الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الحَضَانَةِ)
مِن الحِضْنِ: وهو الجَنْبُ؛ لأنَّ المُرَبِّي يَضُمُّ الطفلَ إلى حِضنِه.
وهي: حِفظُ صغيرٍ ونحوِه عمَّا يضُرُّه، وتربِيتُه بعملِ مصالِحِه.
(تَجِبُ) الحضانةُ (لِحِفْظِ صَغِيرٍ، وَمَعْتُوهٍ)، أي: مُختَلِّ العقلِ، (وَمَجْنُونٍ)؛ لأنَّهم يَهلِكون بتركِها ويَضيعون، فلذلك وجَبَت؛ إنجاءً مِن الهلَكَةِ.
(وَالأَحَقُّ بِهَا أُمٌّ)؛ لقولِه عليه السلام: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» رواه أبو داودَ (1)،
ولأنَّها أشفَقُ عليه، (ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا القُرْبَى فَالقُرْبَى)؛
(1) رواه أبو داود (2276)، ورواه أحمد (6707)، والحاكم (2830)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنت أحق به ما لم تنكحي» ، وصححه الحاكم، والذهبي، وابن الملقن، وحسنه الألباني، وقال:(وإنما هو حسن فقط، للخلاف المعروف فى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده).
قال ابن القيم عند هذا الحديث: (قد صرح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو، فبطل قول من يقول: لعله محمد والد شعيب، فيكون الحديث مرسلاً، وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، فبطل قول من قال: إنه منقطع، وقد احتج به البخاري خارج صحيحه، ونص على صحة حديثه، وقال: كان عبد الله بن الزبير الحميدي، وأحمد، وإسحاق، وعلي بن عبد الله يحتجون بحديثه، فمن الناس بعدهم؟ ! هذا لفظه، وقال إسحاق بن راهويه: هو عندنا كأيوب عن نافع عن ابن عمر، وحكى الحاكم في علوم الحديث له الاتفاق على صحة حديثه). ينظر: زاد المعاد 5/ 386، البدر المنير 8/ 317، الإرواء 7/ 244.
لأنَّهنَّ في معنى الأُمِّ؛ لتحَقُّقِ وِلادَتِهِنَّ؛ (ثُمَّ أَبٌ)، لأنَّه أَصلُ النَّسبِ، (ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ كَذلِكَ)، أي: القُربى فالقُربى؛ لأنَّهنَّ يُدْلِينَ بعَصَبةٍ قريبةٍ، (ثُمَّ جَدٌّ) كذلك الأقربُ فالأقربُ؛ لأنَّه في معنى أبي المحضُونِ، (ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ كَذلِكَ) القُربى فالقُربى، (ثُمَّ أُخْتٌ لأَبَوَيْنِ)؛ لتَقَدُّمِها في الميراثِ، (ثُمَّ) أُختٌ (لأَمٍّ)؛ كالجدَّاتِ، (ثُمَّ) أُختٌ (لأَبٍ، ثُمَّ خَالَةٌ لأَبَوَيْنِ، ثُمَّ) خالةٌ (لأَمٍّ، ثُمَّ) خالةٌ (لأَبٍ)؛ لأنَّ الخالاتِ يُدْلِين بالأُمِّ، (ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذلِكَ)، أي: تُقدَّمُ العمَّةُ لأبوين، ثمَّ لأُمٍّ، ثمَّ لأبٍ؛ لأنَّهنَّ يُدْلِين بالأبِ، (ثُمَّ خَالَاتُ أُمِّهِ) كذلك، (ثُمَّ خَالَاتُ أَبِيهِ) كذلك، (ثُمَّ عَمَّاتُ أَبِيهِ) كذلك، ولا حضانةَ لعمَّاتِ الأُمِّ مع عمَّاتِ الأبِ؛ لأنَّهنَّ يُدْلِين بأبي الأُمِّ وهو مِن ذوي الأرحامِ، وعمَّاتِ الأبِ يُدْلِين بالأبِ وهو مِن أقربِ العصباتِ، (ثُمَّ بَنَاتُ إِخْوَتِهِ)، تُقَدَّمُ بنتُ أخٍ شقيقٍ، ثم بنتُ أخٍ لأُمٍّ، ثم بنتُ أخٍ لأبٍ، (وَ) مِثلُهُنَّ بناتُ (أَخَوَاتِهِ، ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِهِ) لأبوين، ثم لأُمٍّ، ثم لأبٍ، (وَ) بناتُ (عَمَّاتِهِ) كذلك، (ثُمَّ بَنَاتُ أَعْمَامِ أَبِيهِ)
كذلك، (وَبَنَاتُ عَمَّاتِ أَبِيهِ) كذلك على التفصيلِ المتقدِّمِ.
