الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ القَضَاءِ)
لغةً: إحكامُ الشيءِ، والفراغُ منه، ومنه:(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)[فصلت: 12].
واصطلاحاً: تَبْيِينُ الحكمِ الشرعي، والإلزامُ به، وفَصلُ الحكوماتِ.
(وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ)؛ لأنَّ أمْرَ الناسِ لا يَستقيمُ بدونِه.
و(يَلْزَمُ الإِمَامَ أَنْ يَنْصِبَ فِي كُلِّ إِقْلِيمٍ) - بكسرِ الهمزةِ- (قَاضِياً)؛ لأنَّ الإمامَ لا يُمكِنُه أن يُباشِرَ الخصوماتِ في جميعِ البلدانِ بنفسِه، فوَجَبَ أن يُرتِّبَ (1) في كلِّ إقليمٍ مَن يتولَّى فَصلَ الخصوماتِ بينهم؛ لئلَّا تَضيعَ الحقوقَ.
(وَيَخْتَارَ) لنَصْبِ القضاءِ (أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُهُ (2) عِلْماً، وَوَرَعاً)؛ لأنَّ الإمامَ ناظرٌ للمسلمين، فيَجِبُ عليه اختيارُ الأصلحِ لهم.
(وَيَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللهِ)؛ لأنَّ التَّقوى رأسُ الدِّينِ.
(وَ) يأمُرُه بـ (أَنْ يَتَحَرَّى العَدْلَ)، أي: إعطاءَ الحقِّ لمستَحقِّه مِن
(1) في (ق): يترتب.
(2)
في (ق): يجد.
غيرِ مَيْلٍ.
(وَيَجْتَهِدَ) القاضي (فِي إقَامَتِهِ)، أي: إقامةِ العدلِ بين الأخصامِ.
ويجبُ على مَن يَصلُحُ له (1) ولم يُوجَدْ غيرُه ممن يُوثَقُ (2) به أن يَدخُلَ فيه إن لم يُشغِلْهُ عمَّا هو أهمُّ منه.
ويحرُمُ بَذلُ مالٍ فيه، وأَخذُه، وطَلَبُه وفيه مُباشِرٌ أهلٌ.
(فَيَقُولُ) المولِّي لمن يُولِّيه: (وَلَّيْتُكَ الحُكْمَ، أَوْ قَلَّدْتُكَ) الحكمَ، (وَنَحْوَهُ)؛ كفَوَّضْتُ، أو ردَدْتُ، أو جَعَلْتُ إليك الحكمَ، أو استَنَبْتُكَ، أو استَخْلَفْتُكَ في الحكمِ.
والكنايةُ نحوُ: اعتَمَدْتُ، أو عَوَّلْتُ عليك؛ لا يَنعقِدُ بها إلا بقرينةٍ نحوِ: فاحْكُمْ.
(وَيُكَاتِبُهُ) بالولايةِ (فِي البُعْدِ)، أي: إذا كان غائباً، فيكتُبُ له الإمامُ عَهداً بما ولَّاه، ويُشهِدُ عَدلَيْنِ عليها.
(وَتُفِيدُ وِلَايَةُ الحُكْمِ العَامَّةُ: الفَصْلَ بَيْنَ الخُصُومِ، وَأَخْذَ الحَقِّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ)، أي: أَخْذَهُ لربِّه ممن هو عليه، (وَالنَّظَرَ فِي أَمْوَالِ غَيْرِ المُرَشَّدِينَ)؛ كالصغيرِ، والمجنونِ، والسفيهِ، وكذا مالُ
(1) قوله (له) سقطت من (ق).
(2)
في (أ): وثق.
