الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)
جمعُ جنايةٍ، وهي لغةً: التَّعدِّي على بدنٍ، أو مالٍ، أو عرضٍ.
واصطلاحاً: التَّعدِّي على البَدَنِ بما يوجِبُ قِصاصاً أو مالاً.
ومَن قَتَل مُسلماً عمداً عدواناً فَسَق، وأمرُهُ إلى اللهِ، إن شاء عذَّبَه وإن شاء غَفَر له، وتوبتُهُ مَقبولةٌ.
(وَهِيَ)، أي: الجنايةُ ثلاثةُ أضرُبٍ:
(عَمْدٌ (1) يَخْتَصُّ القَوَدُ بِهِ)، والقَوَدُ: قَتلُ القاتِل بمَن قَتَلَهُ، (بِشَرْطِ القَصْدِ)، أي: أن يَقصِدَ الجاني الجنايةَ.
(وَ) الضربُ الثاني: (شِبْهُ عَمْدٍ).
(وَ) الثالثُ: (خَطَأٌ)، رُوي ذلك عن عمرَ، وعليٍّ رضي الله عنهما (2).
(1) في (ق): ضرب عمد.
(2)
أي: في إثبات قسم شبه العمد، قال في المغني (8/ 260):(أكثر أهل العلم يرون القتل منقسماً إلى هذه الأقسام الثلاثة، روي ذلك عن عمر، وعلي).
أما أثر عمر: فرواه أبو داود (4550)، من طريق سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال:«قضى عمر في شبه العمد: ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها» ، قال الزيلعي:(إلا أن مجاهد لم يسمع من عمر، فهو منقطع)، ووافقه الألباني.
وأما أثر علي: فرواه أبو داود (4551)، من طريق عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه، أنه قال:«في شبه العمد أثلاث: ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها، وكلها خلفة» قال الزيلعي: (وعاصم بن ضمرة فيه مقال).
ورواه عبد الرزاق (17222)، من طريق منصور، عن إبراهيم عن علي رضي الله عنه. وهذا مرسل. ينظر: نصب الراية 4/ 357، الإرواء 7/ 273.
(فَـ) القتلُ (العَمْدُ: أَنْ يَقْصِدَ مَنْ يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُوماً فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ)، فلا قِصاصَ إن لم يَقصِدْ قَتلَهُ، ولا إن قَصَده بما لا يَقتُلُ غالباً.
وللعمدِ تِسعُ صُوَرٍ:
إحداها: ما ذَكَره بقولِه: (مِثْلُ أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ)، أي: نُفوذٌ (فِي البَدَنِ)؛ كسكِّينٍ، وشوكةٍ، ولو بِغَرْزِهِ بإبرةٍ ونحوِها، ولو لم يُدَاوِ مجروحٌ قادرٌ جُرحَهُ.
الثانيةُ: أن يَقتُلَهُ بمُثَقَّلٍ، كما أشار بقولِه:(أَوْ يَضْرِبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ وَنَحْوِهِ)؛ كلُتٍّ (1)، وسَنْدَانٍ (2)
(1) قال في المطلع (ص 434): (اللُّتُ -بضم اللام-: نوع من آلة السلاح معروف في زماننا، وهو لفظ مُولَّد ليس من كلام العرب، ولم أره في شيء مما صنف في المعرب، وأخبرني الشيخ أبو الحسن، علي بن أحمد بن عبد الواحد، أنه قرأه على المصنف بالضم، فينبغي أن يقرأ مضموماً كما يقوله الناس).
(2)
قال في المطلع (ص 434): (أما السندان، فلم أره في شيء من كتب اللغة أيضاً، فالظاهر أنه مولد، وهو عبارة عن الآلة المعروفة من الحديد الثقيلة يعمل عليها الحداد صناعته). وفي لسان العرب (15/ 91): (العَلاة: الزبرة التي يضرب عليها الحداد الحديد، والعلاة: السندان).
ولو في غيرِ مَقْتَلٍ (1)، فإن كان الحجرُ صغيراً فليس بعَمْدٍ إلا إن كان في مَقتَلٍ، أو حالِ ضعفِ قوةٍ مِن مرضٍ، أو صِغَرٍ، أو كِبَرٍ، أو حَرٍّ، أو بَرْدٍ، ونحوِه، أو يُعِيدُه به، (أَوْ يُلْقِيَ عَلَيْهِ حَائِطاً) أو سَقفاً ونحوَهما (2)، (أَوْ يُلْقِيَهُ مِنْ شَاهِقٍ) فيموتُ.
الثالثةُ: أن يُلقِيَه بجُحْرِ أسدٍ أو نحوِه، أو مَكتُوفاً بحَضْرَتِه، أو في مَضيقٍ بحَضْرَةِ حيَّةٍ، أو يُنهِشَه كلباً أو حيَّةً، أو يُلسِعَه عَقرباً مِن القَواتِلِ غالباً.
الرابعةُ: ما أشار إليه بقولِه: (أَوْ) يُلقِيَهُ (فِي نَارٍ، أَوْ مَاءٍ يُغْرِقُهُ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُمَا)؛ لعجزِه أو كثرتِهما، فإن أمْكَنَهُ فهَدَرٌ.
