الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ)
أي: تَرتيبِه على شيءٍ حاصلٍ أو غيرِ حاصلٍ بـ (إِنْ) أو إحدى أخواتِها.
و(لَا يَصِحُّ) التعليقُ (إِلَّا مِنْ زَوْجٍ) يَعقِلُ الطلاقَ، فلو قال: إن تزوَّجْتُ امرأةً، أو فلانةَ فهي طالِقٌ؛ لم يَقعْ بتَزوُّجِها (1)؛ لحديثِ عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جده مرفوعاً:«لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والترمذي وحسَّنه (2).
(1) في (أ) و (ع) و (ق): بتزويجها.
(2)
رواه أحمد (6769)، وأبو داود (2190)، والترمذي (1181)، وابن ماجه (2047)، وابن الجارود (743)، والحاكم (2820)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعاً. قال الترمذي:(حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب)، وقال:(سألت محمداً - يعني: البخاري - عن هذا الحديث، فقلت: أي حديث في هذا الباب أصح في الطلاق قبل النكاح؟ فقال: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده)، وصحَّحه ابن الجارود، والحاكم، والذهبي، والألباني، وحسَّنه الخطابي، وعدَّه ابن عبد البر أحسن الأسانيد في هذا الباب.
وقال ابن عبد البر: (وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة إلا أنها عند أهل الحديث معلولة، ومنهم من يصحح بعضها، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يخالفها)، وعلَّق ابن الملقن فقال:(قد عرفت صحة بعضها من كلام الترمذي والحاكم والبيهقي وغيرهم، ولا يقدح فيها بعض طرقها الضعيفة).
وذكر ابن حجر له علة وأجاب عنها، فقال:(وقد اختلف فيه على عمرو بن شعيب، فرواه عامر الأحول، ومطر الوراق، وعبد الرحمن بن الحارث، وحسين المعلم، كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والأربعة ثقات وأحاديثهم في السنن، ومن ثم صححه من يقوي حديث عمرو بن شعيب، وهو قوي، لكن فيه علة الاختلاف، وقد اختلف عليه فيه اختلافا آخر، فأخرج سعيد بن منصور من وجه آخر عن عمرو بن شعيب أنه سئل عن ذلك فقال: كان أبي عرض علي امرأة يزوجنيها فأبيت أن أتزوجها وقلت: هي طالق ألبتة يوم أتزوجها، ثم ندمت فقدمت المدينة، فسألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير فقالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق إلا بعد نكاح»، وهذا يشعر بأن من قال فيه: عن أبيه عن جده سلك الجادة، وإلا فلو كان عنده عن أبيه عن جده لما احتاج أن يرحل فيه إلى المدينة ويكتفي فيه بحديث مرسل، وقد تقدم أن الترمذي حكى عن البخاري أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أصح شيء في الباب، وكذلك نقل مهنا عن الإمام أحمد، فالله أعلم)، والذي في سنن سعيد بن منصور (1021) رواه من طريق أبي علقمة الفروي، حدثني عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة به، وعبد الحكيم قال فيه الذهبي في الميزان:(صويلح)، فلا تُضعَّف رواية الثقات الأربعة مع تصحيح الأئمة برواية عبد الحكيم، وذكر الدارقطني الاختلاف على عمرو بن شعيب، ثم صوَّب ما رواه الأربعة عنه، عن أبيه، عن جده. ينظر: العلل الكبير ص 173، علل الدارقطني 6/ 65، الاستذكار 6/ 188، معالم السنن 3/ 241، ميزان الاعتدال 2/ 537، البدر المنير 8/ 95، فتح الباري 9/ 384، الإرواء 6/ 173.
(فَإِذَا عَلَّقَهُ)، أي: عَلَّق الزوجُ الطلاقَ (بِشَرْطٍ) متقدِّمٍ أو متأخِّرٍ؛ كـ: إن دخَلْتِ الدَّارَ فأنتِ طالقٌ، أو أنتِ طالقٌ إنْ قُمْتِ؛ (لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَهُ)، أي: قبلَ وجودِ الشَّرطِ، (وَلَوْ قَالَ: عَجَّلْتُهُ)، أي: عَجَّلتُ ما عَلَّقتُهُ؛ لم يَتعجَّلْ؛ لأنَّ الطلاقَ تَعلَّق بالشَّرطِ، فلم يَكُن له تَغييرُهُ (1).
(1) في (ق): تغيير.
فإن أراد تَعجيلَ طلاقٍ سِوى الطلاقِ المعلَّقِ؛ وَقَع، فإذا وُجِدَ الشرطُ الذي عَلَّق به الطلاقَ وهي زوجتُهُ؛ وَقَع أيضاً.
(وَإِنْ قَالَ) مَن عَلَّق الطلاقَ بشرطٍ: (سَبَقَ لِسَانِي بالشَّرْطِ وَلَمْ أُرِدْهُ؛ وَقَعَ (1) الطلاقُ (فِي الحَالِ)؛ لأنَّه أقرَّ على نفسِه بما هو أغلَظُ مِن غيرِ تُهَمَةٍ (2).
(وَإِنْ قَالَ) لزوجتِه: (أنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرَدْتُ إِنْ قُمْتِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) منه (حُكْماً)؛ لعدمِ ما يَدُّلُ عليه، و: أنتِ طالقٌ مريضة - رفعاً ونصباً-؛ يَقعُ بمرضِها.