غائبٍ، (وَالحَجْرَ عَلَى مَنْ يَسْتَوْجِبُهُ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَالنَّظَرَ فِي وُقُوفِ عَمَلِهِ لِيَعْمَلَ بِشَرْطِهَا، وَتَنْفِيذَ الوَصَايَا، وَتَزْوِيجَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا) مِن النساءِ، (وَإِقَامَةَ الحُدُودِ، وَإِمَامَةَ الجُمُعَةِ وَالعِيدِ) ما لم يُخَصَّا بإمامٍ، (وَالنَّظَرَ فِي مَصَالِحِ عَمَلِهِ، بِكَفِّ الأَذَى عَنِ الطُّرُقَاتِ وَأَفْنِيَتِهَا، وَنَحْوِهِ)؛ كجِبايةِ خَراجٍ وزكاةٍ لم يُخَصَّا (1) بعاملٍ، وتَصفُّحِ شهودِه وأمنائِه ليَستبدِلَ بمَن يَثبُتُ جَرْحُه، لا الاحتسابَ على الباعةِ والمشترين، وإلزامَهُم بالشرعِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى) القاضي (عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ العَمَلِ)؛ بأن يُولِّيه سائرَ الأحكامِ في سائرِ البلدانِ، (وَ) يجوزُ أَن (يُوَلِّيَهِ (2) خَاصًّا فِيهِمَا)؛ بأن يُولِّيَه الأنكحةَ بمصرَ مَثلاً، (أَوْ) يُولِّيَه خاصًّا (فِي أَحَدِهِمَا)؛ بأن يُولِّيَه سائرَ الأحكامِ ببلدٍ مُعيَّنٍ، أو يُولِّيَه الأنكحةَ بسائرِ البلدانِ.
وإذا ولَّاه ببلَدٍ مُعيَّنٍ نَفَذ حُكمُه في مُقيمٍ به وطارئٍ إليه فقط.
وإن ولَّاه بمحَلٍّ مُعيَّنٍ لم يَنفُذْ حُكمُه في غيرِه، ولا يَسمَعُ بَيِّنةً إلا فيه؛ كتَعديلِها.
وللقاضي طَلَبُ رَزْقٍ مِن بيتِ المالِ لنفسِه وخلفائِه، فإن لم
(1) في (ع): ما لم يخصا.
(2)
في (أ) و (ب) و (ع): يولى.
يُجعَلْ له شيءٌ وليس له ما يَكفيه وقال للخَصمَينِ: لا أقْضِي بينكما إلا بجُعْلٍ؛ جاز.
ومَن يَأخُذُ مِن بيتِ المالِ لم يَأخُذْ أُجرةً لفُتياه، ولا لخطِّه.
(وَيُشْتَرَطُ فِي القَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ):
(كَوْنُهُ بَالِغاً، عَاقِلاً)؛ لأنَّ غيرَ المكلَّفِ تحتَ وِلايةِ غيرِه، فلا يكونُ والياً على غيرِه.
(ذَكَراً)؛ لقولِه عليه السلام: «مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (1).
(حُرًّا)؛ لأنَّ الرقيقَ مَشغولٌ بحقوقِ سيِّدِه.
(مُسْلِماً)؛ لأنَّ الإسلامَ شرطٌ للعدالةِ.
(عَدْلاً)، ولو تائباً مِن قَذفٍ، فلا يجوزُ تَوليةُ الفاسقِ؛ لقولِه تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية [الحجرات: 6].
(سَمِيعاً)؛ لأنَّ الأصمَّ لا يَسمَعُ كلامَ الخصمَينِ.
(بَصِيراً)؛ لأنَّ الأعمى لا يَعرِفُ المدَّعِي مِن المدَّعَى عليه.
(مُتَكَلِّماً)؛ لأنَّ الأخرسَ لا يُمكِنُهُ النُّطقُ بالحكمِ، ولا يَفهَمُ جميعُ الناسِ إشارتَه.
(1) رواه البخاري (7099)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(مُجْتَهِداً) إجماعاً، ذَكَره ابنُ حَزمٍ، قاله في الفروعِ (1)، (وَلَوْ) كان مُجتهِداً (فِي مَذْهَبِهِ) المقلِّدِ فيه لإمامٍ مِن الأئمَّةِ، فيُراعي ألفاظَ إمامِه ومتأخِّرِها (2)، ويُقلِّدُ كبارَ مَذهبِه في ذلك، ويَحكُمُ به ولو اعتقد خلافَه.
