الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ النِّكَاحِ)
هو لغةً: الوَطءُ والجمعُ بينَ الشَّيئينِ، وقد يُطلقُ على العقدِ، وإذا قالوا: نَكَح فلانةً أو بنتَ فلانٍ؛ أرادوا تَزوجَّها وعَقَد عليها، وإذا قالوا: نَكَح امرأتَه؛ لم يُريدوا إلا المجامَعَةَ.
وشرعاً: عقدٌ يُعتبَرُ فيه لفظُ: إنكاحٍ، أو تزويجٍ في الجملةِ.
والمعقودُ عليه: منفعةُ الاستمتاعِ.
(وَهُوَ سُنَّةٌ) لذي شهوةٍ لا يَخافُ زناً مِن رجلٍ وامرأةٍ؛ لقولِهِ عليه السلام: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه الجماعةُ (1).
ويُباحُ لمن لا شَهوةَ له؛ كالعِنِّينِ (2)، والكبيرِ.
(1) رواه البخاري (1905)، ومسلم (1400)، وأبو داود (2046)، والترمذي (1081)، والنسائي (2239)، وابن ماجه (1845)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
قال في المطلع (ص 387): (العِنِّين: بكسر العين والنون المشددة: العاجز عن الوطء، وربما اشتهاه ولا يمكنه، مشتق من عنَّ الشيء: إذا اعترض، قال الجوهري: رجل عنين: لا يشتهي النساء، بيِّن العنة، وامرأة عنِّينة: لا تشتهي الرجال، فعيل بمعنى: مفعول، كجريح، وقال صاحب المطالع: وقيل: هو الذي له ذكر لا ينتشر، وقيل: هو الذي له مثل الزر، وهو الحصور، وقيل: هو الذي لا ماء له).
(وَفِعْلُهُ مَعَ الشَّهْوَةِ أَفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ العِبَادَةِ (1)؛ لاشتمالِه على مصالحَ كثيرةٍ؛ كتَحصينِ فرجِه وفرجِ زوجتِه، والقيامِ بها (2)، وتحصيلِ النَّسل، وتكثيرِ الأُمَّةِ، وتحقيقِ مُباهاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وغيرِ ذلك.
ومَن لا شهوةَ له نوافلُ العبادةِ (3) أفضلُ له.
(وَيَجِبُ) النكاحُ (عَلَى مَنْ يَخَافُ زِنًا بِتَرْكِهِ) ولو ظَنًّا، مِن رجلٍ وامرأةٍ؛ لأنَّه طريقُ إعفافِ نفسِه وصونِها عن الحرامِ، ولا فرقَ بين القادِرِ على الإنفاقِ والعاجزِ عنه، ولا يَكتفِي بمرَّةٍ بل يكونُ في مجموعِ العمرِ.
ويَحرمُ بدارِ حربٍ إلا لضرورةٍ فيُباحُ لغيرِ أسيرٍ.
(وَيُسَنُّ نِكَاحُ):
(وَاحِدَةٍ)؛ لأن الزِّيادةَ عليها تعريضٌ للمُحرَّمِ، قال الله تعالى:(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)[النساء: 129].
(دَيِّنَةٍ)؛ لحديثِ أبي هريرةَ مرفوعاً: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ
(1) في (ب) و (ق): العبادات.
(2)
في (ق): بهما.
(3)
في (أ) و (ب) و (ع): العبادات.
يَدَاكَ» متفقٌ عليه (1).
(أَجْنَبِيَّةٍ)؛ لأنَّ ولدَها يكونُ أنْجَبَ، ولأنَّه لا يَأمنُ الطَّلاقَ فيُفضِي مع القرابةِ إلى قطيعةِ
الرَّحمِ.
(بِكْرٍ)؛ لقولِه عليه السلام لجابرٍ: «فَهَلَّا بِكْراً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك» متفقٌ عليه.
(وَلُودٍ)، أي: مِن نساءٍ يُعْرَفْنَ بكثرَةِ الأولادِ؛ لحديثِ أنسٍ يرفعُه: «تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه سعيدٌ (2).
(بِلَا أُمٍّ)؛ لأنَّها ربَّما أفسدَتْها عليه.
ويُسنُّ أن يَتخيَّرَ الجميلةَ؛ لأنَّه أغضُّ لبصرِه.
