت عن رد عادية المساوين لكم المسلحين النازيين، ويا ليتها كانت كلها أسلحتكم بل كانت أسلحة الإعارة والتأجير من الحلفاء المحررين، واكتفيت بالإشارة إلى عشرات الألوف من الأحرار الذين أودعتموهم السجون والمعتقلات، وسلطتم عليهم من أنواع التعذيب ما ترتعد الفرائص لذكره، ودللت على ذلك بما لا يدع مجالا للشك في صحته وأسوق إليكم اليوم طائفة من الأمثلة على الطريقة التي تمت بها هذه الجريمة الإنسانية الكبرى، حسبما وصلت إلينا أنباؤها - حدثنا قادم من تلك البلاد أن السلطات المسلحة التي تولت عملية الانتقام من الأحرار الجزائريين، كانوا يملؤون "عربة نقل" من هؤلاء الضحايا مكبلين ومحروسين بالجستابو الفرنسي فيتجهون بهم إلى ناحية مجهولة فإذا وصلوا بهم إلى شاهق من جبل معلوم - وما أكثرها في بلاد الغرب - نزل السواق إلى الأرض على إتفاق سابق ودفعوا بعربة النقل نحو الهاوية فتنقلب بمن فيها من أولئك التعساء فتتطاير أجسامهم وتقطع أشلاؤهم فلا تكاد تصل عربة النقل إلى قاع الوادي حتى لا تبقى جارة مع أختها من جثث أولئك الآدميين التعساء والمنتقمون واقفون يتفرجون ويتلذذون! وحدثنا قادم آخر على أسلوب من أساليب الوحشية: إن الفرنسيين يحفرون أخاديد على طريقة خاصة وأعماق معينة وعلى طول مقصود
وعرض مقصود ويسوقون إليها جموعا من البشرية الكريمة مكبلين فيدفعون بفريق إلى الأخدود فإذا ما وقعوا فيه أهالوا عليهم الأتربة والحجارة من كل جانب فيدفنونهم أحياء في غير شفقة ولا رحمة، وكثيرا ما يكون الفريق الثاني يشاهد الرواية بعينيه وينظر مصيره المشؤوم وكثيرا ما يحضرون جموعا أخرى لمجرد شهود العذاب وإلقاء الرعب في قلوب من وراءهم من المعاندين وبلغنا أن الحكومة أباحت لجنود الميليشيا الذين لا يختلفون عن الجستابو النازي لا في قليل ولا في كثير أباحوا لهم أيام الثورة أن يقتلوا من شاءوا كيفما شاءوا وأباحوا لهم الأموال والأعراض وقيل إن جماعة منهم تذهب إلى بيت فلان من الأعيان فيطرقون بابه ويدعونه للخروج فإذا ما وصل إلى الباب أطلقوا عليه الرصاص وأردوه قتيلا من غير أدنى سبب وتذهب جماعة منهم إلى بيت فلان ويقتحمون عليه داره ويكبلونه في قيود عندهم ثم يجبرون النساء على ارتكاب الفاحشة معهم في مرأى ومسمع منه، وإذا حاول أن يدافع عن عرضه كان جزاؤه القتل الشنيع، وتذهب جماعة أخرى إلى دار فلان شاهرين السلاح فيدخلون عليه وينهبون كل ما وصلت إليه أيديهم من متاع وأثاث وكثيرا ما يتهمون صاحب الدار بأنه يملك نقودا أو أشياء ثمينة أخفاها عنهم فينزل عليه سوط العذاب لحمله على الاعتراف بما أخفي من ثمين المتاع، وقد ينتهي التعذيب بالقضاء على حياته، وبلغنا من غير واحد أن الحكومة الفرنسية أباحت مدينة فاس بمراكش مدة ثلاثة أيام لجنود السنعال والفرنسيين وشملت الإباحة النفوس والأموال والأعراض فعاثوا في المدينة فسادا فامتدت الأيدي اللئيمة إلى أعراض المسلمين في حيوانية ووحشية تدمي القلوب وذهبت ضحيتها أموال وأرواح لا يسأل المجرمين فيها إلا الله يوم القيامة، وبلغنا أن السلطات حكمت على طائفة من خيرة الشباب بالإعدام في أنحاء مراكش بتهمة الاشتراك في الثورة، وإمعانا في الانتقام والإغاظة فرضت على أولياء أمورهم أن يحضروا تنفيذ حكم الإعدام ومن أراد أن يمتنع يكون جزاؤه السجن
سنة كاملة، ومبالغة في النكاية مرة أخرى حددت يوم عيد المسلمين ميعادا لتنفيذ حكم الإعدام وبفضل تدخل مولانا جلالة السلطان في الموضوع آخر الميعاد عن العيد بأيام وبلغنا أن السلطات في تونس قبضت في السنة الماضية على أربعة عشر ألف 14000 دفعة واحدة وأودعتهم السجون والمعتقلات بتهمة الميل إلى الألمان. وبلغنا أنها تعاملهم معاملة لا يقرها من فيه رائحة الإنسانية، منها تسخين الماء إلى درجة من الحرارة لا يطيقها بشر، ثم رميهم في أحواض منها، ومنها تسليط ضغط الكهرباء على أطراف أجسامهم بصفة مريعة ومميتة لحملهم على إعترافات ضد أنفسهم وضد أوطانهم، ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها - وهي متناهية في البشاعة - أن يجمع الأب مع ابنه ويجبران على خلع ثيابهما حتى تظهر عوراتهما، وقيل لنا أمور أخرى أشنع من هذا نكف عن ذكرها تنزيها لألسنتنا واحتراما للقارئ الكريم، فهذا بعض ما وصلنا يا حضرة السفير المحترم من أنباء محنة الأمة العربية في إفريقيا الشمالية بأيدي إخوانكم الفرنسيين الأحرار الذين آوتهم أرضا وسعدوا بأرزاق بلادنا، والذين قاتلنا أشد قتال في سبيل حريتهم وحرية بلادنا. فهل لحضرة السفير الكريم أن يعير لي أذنه لحظة في اهتمام الرجل الحصيف، وعناية الرجل المسؤول، وفي شيء من الإضاف لنحاول سواء على أن نخرج بنتيجة لخير الجميع أو لمجرد إثبات الحق على الأقل .. يا حضرة السفير أنت أمام هذا الكلام بين أن تصدق أو أن تكذب وأنت حر على كل حال، على أن لي في تلك الحالتين كلاما في غاية الإنصاف والعدل فإن كنت من المصدقين ولو في الجملة فأكبر ظني أن لا تسمح إنسانيتك وما تحمله في عروقك من دم الثورة الفرنسية التحريرية، والحرص على سمعتها أن يقع في القرن العشرين وباسم فرنسا هذه المجزرة البشرية الشنيعة وبعد ما انتصرت الديمقراطية مباشرة على البربرية كما يقولون، ففي مثل هذه الحال فإن الواجب يحتم عليك أن تنصح لحكومتك بالمبادرة إلى التكفير عن غلطاتها وفي مقدمة ذلك إطلاق سراح جميع المعتقلين