الخامسةُ: ذَكَرها بقولِه: (أَوْ يَخْنِقَهُ) بحَبْلٍ أو غيرِه، أو يَسُدَّ فمَه وأنفَه، أو يَعصِرَ خُصْيَتَيْهِ زَمَناً يموتُ في مثلِه.
السادسةُ: أشار إليها بقولِه: (أَوْ يَحْبِسَهُ وَيَمْنَعَهُ (3) الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ فَيَمُوتَ مِنْ ذلِكَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِيهَا غَالِباً)، بشرطِ تعَذُّرِ الطَّلبِ عليه، وإلا فَهَدَرٌ.
(1) قال في المطلع (ص 434): (المقتَل -بفتح التاء-: واحد المقاتل، وهي المواضع التي إذا أصيبت قتلته، يقال: مقتل الرجل بين فكيه).
(2)
في (ق): ونحوها.
(3)
في (ع): أو يمنعه.
السابعةُ: ما أشار إليه (1) بقولِه: (أَوْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ) يَقتلُ غالباً.
الثامنةُ: المذكورةُ في قولِه: (أَوْ) يَقتلَهُ بـ (سُمٍّ)؛ بأن سَقاه سُمًّا لا يَعلَمُ به، أو يخلِطَهُ بطعامٍ ويُطعِمَه له، أو بطعامِ آكلِه فيأكُلَه جهلاً.
ومتى ادَّعى قاتِلٌ بسُمٍّ أو سِحرٍ عدمَ عِلمِه أنَّه قاتِلٌ؛ لم يُقبَلْ.
التاسعةُ: المشارُ إليها بقولِه: (أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنةٌ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ) مِن زناً، أو رِدَّةٍ لا تُقبَلُ معها التَّوبةُ، أو قَتلِ عَمدٍ، (ثُمَّ رَجَعُوا)، أي: الشُّهودُ بعدَ قَتلِه (وَقَالُوا: عَمَدْنَا قَتْلَهُ).
فيُقادُ بهذا كلِّه (وَنَحْوَ ذلِكَ)؛ لأنَّهم توَصَّلوا (2) إلى قتلِه بما يَقتلُ غالباً.
ويختَصُّ بالقِصاصِ مُباشرٌ للقَتْلِ عالِمٌ بأنَّه ظُلمٌ، ثم ولِيٌّ عالمٌ بذلك، فبيِّنةٌ وحاكمٌ عَلِموا ذلك.
(وَشِبْهُ العَمْدِ: أَنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لَا تَقْتُلُ غَالِباً وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا؛ كَمَنْ ضَرَبَهُ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصَا صَغِيرَةٍ) ونحوِها، (أَوْ لَكَزَهُ وَنَحْوَهُ) بيدِه، أو ألقاهُ في ماءٍ قليلٍ، أو صاحَ بعاقلٍ اغتَفَلَهُ، أو بصغيرٍ على سطحٍ فمات (3).
(1) في (أ) و (ب) و (ع): إليها.
(2)
في (أ) و (ع): قد توصلوا.
(3)
جاء في هامش الأصل: (قوله: (بصغير على سطح) هكذا هنا، والظاهر أنه سقط منه لفظة:(فسقط) كما هي عبارة المنتهى، والله تعالى أعلم).
(وَ) قَتْلُ (الخَطَأِ: أَنْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ، مِثْلُ أَنْ يَرْمِيَ صَيْداً، أَوْ) يَرمِيَ (غَرَضاً، أَوْ) يَرمِيَ (شَخْصاً) مُباحَ الدَّمِ؛ كحربيٍّ وزانٍ مُحصَنٍ (فَيُصِيبَ آدَميًّا) مَعصوماً (لَمْ يَقْصِدْهُ) بالقتلِ فيَقتُلَه.
وكذا لو أراد قَطعَ لَحْمٍ أو غيرِه مما له فِعلُه فسَقَطَت منه السِّكينُ على إنسانٍ فَقَتَله، (وَ) كذا (عَمْدُ الصَّبِيِّ وَالمَجْنُونِ)؛ لأنَّه لا قَصدَ لهما، فهما كالمكلَّفِ المخطئِ، فالكفارةُ في ذلك في مالِ القاتِلِ، والدِّيةُ على عاقِلَتِه كما يأتي (1).
ويُصَدَّقُ إن قال: كنتُ يومَ قَتَلْتُه (2) صغيراً أو مجنوناً وأمْكَن.
ومَن قَتَل بصَفِّ كُفارٍ مَن ظنَّهُ حربيًّا فبَان مُسلماً، أو رمَى كُفَّاراً تَتَرَّسوا بمسلمٍ وخِيفَ علينا إن لم نَرْمِهِم ولم يَقصِدْهُ، فَقَتَله؛ فعليه الكفارةُ فقط؛ لقولِه تعالى:(فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)[النساء: 92]، ولم يَذْكُر الدِّيَةَ.
(1) في (أ) و (ع): سيأتي إن شاء الله.
(2)
في (ق): قتلت.