الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
(وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إِلَّا مُحَرَّرَةً)
؛ لأنَّ الحُكمَ مرتَّبٌ عليها، ولذلك قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«وَإِنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» (1).
ولا تصحُّ أيضاً إلا (مَعْلُومَةَ المُدَّعَى بِهِ)، أي: تكونُ (2) بشيءٍ معلومٍ؛ ليَتأتَّى الإلزامُ (3)، (إِلَّا) الدَّعوى بـ (مَا نُصَحِّحُهُ مَجْهُولاً؛ كَالوَصِيَّةِ) بشيءٍ مِن مالِه، (وَ) الدَّعوى بـ (عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ) جَعَلَه (مَهْراً، وَنَحْوِهِ)؛ كعوضِ خُلْعٍ، أو أقرَّ بهِ فيُطالِبُه بما وَجَب له.
ويُعتبَرُ أن يُصرِّحَ بالدَّعوى، فلا يَكفي: لي عندَه كذا، حتى يقولَ: وأنا مطالِبُه به.
ولا تُسمَعُ بمُؤجَّلٍ لإثباتِه، غيرِ تدبيرٍ، واستيلادٍ (4)، وكتابةٍ.
ولا بُدَّ أن تَنفَكَّ عمَّا يُكَذِّبُها، فلا تصحُّ على إنسانٍ أنه قَتَل أو سَرَق مِن عشرين سنةً وسِنُّهُ دونَها.
ولا يُعتبَرُ فيها ذِكرُ سببِ الاستحقاقِ.
(1) رواه البخاري (6967)، ومسلم (1713) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(2)
في (أ) و (ب) و (ح) و (ق): أن تكون.
(3)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): الإلزام به.
(4)
في (أ) و (ع): وإيلاد.
(وَإِنِ ادَّعَى عَقْدَ نِكَاحٍ، أَوْ) عَقْدَ (بَيْعٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا)؛ كإجارةٍ؛ (فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ)؛ لأنَّ الناسَ مختلِفُون في الشروطِ، فقد لا يكونُ العقدُ صحيحاً عند القاضي.
وإن ادَّعَى استدامةَ الزوجيَّةَ؛ لم يُشترَطْ ذِكرُ شروطِ العقدِ.
(وَإِن ادَّعَتِ امْرأَةٌ نِكَاحَ رَجُلٍ لِطَلَبِ نَفَقَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِمَا؛ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا)؛ لأنَّها تدَّعِي حقًّا لها تُضِيفُه إلى سببِه.
(وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ) مِن نفقةٍ ومهرٍ وغيرِهما؛ (لَمْ تُقْبَلْ) دَعواها؛ لأنَّ النكاحَ حقُّ الزوجِ عليها، فلا تُسمَعُ دَعْواها بحقٍّ لغيرِها.
(وَإِنِ ادَّعَى) إنسانٌ (الإِرْثَ ذَكَرَ سَبَبَهُ)؛ لأنَّ أسبابَ الإرثِ تَختلِفُ (1)، فلا بُدَّ مِن تعيينِه.
ويُعتبَرُ تَعْيينُ مُدَّعى به إن كان حاضراً بالمجلسِ، وإحضارُ عينٍ بالبلدِ لتُعَيَّنَ (2)، وإن كانت غائبةً وَصَفَها كسَلَمٍ، والأَوْلَى ذِكرُ قيمتِها أيضاً.
(وَتُعْتَبَرُ عَدَالَةُ البَيِّنَةِ ظَاهِراً وَبَاطِناً)؛ لقولِه تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)[الطلاق: 2]، إلا في عَقدِ النكاحٍ فتَكفي العدالةُ ظاهراً كما تقدَّم.
(1) في (ع): مختلفة.
(2)
في (ق): لتتعين.
(وَمَنْ جُهِلَتْ عَدَالَتُهُ سَأَلَ) القاضي (عَنْهُ) ممَّن له به خبرةٌ باطنةٌ بصُحْبَةٍ أو مُعاملةٍ
ونحوِهما.
وتُقدَّمُ بيِّنةُ جَرحٍ على تَعديلٍ.