(وَ) يُباحُ (لَهُ)، أي: لمن أراد خِطبةَ امرأةٍ وغَلَب على ظنِّه إجابتُهُ (نَظَرُ مَا يَظْهَرُ غَالِباً)؛ كوجهٍ، ورقبةٍ، ويدٍ، وقدَمٍ؛ لقولِه عليه السلام: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُم امْرَأَةً فَقَدرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ
(1) رواه البخاري (5090)، ومسلم (1466).
(2)
رواه سعيد بن منصور في سننه (490)، ورواه أحمد (12613)، وابن حبان (4028) من طريق خلف بن خليفة، حدثني حفص بن عمر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً، بلفظ (الأنبياء) بدل:(الأم)، ورواه البزار (6456) باللفظ الذي ذكره المؤلف. وصححه ابن حبان، وابن حجر، والألباني. وقال الهيثمي:(وإسناده حسن). ينظر: مجمع الزوائد 4/ 258، فتح الباري 9/ 111، الإرواء 9/ 195.
إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيِفْعَلْ» رواه أحمدُ وأبو داودَ (1)،
(مِرَاراً)، أي: يُكَرِّرُ النَّظرَ، (بِلَا خَلْوَةٍ) إن أَمِنَ ثورانَ الشَّهوةِ، ولا يحتاجُ إلى إذنِها.
ويُباحُ نظَرُ ذلك ورأسٍ وساقٍ مِن أمَةٍ وذاتِ محرمٍ، ولعبدٍ نَظَرُ ذلك مِن مولاتِه.
ولشاهدٍ ومُعامِلٍ نظرُ وجهِ مشهودٍ عليها ومَن تُعامِلُه وكفَّيْها لحاجةٍ.
ولطبيبٍ ونحوِه نظرٌ ولمْسٌ دَعَت إليه حاجةٌ.
ولامرأةٍ نظرٌ مِن امرأةٍ ورجلٍ إلى ما عدا ما بين سُرَّةٍ وركبةٍ.
ويحرمُ خَلوةُ ذكَرٍ غيرِ مَحْرَمٍ بامرأةٍ.
(وَيَحْرُمُ التَّصْرِيحُ بِخِطْبَةِ المُعْتَدَّةِ)؛ كقولِه: أُريد أن أتزوَّجَكِ؛
(1) رواه أحمد (14586)، وأبو داود (2082)، والحاكم (2696) من طريق محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين، عن واقد بن عبد الرحمن يعني ابن سعد بن معاذ، عن جابر رضي الله عنهما مرفوعاً. وفي رواية عند أحمد (14869)، صرح فيها ابن إسحاق بالسماع. قال الحاكم:(حديث صحيح على شرط مسلم)، ووافقه الذهبي، قال ابن حجر:(إسناده حسن)، وحسنه الألباني.
وضعفه ابن القطان، وقال:(إن واقداً هذا لا تعرف حاله، والمذكور المعروف إنما هو واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، وهو مدني ثقة)، وأجاب عن ذلك ابن الملقن وابن حجر، قال ابن حجر:(رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو، وكذا هو عند الشافعي وعبد الرزاق)، وهو كذلك في رواية أحمد السابقة. ينظر: بيان الوهم 4/ 429، البدر المنير 7/ 505، التلخيص الحبير 3/ 313، الدراية 2/ 226، الإرواء 6/ 200.
لمفهومِ قولِه تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)[البقرة: 235]، وسواءٌ (1) المعتدَّةُ (مِنْ وَفَاةٍ، وَالمُبَانَةُ) حالَ الحياةِ (دُونَ التَّعْرِيضِ)، فيباحُ لما تقدَّم.
ويحرمُ التَّعريضُ كالتصريحِ لرجعيةٍ.
(وَيُبَاحَانِ لِمَنْ أَبَانَهَا بِدُونِ الثَّلَاثَةِ (2)؛ لأنَّه يُباحُ له نكاحُها في عِدَّتِها؛ (كَرَجْعِيَّةٍ)؛ فإنَّ له رجعتَها في عدَّتِها.
(وَيَحْرُمَانِ)، أي: التَّصريحُ والتَّعريضُ (مِنْهَا عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا)، فيحرمُ على الرجعيَّةِ أن تُجيبَ مَن خَطَبَها في عدَّتِها تَصريحاً أو تَعريضاً.