قال الشيخُ تقيُّ الدينِ: (وهذه الشروطُ تُعتبَرُ حسبَ الإمكانِ، وتجبُ وِلايةُ الأمْثَلِ فالأمثلِ، وإنَّ على هذا يَدُلُّ كلامُ أحمدَ وغيرِه، فيُوَلِّي لعدمٍ أنفَعُ الفاسقَيْنِ وأقلُّهما شرًّا، وأعْدَلُ المقلِّدَيْنِ، وأعرَفُهُما بالتَّقليدِ)(3)، قال في الفروعِ:(وهو كما قال)(4).
ولا يُشترَطُ أن يكونَ القاضي كاتباً، أو وَرِعاً، أو زاهداً، أو يَقِظاً، أو مُثْبِتاً للقياسِ، أو حَسَنَ الخُلُقِ، والأَوْلَى كونُه كذلك.
(وَإِذَا حَكَّمَ) -بتشديدِ الكافِ- (اثْنَانِ) فأكثرَ (بَيْنَهُمَا رَجُلاً يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) فَحَكَم بينهما؛ (نَفَذَ حُكْمُهُ فِي المَالِ، وَالحُدُودِ، وَاللِّعَانِ، وَغَيْرِهَا (5) مِن كلِّ ما يَنفُذُ فيه حُكمُ مَن ولَّاهُ إمامٌ أو
(1)(11/ 103)، وذكره ابن حزم في مراتب الإجماع (ص 49)، وفي الإفصاح لابن هبيرة (2/ 395):(واتفقوا على أنه لا يجوز أن يتولى القضاء من ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة فإنه قال: يجوز ذلك)، وانظر الفروع (11/ 103).
(2)
في (ق): متقدمها ومتأخرها،
(3)
الاختيارات الفقهية (ص 625).
(4)
(11/ 107).
(5)
في (ع): غيرهما.
نائبُه؛ لأنَّ عمرَ وأُبَيًّا تحاكَمَا إلى زيدِ بنِ ثابتٍ (1)،
وتَحاكَم عثمانُ وطلحةُ إلى جبيرِ بنِ مُطعمٍ (2)، ولم يَكُن أحدٌ ممَّن ذَكَرْنا (3) قاضياً.
(1) رواه البيهقي (20463)، من طريق هشيم، ثنا سيار، ثنا الشعبي، قال: كان بين عمر بن الخطاب وبين أبي بن كعب رضي الله عنهما تدار في شيء، وادعى أبي على عمر رضي الله عنهما، فأنكر ذلك، فجعلا بينهما زيد بن ثابت، فأتياه في منزله، فلما دخلا عليه، قال له عمر رضي الله عنه:«أتيناك لتحكم بيننا، وفي بيته يؤتى الحكم» ، فوسع له زيد عن صدر فراشه، فقال:«ههنا يا أمير المؤمنين» ، فقال له عمر رضي الله عنه:«لقد جرت في الفتيا، ولكن أجلس مع خصمي» ، فجلسا بين يديه، فادعى أبي وأنكر عمر رضي الله عنهما، فقال زيد لأبي:«أعف أمير المؤمنين من اليمين، وما كنت لأسألها لأحد غيره» ، فحلف عمر رضي الله عنه، ثم أقسم لا يدرك زيد بن ثابت القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء. وهذا مرسل صحيح، قال أبو زرعة:(الشعبي عن عمر مرسل). ينظر: جامع التحصيل ص 204، الإرواء 8/ 238 ..
(2)
رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (5507)، والبيهقي (10424) من طريق رباح بن أبي معروف المكي، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة بن وقاص الليثي قال: اشترى طلحة بن عبيد الله من عثمان بن عفان مالاً، فقيل لعثمان: إنك قد غُبنت، وكان المال بالكوفة وهو مال آل طلحة الآن بها، فقال عثمان:«لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أر» ، فقال طلحة:«إلي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أر» ، فحكَّما بينهما جبير بن مطعم، فقضى أن الخيار لطلحة، ولا خيار لعثمان، ولم يذكر البيهقي في روايته علقمة بن وقاص الليثي، ورباح بن أبي معروف ضعفه ابن معين والنسائي. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 38.
(3)
في (ق): ذكرناه.