وتَعديلُ الخصمِ وحدَهُ أو تصديقُه للشاهدِ؛ تعديلٌ له.
(وَإِنْ عَلِمَ) القاضي (عَدَالَتَهُ)، أي: عدالةَ الشاهدِ؛ (عَمِلَ بِهَا)، ولم يَحتَجْ لتزكيةٍ (1)، وكذا لو عَلِمَ فِسْقَهُ.
(وَإِنْ جَرَحَ الخَصْمُ الشُّهُودَ؛ كُلِّفَ البَيِّنَةَ بِهِ)، أي: بالجرحِ، ولا بدَّ مِن بيانِ سببِه عن رؤيةٍ أو استفاضةٍ، (وَأُنْظِرَ) مَن ادَّعى الجَرحَ (لَهُ ثَلَاثاً إِنْ طَلَبَهُ، وَلِلمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ)، أي: مُلازَمَةُ خَصمِهِ في مُدَّةِ الإنظارِ؛ لئلَّا يَهرَبَ، (فَإِنْ لَمْ يَأْتِ) مُدَّعِي الجَرحِ (بِبَيِّنَةٍ؛ حُكِمَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّ عَجزَه عن إقامةِ البيِّنةِ على الجَرحِ في المدَّةِ المذكورةِ دليلٌ على عَدَمِ ما ادَّعاه.
(وَإِنْ جَهِلَ) القاضي (حَالَ البَيِّنَةِ؛ طَلَبَ مِنَ المُدَّعِي تَزْكيَتَهُمْ)؛ لتَثْبُتَ عدالتُهُم فيُحكَمَ له.
(وَيَكْفِي فِيهَا)، أي: في التزكيةِ (عَدْلَانِ يَشْهَدَانِ بِعَدَالَتِهِ)، أي: بعدالةِ الشاهدِ.
(1) في (ق): لتزكيته.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَ) في (التَّزْكِيَةِ، وَ) في (الجَرْحِ وَالتَّعْرِيفِ) عند حاكمٍ، (وَالرِّسَالَةِ) إلى قاضٍ آخرَ بكتابةٍ (1) ونحوِه؛ (إِلَّا قَوْلُ عَدْلَيْنِ) إن كان ذلك فيما يُعتبَرُ فيه شهادةُ عدلَيْنِ، وإلا فحُكمُ ذلك حُكمُ الشهادةِ على ما يأتي تَفصيلُه.
وإن قال المدَّعِي: لي بيِّنةٌ وأريدُ يمينَه، فإن كانت بالمجلسِ فليس له إلا إحداهُما (2)، وإلا فله ذلك، وإن سأَلَ ملازمَتَه حتى يُقِيمَها؛ أُجيبَ في المجلسِ، فإن لم يُحضِرْها فيه (3) صَرَفَه؛ لأنَّه لم يَثبُتْ له قِبَلَهُ حقٌّ حتى يُحبَسَ به.
(وَيُحْكَمُ عَلَى الغَائِبِ) مسافةَ القصرِ (إِذَا ثَبَتَ (4) عَلَيْهِ الحَقُّ)؛ لحديثِ هندٍ، قالت: يا رسولَ اللهِ إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، وليس يُعطِيني مِن النفقةِ ما يَكفيني وَوَلَدِي، قال:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ» متفقٌ عليه (5)، فتُسمَعُ الدَّعوى والبيِّنةُ على الغائبِ مسافةَ قَصرٍ، وعلى غيرِ مكلَّفٍ، ويُحكَمُ بها، ثم إذا حَضَر الغائبُ فهو على حُجَّتِه.
(1) في (ب) و (ح) و (ق): بكتابه.
(2)
في (ح): أحدهما.
(3)
سقطت من (ق).
(4)
في (ق): أثبت.
(5)
رواه البخاري (5364)، ومسلم (1714)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(وَإِنِ ادَّعَى) إنسانٌ (عَلَى حَاضِرٍ فِي البَلَدِ غَائِبٍ عَنْ مَجْلِسِ (1) الحُكْمِ)، أو على مسافرٍ دونَ مسافةِ قَصرٍ غيرِ مُستترٍ، (وَأَتَى (2) المدَّعي (بِبَيِّنَةٍ؛ لَمْ تُسْمَعِ الدَّعْوَى وَلَا البَيِّنَةُ) عليه حتى يَحضُرَ مَجلِسَ الحُكمِ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ سُؤالُه، فلم يَجُزْ الحُكمُ عليه قبلَه.