وأما البائنُ فيُباحُ لها إذا خُطِبت في عِدَّتِها التَّعريضُ دونَ التصريحِ.
(وَالتَّعْرِيضُ: إِنِّي فِي مِثْلِكِ لَرَاغِبٌ، وَتُجِيبُهُ) إذا كانت بائِناً: (مَا يُرْغَبُ عَنْكَ، وَنَحْوِهِمَا)؛ كقولِه: لا تُفَوِّتِيني بنفسِكِ، وقولِها: إنْ قُضِيَ شيءٌ كان.
(فَإِنْ أَجَابَ وَلِيُّ مُجْبَرَةٍ) -ولو تَعريضاً- لمسلمٍ، (أَوْ أَجَابَتْ غَيْرُ المُجْبَرَةِ لِمُسْلِمٍ؛ حَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا) بلا إذنِهِ؛ لحديثِ أبي
(1) في (أ): وسواء كانت.
(2)
في (ب) و (ح) و (ق): الثلاث.
هريرةَ مرفوعاً: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» رواه البخاري والنسائي (1)، (وَإِنْ رُدَّ) الخاطبُ الأوَّلُ، (أَوْ أَذِنَ)، أو تَرَك، أو
استأذَن الثاني الأوَّلَ فَسَكَت، (أَوْ جُهِلَ الحَالُ)؛ بأنْ لم يعلَمْ الثَّاني إجابةَ الأوَّلَ؛ (جَازَ) للثاني أنِ يَخطُبَ.
(وَيُسَنُّ العَقْدُ يَوْمَ الجُمُعَةِ مَسَاءً)؛ لأنَّ (2) فيه ساعةَ الإجابةِ.
ويُسنُّ بالمسجدِ (3)، ذَكَره ابنُ القيمِ (4).
ويُسنُّ أنْ يخطبَ قبلَه (بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ)، وهي:«إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (5).
(1) رواه البخاري (5144)، والنسائي (3243). وروى مسلم صدره فقط (1408).
(2)
في (أ): لأنه.
(3)
في (ح): في المسجد.
(4)
قال في إعلام الموقعين (3/ 102): (عقد النكاح يشبه العبادات في نفسه، بل هو مقدم على نفلها، ولهذا يستحب عقده في المساجد).
(5)
رواه أحمد (4115)، وأبو داود (2118) من طريق سفيان، ورواه أحمد أيضاً (3720)، والحاكم (2744) من طريق شعبة، كلاهما عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه رضي الله عنه مرفوعاً. قال ابن حجر:(وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه).
ورواه أبو داود (2118)، والترمذي (1105)، والنسائي (3277)، وأبو عوانة (4143)، وابن الجارود (679) من طريق الأعمش، وابن ماجه (1892) من طريق يونس، كلاهما عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله مرفوعاً.
ورواه أحمد (3721) من طريق شعبة، ورواه أحمد (4116)، وأبو داود (2118) من طريق إسرائيل، كلاهما عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص وأبي عبيدة، عن عبد الله مرفوعاً.
قال الترمذي: (حديث عبد الله حديث حسن، رواه الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكلا الحديثين صحيح؛ لأن إسرائيل جمعهما، فقال: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، وأبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه أبو عوانة، وابن حبان - كما نقله ابن حجر -، والحاكم، وابن الجارود، وابن القيم، وابن الملقن، والألباني. ينظر: البدر المنير 7/ 531، زاد المعاد 2/ 415، التلخيص الحبير 3/ 324، فتح الباري 9/ 202، صحيح أبي داود 6/ 344.
ويُسنُّ أن يُقالَ (1) لمتزوِّجِ: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا وَعَلَيْكُمَا، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ» (2).
فإذا زُفَّتْ إليه قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا
(1) في (ق): يقول.
(2)
رواه أحمد (8956)، وأبو داود (2130)، والترمذي (1091)، وابن ماجه (1905)، وابن حبان (4052)، والحاكم (2745) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ إنساناً، قال:«بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير» . وصححه الترمذي، وابن حبان، والأشبيلي، وابن القيم، وابن الملقن، وقال الحاكم:(حديث صحيح على شرط مسلم)، ووافقه الذهبي وابن دقيق والألباني. ينظر: الاقتراح ص 111، الوابل الصيب ص 130، البدر المنير 7/ 534، التلخيص الحبير 3/ 325، صحيح أبي داود 6/ 351.