(بَابُ آدَابِ (1) القَاضِي)
أي: أخلاقِه التي يَنبغي له التَّخَلُّقُ بها.
(يَنْبَغِي)، أي: يُسنُّ (أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ)؛ لئلَّا يَطمَعَ فيه الظالمُ، والعنفُ ضِدُّ الرِّفقِ، (لَيِّناً مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ)؛ لئلَّا يَهابَهُ صاحبُ الحقِّ، (حَلِيماً)؛ لئلَّا يَغضَبَ مِن كلامِ الخصمِ، (ذَا أَنَاةٍ)، أي: تُؤَدَةٍ (2) وتأَنٍّ؛ لئلَّا تُؤدِّي عَجَلَتُه إلى ما لا يَنبغي، (وَ) ذا (فِطْنَةٍ)؛ لئلَّا يَخدَعُه بعضُ الأخصامِ.
ويُسنُّ أيضاً أن يكونَ عَفيفاً بصيراً بأحكامِ مَن قبلَه، ويَدخُلُ يومَ اثنينٍ أو خميسٍ أو سبتٍ، لابِساً هو وأصحابُه أجملَ الثيابِ، ولا يَتطيَّرُ، وإن تَفاءَلَ فحسنٌ.
(وَلْيَكُنْ مَجْلِسُهُ فِي وَسْطِ البَلَدِ) إن أمكن؛ ليَستوِيَ أهلُ البلدِ في المضيِّ إليه، ولِيَكُن مجلِسُه (فَسِيحاً) لا يَتأذَّى (3) فيه بشيءٍ.
ولا يُكرَه القضاءُ في الجامعِ، ولا يَتَّخِذُ حاجِباً ولا بَواباً بلا عُذرٍ، إلا في غيرِ مجلسِ الحكمِ.
(1) في (أ) و (ع) و (ق): أدب.
(2)
قال في المصباح المنير (1/ 87): (تؤدة: وزان رطبة، وفيه تؤدة أي: تثبت، وأصل التاء فيها واو).
(3)
في (ق): لئلا يتأذى.
(وَ) يجبُ أن (يَعْدِلَ بَيْنَ الخَصْمَيْنِ فِي لَحْظِهِ، وَلَفْظِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَدُخُولِهِمَا عَلَيْهِ)، إلا مسلماً مع كافرٍ، فيُقدَّمُ دُخولاً، ويُرفَعُ جُلوساً، وإن سلَّم أحدُهما ردَّ ولم يَنتَظِرْ سلامَ الآخرِ.
ويحرُمُ أن يُسَارَّ (1) أحدُهُما، أو يُلقِّنَهُ حُجَّتَه، أو يُضَيِّفَهُ، أو يُعَلِّمَهُ كيف يَدَّعِي إلا أن يَترُكَ ما يَلزَمُ (2) ذِكرُه في الدَّعوى.
(وَيْنَبَغِي)، أي: يُسنُّ (أَنْ يَحْضُرَ مِجْلِسَهُ فُقَهَاءُ المَذَاهِبِ، وَ) أن (يُشَاوِرَهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ) إن أمْكَنَ، فإن اتَّضَحَ له الحكمُ حَكَمَ وإلا أخَّرَه؛ لقولِه تعالى:(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)[آل عمران: 159].
(وَيَحْرُمُ القَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ كَثِيراً)؛ لخبرِ أبي بكرٍ (3) مرفوعاً: «لَا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» متفقٌ عليه (4)، (أَوْ) وهو (حَاقِنٌ، أَوْ فِي شِدَّةِ جُوعٍ، أَوْ) في شِدَّةِ (عَطَشٍ، أَوْ) في شِدَّة (هَمٍّ، أَوْ مَلَلٍ، أَوْ كَسَلٍ، أَوْ نُعَاسٍ، أَوْ بَرْدٍ مُؤْلِمٍ، أَوْ حَرٍّ مُزْعِجٍ)؛ لأنَّ ذلك كلَّه يُشغِلُ الفِكْرَ الذي يَتوصَّلُ به إلى إصابةِ الحقِّ في الغالبِ، فهو في معنى الغضبِ.
(1) في (ق): يسارر.
(2)
في (ق): يلزمه.