(وَأَدَوَاتُ الشَّرْطِ) المستعملةُ غالِباً: (إِنْ) بكسرِ الهمزةِ وسُكونِ النونِ، وهي أُمُّ الأدواتِ، (وَإِذَا، وَمَتَى، وَأَيُّ) بفتحِ الهمزةِ وتشديدِ الياءِ، (وَمَنْ) بفتحِ الميمِ وسُكونِ النونِ، (وَكُلَّمَا، وَهِيَ) أي: كُلَّما (وَحْدَهَا لِلتِّكْرَارِ)؛ لأنَّها تَعُمُّ الأوقاتَ، فهي بمعنى: كلَّ وقتٍ، وأما (مَتَى) فهي اسمُ زمانٍ بمعنى: أيَّ وقتٍ، وبمعنى:(إذا)، فلا تَقتضِي التكرارَ.
(1) سقط في (ح) إلى قوله في فصل (في تعليقه بالحيض) صفحة .... : (عن اليوم والليلة لم تطلق).
(2)
قال في المطلع (487): (التُهَمَة: بوزن همزة، أصلها وهمة، قال الجوهري: وتوهمت ظننت وأوهمت غيري إيهاماً، والتوهم مثله، واتهمت فلانًا بكذا، والاسم التهمة).
(وَكُلُّهَا)، أي: كلُّ أدواتِ الشَّرطِ المذكورةِ، (وَمَهْمَا)، وحَيثُما (بِلَا لَمْ)، أي: بدونِ لم، (أَوْ نِيَّةِ فَوْرٍ، أَوْ قَرِينَتِهِ)، أي: قرينةِ الفَورِ؛ (لِلتَّرَاخِي، وَ) هي (مَعَ لَمْ لِلفَوْرِ) إلا مع نيةِ التَّراخي أو قرينتِه، (إِلَّا إِنْ) فإنَّها للتَّراخي حتى مع لم (مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ فَوْرٍ أَوْ قَرِينَتِهِ).
(فَإِذَا قَالَ) لزوجتِه: (إِنْ قُمْتِ) فأنتِ طالِقٌ، (أَوْ إِذَا) قمتِ فأنتِ طالِقٌ، (أَوْ مَتَى) قمتِ فأنتِ طالِقٌ، (أَوْ أَيُّ وَقْتٍ) قمتِ فأنتِ طالِقٌ، (أَوْ مَنْ قَامَتْ) مِنكنَّ فهي طالِقٌ، (أَوْ كُلَّمَا قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَتَى وُجِدَ) القيامُ (طَلُقَتْ) عَقِبَهُ وإن بَعُدَ القيامُ عن زمانِ (1) الحلفِ.
(وَإِنْ تَكَرَّرَ الشَّرْطُ) المعلَّقُ عليه (لَمْ يَتَكَرَّرِ الحِنْثُ)؛ لما تقدَّم (إِلَّا فِي كُلَّمَا)، فيَتكرَّرُ معها الحِنثُ عندَ تَكرُّر (2) الشرطِ؛ لما سَبَق.
(وَ) إن قال: (إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يَنْوِ وَقْتاً، وَلَمْ تقُمْ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ، وَلَمْ يُطَلِّقْها؛ طَلُقَتْ فِي آخِرِ حَيَاةِ أَوَّلِهِمَا مَوْتاً)؛ لأنَّه عَلَّق الطلاقَ على تَركِ الطلاقِ، فإذا مات الزوجُ فقد وُجِدَ التركُ منه، وإن ماتت هي فات طلاقُها بموتِها.
(1) في (ع): زمن.
(2)
في (ق): تكرار.
(وَ) إن قال: (مَتَى لَمْ) أُطلِّقْكِ فأنتِ طالِقٌ، (أَوْ إِذَا لَمْ) أُطلِّقْكِ فأنتِ طالِقٌ، (أَوْ أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ إِيقَاعُهُ فِيهِ وَلَمْ يَفْعَلْ؛ طَلُقَتْ)؛ لما تقدَّم.
(وَ) إن قال: (كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَمَضَى مَا يُمْكِنُ إِيقَاعُ ثَلَاثِ) طلقاتٍ (مُرتَّبَةٍ)، أي: واحدةٍ بعدَ واحدةٍ (فِيهِ)، أي: في الزَّمنِ الذي مضَى (1)؛ (طَلُقَتِ المَدخُولُ بِهَا ثَلَاثاً)؛ لأنَّ (كُلَّمَا) للتكرارِ، (وَتبِينُ غَيْرُهَا)، أي: غيرُ المدخولِ بها (بِـ) الطلقةِ (الأُولَى)، فلا تَلحَقُها (2) الثانيةُ ولا الثالثةُ.
(وَ) إن قال: (إِنْ قُمْتِ فَقَعَدْتِ)؛ لم تَطلُقْ حتى تَقومَ ثم تَقعُدَ، (أَوْ) قال: إن قُمت (ثُمَّ قَعَدْتِ)؛ لم تَطلُقْ حتى تَقومَ ثم تَقعُدَ، (أَوْ) قال:(إِنْ قَعَدتِ إِذَا قُمْتِ)؛ لم تَطلُقْ حتى تَقومَ ثم تَقعُدَ، (أَوْ) قال:(إِنْ قَعَدْتِ إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ)؛ لأنَّ لفظَ (3) ذلك يَقتضِي تَعليقَ الطلاقِ على القيامِ مَسبوقاً بالقعودِ، ويُسَمَّى نحوُ:(إن قعَدْتِ إنْ قُمْتِ) اعتراضَ الشرطِ على الشرطِ، فيَقتضِي تَقديمَ المتأخِّرِ وتأخيرَ المتقدِّمِ؛ لأنَّه جَعَل الثاني في اللَّفظِ شَرطاً للذي قبلَه، والشرطُ يَتقدَّمُ المشروطَ، فلو قال: إن أعطَيْتُكِ
(1) في (ع) زيادة: ولم أطلقك.
(2)
في (ق): يلحقها.
(3)
في (أ) و (ق): لفظه.