(1) في (ق): المجلس.
(2)
في (ق): أو أتى.
(بَابُ كِتَابِ (1) القَاضِي إِلَى القَاضِي)
أجمعت الأُمَّةُ على قَبولِه؛ لدعاءِ الحاجةِ.
فـ (يُقْبَلُ كِتَابُ القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي كُلِّ حَقٍّ) لآدميٍّ؛ كالقرضِ، والبيعِ، والإجارةِ، (حَتَّى القَذْفِ)، والطلاقِ، والقَوَدِ، والنكاحِ، والنسبِ؛ لأنَّها حقوقُ آدميٍّ لا تُدْرأُ بالشبهاتِ.
و(لَا) يُقبلُ (فِي حُدُودِ اللهِ) تعالى؛ (كَحَدِّ الزِّنَا وَنَحْوِهِ)؛ كشربِ الخمرِ؛ لأنَّ حُقوقَ اللهِ تعالى مَبنِيَّةٌ على السِّترِ والدَّرءِ بالشبهاتِ.
(وَيُقْبَلُ) كتابُ القاضي (فِيمَا حَكَمَ بِهِ) الكاتبُ (لِيُنَفِّذَهُ) المكتوبُ إليه، (وَإِنْ كَانَ) كلٌّ منهما (فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ)؛ لأنَّ حُكْمَ الحاكمِ يجبُ إمضاؤه على كلِّ حالٍ.
(وَلَا يُقْبَلُ) كتابُه (فِيمَا ثَبَتَ (2) عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ) المكتوبُ (3) إليه (بِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُما مَسَافَةُ قَصْرٍ (4) فأكثرَ؛ لأنَّه نَقلُ شهادةٍ إلى المكتوبِ إليه فلم يَجُزْ مع القُربِ؛ كالشهادةِ على الشهادةِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ) كتابَه (إِلَى قَاضٍ مُعيَّنٍ، وَ) أن يَكتُبَه (إِلَى كُلِّ
(1) في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): حكم كتاب.
(2)
في (ق): يثبت.
(3)
في (ق): بالمكتوب.
(4)
في (ق): القصر.
مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ كِتَابُهُ مِنْ قُضَاةِ المُسْلِمِينَ) مِن غيرِ تَعْيِينٍ، ويَلزَمُ مَن وَصَل إليه قَبُولُه؛ لأنَّه كتابُ حاكمٍ مِن وِلايتِه وَصَل إلى حاكمٍ، فلَزِمَه قَبولُه؛ كما لو كَتَب إلى مُعيَّنٍ.
(وَلَا يُقْبَلُ) كتابُ القاضي (إِلَّا أَنْ يُشْهِدَ بِهِ القَاضِي الكَاتِبُ شَاهِدَيْنِ) عَدلَيْنِ يَضبِطانِ معناه وما يَتعلَّقُ به الحُكمُ، (فَيَقْرَؤُهُ) القاضي الكاتِبُ (عَلَيْهِمَا)، أي: على الشاهِدَين، (ثُمَّ يَقُولُ: اشْهَدَا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلانِ ابْنِ فُلانٍ)، أو إلى مَن يصِلُ إليه مِن قضاةِ المسلمين، (ثُمَّ يَدْفَعُهُ إِلَيْهِمَا)، أي: إلى العَدلَيْنِ اللَّذَين (1) شَهِدَا بما في الكتابِ، فإذا وَصَلا دَفعَاهُ إلى المكتوبِ إليه، وقالا (2): نَشهَدُ أنه (3) كتابُ فلانٍ إليك، كَتَبَهُ بعَمَلِه، والاحتياطُ خَتْمُهُ بعدَ أن يُقرَأَ عليهما، ولا يُشترَطُ، وإن أشهَدَهُما عليه مُدرَجاً مَختوماً؛ لم يصحَّ.
(1) في (أ): الذين.
(2)
في (ق): قال.
(3)
في (ق): أن.