(ثُمَّ) تَنتَقِلُ (لِبَاقِي العَصَبَةِ، الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ)، فتُقدَّمُ الإخوةُ ثم بَنوهم، ثم الأعمامُ ثم بَنوهم، ثم أعمامُ أبٍ ثم بَنوهم، وهكذا.
(فَإِنْ كَانَت) المحضونةُ (أُنْثَى فَـ) يُعتبَرُ أن يكونَ العَصبةُ (مِنْ مَحَارِمِهَا) ولو برضاعٍ أو مصاهرةٍ إن تمَّ لها سَبعُ سِنين، فإن لم يَكُن لها إلا عَصبةٌ غيرُ مَحْرَمٍ سلَّمَها لثقةٍ يختارُها أو إلى مَحْرمِه.
وكذا لو تزوَّجَت أُمٌّ وليس لولدِها غيرُها.
(ثُمَّ) تَنتَقِلُ الحضانةُ (لِذَوِي أَرْحَامِهِ) مِن الذُّكورِ والإناثِ غيرِ مَن (1) تَقدَّم، وأَوْلاهُم أبو أُمٍّ، ثم أمهاتُه، فأخٌ لأُمٍّ، فخالٌ، (ثُمَّ) تَنتَقِلُ (لِلحَاكِمٍ)؛ لعمومِ وِلايَتِه.
(وَإِنِ (2) امْتَنَعَ مَنْ لَهُ الحَضَانَةُ) منها، (أَوْ كَانَ) مَن له الحضانةُ (غَيْرَ أَهْلٍ) للحضانةِ؛ (انْتَقَلَتْ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ)، يعني: إلى مَن يَليهِ؛ كوِلايةِ النكاحِ؛ لأنَّ وجودَ غيرِ المستحِقِّ كعدمِه.
(وَلَا حَضَانَةَ لِمَنْ فِيهِ رِقٌّ) ولو قلَّ؛ لأنَّها ولايةٌ وليس هو مِن أهلِها.
(وَلَا) حضانةَ (لِفَاسِقٍ)؛ لأنَّه لا يُوثَقُ به فيها، ولا حظَّ
(1) في (ق): ما.
(2)
في (ق): ومن.
للمحضونِ في حضانَتِه.
(وَلَا) حضانةَ (لِكَافِرٍ) على مسلمٍ؛ لأنَّه أوْلَى بعدمِ الاستحقاقِ مِن الفاسقِ.
(وَلَا) حضانةَ (لِمُزَوَّجَةٍ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَحْضُونٍ مِنْ حِينِ عَقْدٍ)؛ للحديثِ السابقِ (1)، ولو رَضِيَ زوجٌ.
(فَإِنْ زَالَ المَانِعُ)؛ بأن عَتَقَ الرقيقُ، وتابَ الفاسقُ، وأسلَمَ الكافرُ، وطُلِّقت المزوَّجَةُ ولو رَجعيًّا؛ (رَجَعَ إِلَى حَقِّهِ)؛ لوجودِ السببِ وانتفاءِ المانعِ.
(وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ)، أي: أبوَيْ المحضونِ (سَفَراً طَوِيلاً) لغيرِ الضِّرارِ - قاله الشيخُ تقيُّ الدينِ، وابنُ القيمِ (2)
- (إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ) مسافةَ قصرٍ فأكثرَ (لِيَسْكُنَهُ، وَهُوَ)، أي: البلدُ (وطَريقُهُ آمِنَانِ؛ فَحَضَانَتُهُ)، أي: المحضونِ (لأَبِيهِ)؛ لأنَّه الذي يَقومُ بتأديبِه وتخريجِه وحِفظِ نَسبِه، فإذا لم يَكُن الولدُ في بلَدِ الأبِ ضاعَ.
(وَإِنْ بَعُدَ السَّفَرُ) وكان (لِحَاجَةٍ) لا لسُكنى؛ فمُقيمٌ منهما أوْلَى،
(1) انظر صفحة ....
(2)
إعلام الموقعين (3/ 229)، وزاد المعاد (5/ 414)، ونقله عنه في الفروع (9/ 345).
ولم نقف على كلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله، ولم ينقله عنه المصنف في كتبه الأخرى، ولم يذكره صاحب الفروع والإنصاف، وإنما اقتصروا جميعاً على كلام ابن القيم.