(3)
في (ب): أبي بكرة. وهو الصواب.
(4)
رواه البخاري (7158)، ومسلم (1717).
(وَإِنْ خَالَفَ) وحَكَمَ في حالٍ مِن هذه الأحوالِ (فَأَصَابَ (1) الحَقَّ؛ نَفَذَ) حُكْمُه؛ لموافقتِه (2) الصوابِ.
(وَيَحْرُمُ) على الحاكمُ (قَبُولُ رشْوَةٍ (3)؛ لحديثِ ابنِ عمرَ قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ» ، قال الترمذي:(حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)(4).
(1) في (ق): وأصاب.
(2)
في (أ) و (ع): لموافقة.
(3)
قال في المطلع (ص 259): (الرّشوَةَ: وهي بتثليث الراء، وجمعها رِشًى، ورُشًى - بكسر الراء وضمها-، وهي ما يتوصل به إلى ممنوع، فإن كان حقًّا فالإثم على المرتشي، وإن كان باطلاً فالإثم عليهما، وأصلها من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء، فالراشي: معطي الرشوة، والمرتشي: الآخذ، والرائش: الساعي بينهما).
(4)
رواه أحمد (6532)، وأبو داود (3580)، والترمذي (1337)، وابن ماجه (2313)، وابن الجارود (586)، وابن حبان (5077)، والحاكم (7066)، من طريق الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً. وصححه الترمذي، وابن الجارود، وابن حبان، وقال الحاكم:(حديث صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، وقال الدارمي:(حديث أبى سلمة عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم أحسن شيء في هذا الباب وأصح)، وصححه الإشبيلي، وابن القطان، وابن حجر، والألباني.
وأعله ابن حزم، فقال:(خبر لعنه الراشي إنما رواه الحارث بن عبد الرحمن وليس بالقوي)، وأجيب: بأنه الحارث قال فيه النسائي: (ليس به بأس)، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب:(صدوق).
ينظر: المحلى 8/ 119، بيان الوهم 3/ 548، البدر المنير 9/ 574، فتح الباري 5/ 221، تهذيب التهذيب 2/ 148، الإرواء 8/ 243.
(وَكَذَا) يحرُمُ على القاضي قَبُولُ (هَدِيَّةٍ)؛ لقولِه عليه السلام: «هَدَايَا العُمَّالِ غُلُولٌ» رواه أحمدُ (1)، (إِلَّا) إذا كانت الهدِيَّةُ (مِمَّنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حُكُومَةٌ (2)، فله أَخذُها كمُفْتٍ، قال (3) القاضي:(ويُسنُّ له التَّنَزُّهُ عنها)(4).
فإن أحسَّ أنه يُقَدِّمُها (5) بين يدي خُصومةٍ، أو فَعَلَها حالَ الحُكومةِ؛ حَرُمَ أخذُها في هذه الحالةِ (6)؛ لأنَّها كالرشوةِ.
ويُكره بيعُه وشراؤه إلا بوكيلٍ لا يُعرَفُ به.
(1) رواه أحمد (23601)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن عروة بن الزبير، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه مرفوعاً. وحسن إسناده ابن الملقن، وضعَّفه ابن حجر فقال:(وفي إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن غير أهل المدينة ضعيفة، وهذا منها)، ووافقه الألباني.
وأعلَّه الدارقطني بقوله: (تفرد به إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن عروة).
قال ابن حجر: (وقيل: إنه رواه بالمعنى من قصة ابن اللتبية)، وهذا رواه البخاري (7174)، ومسلم (1832)، من طريق الزهري، عن عروة، عن أبي حميد الساعدي في قصة طويلة.
قال ابن حجر: (وفي الباب عن أبي هريرة وبن عباس وجابر ثلاثتها في الطبراني الأوسط بأسانيد ضعيفة)، وبهذه الشواهد صحَّح الألباني الحديث. ينظر: أطراف الغرائب 5/ 36، تحفة المحتاج 2/ 572، التلخيص الحبير 4/ 459، فتح الباري 5/ 221، الإرواء 8/ 247.
(2)
قال في المطلع (ص 485): (الحُكومة -بضم الحاء-: القضية المحكوم فيها).
(3)
في (ق): قاله.
(4)
انظر: المغني (10/ 69).
(5)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): تقدمها.
(6)
في (ق): هذه الحال.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَحْكُمَ إِلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ)؛ ليَستوفِيَ بهم الحقَّ، ويحرُمُ تَعيينُهُ قوماً بالقبولِ.
(وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ)؛ كوالدِه، وولدِه، وزوجتِه، ولا على عدوِّه؛ كالشهادةِ.
ومتى عَرَضَت له أو لأحدٍ ممَّن ذُكِر حُكومةٌ؛ تَحاكَما إلى بعضِ خلفائِه أو رَعيَّتِه، كما حاكَمَ عمرُ أُبَيًّا إلى زيدِ بنِ ثابتٍ (1).
ويُسنُّ أن يَبدَأَ بالمحبوسين (2)، ويَنظُرَ فِيمَ حُبِسوا، فمن استحقَّ الإبقاءَ أبقاه، ومَن استحقَّ الإطلاقَ أطلَقَه، ثمَّ في أمْرِ أيتامٍ، ومجانين، ووقوفٍ ووصايا لا ولِيَّ لهم ولا ناظِرَ.
ولو نفَّذَ الأوَّلُ وصيةَ موصىً إليه؛ أمضاها الثاني وجوباً.
ومَن كان مِن أُمَناءِ الحاكمِ للأطفالِ والوَصايا التي لا وَصِيَّ لها بحالِه؛ أقرَّه (3)، ومَن فَسَق عَزَلَه.
ولا يُنقَضُ مِن حُكْمِ صالحٍ للقضاءِ، إلا ما خالَفَ نصَّ كتابٍ (4) أو سنةٍ؛ كقَتلِ مسلمٍ بكافرٍ، وجَعلِ مَن وَجَدَ عينَ مالِه عند مَن
(1) تقدم تخريجه صفحة .... الفقرة ....
(2)
في (ق): أن ينظر في المحبوسين.
(3)
في (أ) و (ب) و (ع): أقره بحاله.
(4)
في (ق): كتاب الله.
فُلِّسَ (1) أُسوَةَ الغرماءِ، أو إجماعاً قطعيًّا، أو ما يَعتقِدُه، فيَلزَمُ نَقضُهُ، والناقِضُ له حاكِمُهُ (2) إن كان.
(وَمَنِ ادَّعَى عَلَى غَيْرِ بَرْزَةٍ)، أي: طَلَب مِن الحاكمِ أن يُحضِرَها للدَّعوى عليها؛ (لَمْ تَحْضُرْ)؛ أي: لم يَأمُرْ الحاكمُ بإحضارِها، (وَأُمِرَتْ بِالتَّوْكِيلِ)؛ للعُذْرِ، فإن كانت بَرْزَةً، وهي التي تَبْرُزُ لقضاءِ حوائِجِها؛ أُحضِرَت، ولا يُعتبَرُ مَحْرَمٌ تحضُرُ معه.
(وَإِنْ لَزِمَهَا)، أي: غيرَ البرزة إذا وَكَّلت (يَمِينٌ؛ أَرْسَلَ) الحاكمُ (مَنْ يُحَلِّفُهَا)، فيَبعَثُ شاهدين لتُستَحلَفَ بحضرتِهما.
(وَكَذَا) لا يَلزَمُ إحضارُ (المَرِيضِ (3)، ويُؤمَرُ أن يُوكِّلَ، فإن وَجَبَت عليه يمينٌ؛ بَعَث إليه مَن يُحلِّفَهُ.
ويُقبَلُ قولُ قاضٍ مَعزولٍ عَدلٍ لا يُتَّهَمُ: كنتُ حَكمْتُ لفلانٍ على فلانٍ بكذا، ولو لم يَذكُرْ مُستندَهُ، أو لم يَكُن بسِجِلِّه.
(1) في (ح) و (ق): أفلس. وفي هامشها: (قال شيخنا عبد الله: صوابه: فُلِّس)، يعني: عبد الله أبا بطين رحمه الله.
(2)
في (ع): حاكم.
(3)
في (أ) و (ع): مريض.